الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)
.القسم الثاني مما يكتب من الولايات عن الأبواب السلطانية: ما يكتب لأرباب الوظائف بالممالك الشامية: واعلم أن نواب السلطنة في التولية على ضربين:الضرب الأول: من لا تصدر عنه منهم تولية في عمل نيابته:وهم نواب الديار المصرية: من النائب الكافل، ونائب الإسكندرية، ونائب الوجه البحري، ونائب الوجه القبلي، فليس لأحد منهم تصرف في ولاية ولا عزل لنائبٍ، ولا كاشفٍ، ولا والي حربٍ. إنما النائب الكافل يكتب في بعض الأمور على القصص، والسلطان هو الذي يباشر الكتابة على الولايات بنفسه، والنائب الكافل يكتب بالاعتماد على ما يكتب عليه السلطان، كما تقدمت الإشارة إليه في موضعه.الضرب الثاني: من تصدر عنه التولية والعزل في عمل نيابته:وهم نواب السلطنة بالمماليك الشامية السبع المقدم ذكرها: من النيابات الصغار، والوظائف الديوانية، والوظائف الدينية، ووظائف مشايخ التصوف، والوظائف العادية: كرياسة الطب ونحوها، ووظائف زعماء أهل الذمة: من رياسة اليهدو، وبطركية النصارى، وغير ذلك.فأما النيابات الصغار التي في أعمال النيابات العظام: فما كانت نيابته إمرة عشرة فأكثر يولي فيه النواب، وربما ولى فيه السلطان. وما كانت نيابته إمرة طبلخاناه فأكثر: يولي فيه السلطان، وربما ولى فيه النواب. وما كانت نيابته تقدمة ألف، فولايته مختصة بالسلطان دون النواب.وأما الوظائف الديوانية، فما كان منها صغيراً ككتابة الدرج وما في معناها، فأكثر ما يوليها النواب. وما كان منها جليلاً: ككتابة السر وما في معناها، ونظر الجيش، ونظر المال، فتوليته مختصة بالسلطان. وما كان منها متوسطاً بين الطرفين: ككتابة الدست ونحوها: ففي دمشق تارةً يولي فيها السلطان، وتارةً يولي فيها النائب. وفيما دونها من النيابات غالب من يولي فيها النواب، وقد يولي فيها السلطان.وأما الوظائف الدينية، فما كان منها صغيراً: كالتداريس الصغار، والخطابات بالجوامع الصغار، وأنظار المدارس والجوامع الصغار، ونحو ذلك، فإنه يولي فيها النواب ولا يولي فيها السلطان إلا نادراً. وما كان منها جليلاً: كقضاء القضاة، فإن توليته مختصة بالسلطان. وما كان منها متوسطاً بين الرتبتين: كقضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، والحسبة، ووكالة بيت المال، ومشيخة الشيوخ، ونحو ذلك: فتارةً يولي فيها السلطان، وتارةً يولي فيها النواب. إلا أن تولية السلطان فيها في النيابات الكبار كالشام أكثر، وتولية النواب فيها فيما دون ذلك أكثر.وأما مشيخة الخوانق فقد يولي فيها السلطان، وقد يولي فيها النواب: إلا أن تولية السلطان في مشيخة الشيوخ بالشام أكثر، وتولية النواب في غير مشيخة الشيوخ بدمشق وفي غيرها من وظائف الصوفية في غير دمشق أكثر.وأما الوظائف العادية كرياسة الطب ونحوها، ففي جميع النيابات توليتها من النواب أكثر، وربما ولى فيها السلطان.وأما وظائف زعماء أهل الذمة: كرياسة اليهود، وبطركية النصارى، فيستبد بها النواب دون السلطان: لزيادة حقارتها في الوظيفة والبعد عن حضرة السلطان.وقد تقدم في الكلام على ترييب الممالك بالبلاد الشامية أنه كان بها سبع ممالك عظامٍ استقرت سبع نيابات:النيابة الأولى: نيابة دمشق:ويعبر عنها بكفالة السلطنة بالشام، ووظائفها على نوعين:النوع الأول: ما هو بحاضرة دمشق:ويشتمل ما يكتب به من وظائفها عن الأبواب السلطانية على أربعة أصناف:الصنف الأول: أربا السيوف، وهم على طبقات:الطبقة الأولى: من يكتب له تقليلدٌ في قطع الثلين بالمقر العالي مع الدعاء بعز الأنصار: وهو نائب السلطنة بها.وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به عن السلطان الملك العادل كتبغا للأمير سيف الدين غرلو العادلي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهو:الحمد لله الذي جعل لسيف دولتنا على عاتق الملك الأعز نجاداً، وادخر لكفالة مملكتنا من الأولياء من تناسب وصفاه اجتهاداً في مصالح الإسلام وجهاداً، وعدق أمور رعاينا بمن أيقظ لها سيفه وجفنه فامتلأت عيونهم بما وهب وسلب من نومه ونوم العدا رقاداً، ورفع ألوية إحساننا على من زاد برفعها ظل عدله انبساطاً على الرعية وامتداداً، ووطد قواعد ممالكنا بمن أجلنا الفكر في حسن اختياره انتقاءً لمصالح الإسلام وانتقاداً، وأدى لشكر نعم الله التي لا يؤدى شكر بعضها ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ أو كان البحر مداداً.نحمده على نعمه التي جعلت عزائمنا على الأبد منصورة، ومقاصدنا على مصالح المسلمين مقصورة، وىراءنا تفوض زعامة الجيوش إلى من تصبح فرق الأعداء بفرقة مغزوةً وممالكهم بمهابته محصورة.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا نزال ننشر دعوتها في الآفاق، ونرهف لإقامتها في ممالكنا سيفاً يصل إلا ما أمر الله بقطعه ويقطع إلا الأرزاق، ونرهب من ألحد فيها بكل وليٍّ لرعبه في القلوب ركض ولرايته في الجوانح خفق ولأسنته في الصدور إشراق، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من فوض حكماً في أيامه إلى من اعتمد عليه، وأرأف من استخلف على من بعد عنه من أمته من يعلم أن صلاحهم في يديه، وألطف من عدق شيئاً من أمور أهل ملته بمن أعانه الله وسدده في دفع عدوهم وصلاح ما يرفع من أحوالهم إليه؛ صلى لله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولوا على الأمة فعدلوا، وأمروا بما جبله الله عليه من الرأفة والنعمة والرحمة فامتثلوا، وعلموا أن الحق فيما نهج لهم من طرق طريقته المثلى فما مالوا عن ذلك ولا عدلوا، صلاةً لا تغرب شمسها، ولا يعزب أنسها، ولا تعتبر أوقات إقامتها إلا ويقصر عن يومها في الكثرة أمسها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى ما أعملنا إليه ركائب الآراء المؤيدة، وصرفنا إليه أزمة نجائب الأفكار المسددة، وأجلنا فيه طرف النظر الذي لا يشق في بلوغ الغاية غباره ولا يدرك، وأحلنا الأمر فيه على التأييد الذي هو عمدتنا فيما يؤخذ من ثواقب الآراء وما يترك، وقدمنا فيه مهم الاستخارة الذي يتلوه التوفيق، وعلمنا أن ألذ أسباب الاهتداء إليه سلوك طريق النصح لله ولرسوله وللإسلام فسلكنا إليه من ذلك الطريق؛ وقصرنا النية فيه على مصالح الأمة التي هي فرض العين بل عين الفرض، وأطلنا الارتياد فيه لتعين من نرجو له ممن عناهم الله بقوله: {الذين إن مكناهم في الأرض}، وندبنا له سيفاً لم يزل في صدور الأعداء صدره وفي يد جبار السموات قائمه، واردنا لتقدمة الجيوش فيه زعيماً طالما مل ضوء الصبح مما يغيره ومل سواد الليل مما يزاحمه، وقدمنا له من نشأ في حجر ولائنا، وغذي بلبان برنا وآلائنا، وشهد الوقائع بين يدينا، وخبرنا من سيرته النهوض في الرعايا بما كتب الله لهم من الرأفة والرحمة علينا- أمر نيابة سلطتنا الشريفة بالممالك الشامية التي نابت فيها مهابتنا، عن الإقامة فيها، وجعلتها عنايتنا، من أشرف ممالكنا التي نخصها على البعد بدوام الملاحظة ونصفيها؛ وهي واسطة عقد ممالكنا، ومحط رحال طرقنا إلى جهاد الأعداء ومسالكنا، وهالة أهله سرى القصد إلى لحظها في أديم الأرض مواقع سنابكنا، ومواطن القربات التي نصت الآثار الصحيحة عليها، ومظان العبادات التي طالما نصت ركائب العباد العباد إليها، ومقام الأبدال الذين هم أهل دار المقامة، ومستقر طائفة الدين الذين لا يزالون ظاهرين على أعدائهم لا يضهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وفلك الثغور الذي تشرق منه كواكب سعودها، وتتصرف من نوئه إلى من جاورها من العدا خاطفات بروقها وقاصفات رعودها؛ فكم ذي جنودٍ أمها فهلك وما ملك، وسلك إليها بجيوشه فزلت وتزلزلت قدمه حيث سلك؛ ولجيشها البأس الذي وجود الأعداء به عدم، والحد الذي يعرفه أهل السياق وإن أنكرته أعناقهم فما بالعهد من قدم.وأن نفوض أمرها إلى من ينشر بها على الأمة لواء عدلنا، ويبسط فيها بالرأفة والرحمة رداء فضلنا، ويحيي بها سنن الإحسان التي مبدأ أيامها غاية من سلف من قبلنا، ويقيم منار الملك من بأسه على أرفع عماد، وينيم الرعايا من عدله في أوطإ مهاد، ويكف أكف الظلم حتى لا يتجاسر إلى إعادة يده إليها عادٍ ومن عاد، ويجرد إلى العدا من خياله وخيله سرايا تطرد عن موارد جفونهم بقوائمها الرقاد، وتستعيد عوادي أرواحهم من مستودعات أجسادهم فهي بحكم العارية غير مستقرةٍ في الأجساد، ويصون الرتب عن تطرق من يفسد أحوالها لعدم أهليته: فإنه ما سلك أحدٌ في أيامنا طرق الفساد فساد، ويعلم به أنا جردنا على العدا سيفاً يسبق إليهم العذل، ويزاحم على قبض نفوسهم الأجل، وتتحلى بتقليده الدول، ويتحقق بفتكه أنه لا حاكم بيننا وبينهم إلا السيف الذي إن جار فيهم فقد عدل.ولذلك لما كان المجلس العالي الفلاني: هو الذي اخترناه لذلك على علم، وقلدناه أمور الممالك: لما فيه من حدة بأسٍ وآية حلم، وعجمنا عوده فكان ليناً على الأولياء فظاً على العدا، وبلونا أوصافه فعلمنا منه السداد الذي لا يضع به الندى في موضع السيف ولا السيف في موضع الندى، وعرضنا سداده على حسن اعتبارنا للأكفاء فكان سميرنا وحمل فزين معروضاً وراع مسددا، وهززناه فكان سيفاً ينصل حده الخطب إذ أعضل، وأعطيناه أمر الجيوش فلم يختلف أحدٌ في أنه أفضل من الأفضل.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لازال يصطفي من الأولياء كل كفءٍ كريم أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالممالك الشامية: تفويضاً يعلي قدره، ويبسط في مصالح الملك والممالك أمره، ويطلق في مصالح الدولة القاهرة سيفه وكلمه، ويدر على الأولياء إحساننا الذي إذا جارى الغيث أخجل دوامه ديمه، ويرفع بالعدل منار دوام ملكنا الذي قرنه الله للأمة بجودنا، ويضيف باسترفاع الأدعية الصالحة لدولتنا من كل لسان جنود الليل إلى جنودنا، وينظر في أمور الممالك الشامية نظراً عاماً، ويعمل في سداد ثغورها وسداد أمورها رأياً ثاقباً وفكراً تاماً، ويأمر النواب من سد خللها بما كفايته أدرى به منهم، وينبههم من مصالحها على ما ظهر لفكره المصيب وخفي عنهم، ويلاحظ أموال ما بعد من البلاد كملاحظته أموال ما دنا، وينظر في تفاصيل أمورها: فإنها وإن كانت على السداد فليس بها عن حسن نظرة غنى، ويسلك بالرعايا سنن إنصافه التي وكلته معرفتنا به إليها، ويجريهم على عوائد الإحسان التي كانت من خلقه سجيةً وزدناه تحريضاً عليها.وهو يعلم أن الله تعالى قد أقامنا من الجهاد في أعدائه بسنته وفرضه، ومكن لنا في الأرض: لإقامة دعوته وإعلاء كلمته وتطهير أرضه، وعضدنا بتأييده لنصرة الإسلام، وأمدنا من عدد نصره بكل سيفٍ تروع الأعداء به اليقظة وتسله عليهم الأحلام، وبث سرايا جيوشنا براً وبحراً: فهي إما سوارٍ في البر تمر مر السحاب أو جوارٍ منشآتٌ في البحر كالأعلام، ويتعاهد أحوال الجيوش الشامية كل يوم بنفسه، ويعدهم في غده بإعادة ما عتبره من عرضهم في أمسه، ويرتب أمر كل إقليم وحاله، ويتفقد من يباشر بالتقدمة تقدمه إلى الأطراف وارتحاله، ويأمرهم كل يوم بالتأهب للعرض الذي يباشره غداً بين يدينا، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير جمال الدين أقوش الأشرفي في جمادى الأولى، سنة إحدى عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله تعالى، وهي: الحمد لله الذي جعل الدين في أيامنا الزاهرة زاهياً بجماله، سامياً بتقديم من إذا أرهف في الذب عنه بسيف عزمه غدت الجنة تحت ظلاله، حالياً بتفويض زعامة جيوشه إلى من لو فاخر به البدور تعجبت من نقصانها وكماله، عالياً بإيالة من تتولد معاني النصر والظفر بين الكاملين: من روية رأيه وارتجاله، راقياً على هام الكفر بعزائم من لا يزال تصبح مهابته العدا بطلائع خيله وتبيتهم بطوارق خياله، نامياً بإسناد الحكم فيه إلى من يقطع إنصافه بين المبطل ورجائه ويصل العدل منه بين المحق وبين آماله.نحمده على نعمه التي أنامت الرعايا من معدلتنا في أوطإ مهاد، وأدامت الدعاء الصالح لأيامنا بإعلاء كلمتي العدل والجهاد، وأقامت الإيالة في أسنى ممالكنا بمن هو أجرى من الغيوث، وأجرأ من الليوث، في مصالح البلاد والعباد.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال الألسن لإقامتها مديمة، والضمائر على إدامتها مقيمة، والقلوب تعقد من كلمة إخلاصها وإخلاص كلمتها في جيد الإيمان تميمة، والتوحيد يظهر أنوارها في الوجوه الوسيمة، بمأمن مطالع القلوب السليمة.ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جبله على خلقٍ عظيم، وجعله وإن تأخر عصره من مقام النبوة في أعلى رتب التقديم، ومن على الأمة بإرساله إليهم من أنفسهم وأنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعوا إلى طاعته وأجابوا، وحكموا بسنته وأصأبوا، وجاهدوا المعرضين عن ملته حتى رجعوا إلى الهدى وأنأبوا، صلاةً لا تغيب أنوؤها، ولا يفارق وجوه أهلها وقلوبهم رواؤها وإرواؤها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإنه- لما أجرانا الله عليه من عوائد نصره، وأغرانا به من حصد الشرك وحصره، ومنحنا من بسطة ملك زينت بها أسارير البسيطة وأسرتها، ووهبنا من فواتح فتوحٍ علت على وجوه الكفر مساءتها وبدت على وجه الإسلام مسرتها- لم نزل نؤدي شكر نعم الله بالإحسان إلى عباده، ونستزيد منها بتفويض أمورهم إلى من يقوم في الذب عنهم مقام الجيش على انفراده، فلا نقدم على الرأفة بخلق الله أمراً، ولا نحابي في بسط المعدلة عليهم زيداً ولا عمراً، ولا نعدل بهم عمن إذا ركب في موكب نيابتنا زانه وجمله، وإذا جلس على بساط عدلنا زاده وكمله، وإذا رسم أمرنا أصغت السيوف إلى مراسمه، وإذا نظر بعين عنايتنا ثغراً أهدى الشنب إلى مباسمه، وإذا رام في مصالح الإسلام أمراً قرب على رأيه بعيده، وإذا رمى في حماية الممالك عدواً سبق إلى مقاتله قبل السيوف وعيده، وإذا جرد جيشاً إلى أعداء الإسلام جرت قبل اللقاء ذيول هزائمها، ورأت الفرار أمنع لها من صوارمها، ونثلت ما في كنائنها من سهامٍ ضعفت عن الطيران قوى قوادمها.ولما كان الجناب العالي الفلاني هو معنى هذه الفرائد، وسر هذه الأوصاف التي للشرك منها مصائب هي عند الإسلام فوائد، وفارس هذه الحلبة، التي أحرز قصب سبقها، وكفء هذه الرتبة، التي أخذها دون الأكفاء بحقها؛ لا تأخذه في الحق لومة لائم، ولا يأخذ أمر الجهاد إلا بجده وما ليل المجد بنائم يسري إلى قلوب الأعداء رعبه وهو في مكانه، وتؤدي مهابته في نكاية الكفر فرض الجهاد قبل إمكانه، ويشفع العدل في الرعايا بالإحسان إليهم، ويجمع بين إرهاب المعتدين وشدة الوطأة عليهم، ويقف في أحكامه مع الشريعة التي أعلى الله تعالى منارها، ويستضيء بأحكامها التي هي لأبصار النظار تعير أنوارها.وكانت المملكة الشامية المحروسة من الممالك الإسلامية بمنزلة القوة في اليمين، والواسطة في العقد الثمين، والإدراك في الصدور، والإشراق في البدور، وبها الأرض المقدسة، والحصون التي هي على نكاية الأعداء مؤسسة، ولها الجيوش التي ألفت في الجهاد السرى وأنفت لسيوفها في الجفون الكرى، ومرت على مقاتل العدا أسنتها، وصرفت في مسالك الحرب أعنتها، وراعت ملوك أهل الكفر سمعة أمرائها، وحاطتها أمداد النصر في حروبها من بين يديها ومن ورائها؛ وفيها من الأئمة العلماء الأعيان من يعدل دم الشهداء مداد أقلامهم، ومن الأتقياء الصلحاء من لا تطيش دون مقاتل أهل الكفر مواقع سهامهم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمنع هذه الرتبة السنية بجمالها، وأن نبلغ هذه الدرجة السرية بمن حوى هذه الأوصاف الفاخرة غاية آمالها، ليصبح بها لواء عدلنا، مرفوع الذوائب، ومنهل فضلنا، مدفوع الشوائب، وكلمة جهادنا، نافذةً في المشارق والمغارب، وقبضة بأسنا، آخذةً من أعداء الدين بالذرا والغوارب، وطليعة كتائبنا مؤتمةً بمن توقن الطي أن فريقه إذا ما التقى الجمعان أول غالب.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صوارمه للشرك قامعة، ومراسمه لمصالح الدين والدنيا جامعة- أن تفوض إليه تفويضاً يرفع علمه، ويمضي في مصالح الإسلام سيفه وقلمه، وينشر في آفاق الممالك الشامية عدله، ويبسط على رعايا تلك الأقاليم المحروسة فضله وظله، فيطلع في أفق المواكب هالة أهلتها، وطراز حلتها، وطلعة لوائها، وواسطة عقود مقدمها وآرائها، وزينة تسييرها ووقوفها، وحلية طلائعها وصفوفها، ويجلس في مواطن الجلوس صادعاً بالحق في حكمه، آمراً بإدامة التأنيب للعدو في أيام سلمه، معطياً منصب النيابة الشريفة حقه من الجلالة، موفياً رتبتها المنيفة ما يجب لها من أبهة المهابة وكفاءة الكفالة، ولا يزال لمصالح الجيوش المنصورة ملاحظاً، وعلى إزاحة أعذارهم محافظاً، وإلى حركات عدو الإسلام وسكناته متطلعاً، وإلى ما يتعين من إبطال مكايده متسرعاً، ولبواطن أحوالهم بحسن الاطلاع محققاً، ولجموعهم بيمن الاجتماع للقائهم مفرقاً، فلا يضمرون مكيدةً إلا وعلمها عنده قبل ظهورها لديهم، ولا يسرون غارة إلا ورايتا خيله المغيرة أسبق منها إليهم.وليكن لمنار الشرع الشريف معلياً، ولأقدار أربابه مغلياً، ولرتب العلماء رافعاً، ولأقوالهم في الأحكام الشرعية سامعاً، ولذوي البيوت القديمة مكرماً، ولأهل الورع والصلاح معظماً، وعلى يد الظالم ضارباً، وفي اقتناء الأدعية الصالحة لدولتنا القاهرة راغباً، ولجميل النظر في عمارة البلاد مديماً، وبحسن الفكر في أمور الأموال معملاً رأياً بمصالحها عليماً ولجهات البر بجليل العناية والإعانة عامراً، وعن كل ما لا يجب اعتماده ناهياً وبكل ما يتعين فعله آمراً. وفي كمال خلاله، وأدوات جماله، ما يغني عن الوصايا إلا على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين، وترفع المتقين؛ وملاكها تقوى الله تعالى وهي من خصائص نفسه الكريمة، وعوائد سيرته الحديثة والقديمة؛ والله تعالى يسدده في القول والعمل، ويؤيده وقد فعل، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب بها للأمير سيف الدين تنكز الناصري في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي: الحمد لله مفوض أسنى الممالك في أيامنا الزاهرة إلى من تزهو بتقليده، ومشيد قواعد أسمى الأقاليم في دولتنا القاهرة بمن يعلو بإيالته ما يلقى إليه معاقد مقاليده، ومسدد الآراء في تصريف أعنة جيوشنا المنصورة بتقديم من تغدو سيوفه من عنق كل متوجٍ من العدا قلادة جيده، وناشر لواء العدل في رعايانا وإن بعدوا بمن تنيم كلاً منهم في مهد الأمن والدعة يد مهابته وتمهيده، ومعلي منار الجهاد في سبيله بمن إذا جرد سيفه في وغىً تهللت نواجذ أفواه المنايا الضواحك بين تجريبه وتجريده.نحمده على نعمه التي أيدت آراءنا بوضع كل شيءٍ في مستحقه، وقلدت سيف النصر من أوليائنا من يأخذه في مصالح الإسلام بحقه، وجددت آلاءنا لمن إذا جارت الحتوف سيوفه إلى مقاتل العدا فاتها وفاقها بمزيتي كفايته وسبقه.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال ألسنتنا ترفع منارها، وسيوفنا تصلي من جحدها قبل نارها، وآراؤنا تفوض مصالح جملتها إلى من إذا رجته لنصرةٍ أنالها وإذا أسدى معدلةً أنارها.ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بنصره، وجعله سابق من تقدم من الرسل على عصره، وآتاه من الفضائل ما يضيق النطق عن إحصائه ومن المعجزات ما يحول الحصر دون حصره؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بهداه، وهجروا في طاعته من عاداه، ونهضوا في رضا الله تعالى ورضاه إلى مظان الجهاد وإن بعد مداه، صلاة يشفعها التسليم، ونبتغي إقامتها عند الله والله عنده أجرٌ عظيم، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن أولى ما أعملنا في مصالحه الفكر، وتدبرنا أحواله بكل رأيٍ يسدده الحزم المروى ويؤيده الإلهام المبتكر، وقدمنا فيه الاستخارة على ما جزم اليقين بأن الخيرة للإسلام والمسلمين في اعتماده، وتمسكنا فيه بحبل التوفيق الذي ما زال تتكفل لنا في كل أمرٍ بسداده وفي كل ثغرٍ بسداده- أمر الممالك الشامية التي هي واسطة عقد الممالك، ومجتمع ما يفضي إلى مواطن النصر من المسالك، ومركز فلك الأقاليم الذي تنتظم عليه بروج ثغورها، ونقطة دائرة الحصون التي منها مادتها وعليها مدار أمورها، وغيل ليوث الحرث التي كم أنشبت أظفار أسنتها في طرة ظفر، ومواطن فرسان الوغى التي كم أسفر عن إطلاق أعنتها إلى غايات النصر وجه سفر، وأن نرتاد لكفالة أمورها، وكفاية جمهورها، وحماية معاقلها المصونة وثغورها، وزعامة جيوشها، وإرغام طارقي أطرافها من أعداء الدين وثل عروشها، من جرده الدين فكان سيفاً على أعدائه، وانتقاه حسن نظرنا للمسلمين فكان التوفيق الإلهي متولي جميل انتقاده وانتقائه، وعجمنا عود أوصافه فوجدناه قوياً في دينه، متمكناً في طاعته بإخلاص تقواه وصحة يقينه، متيقظاً لمصالح الإسلام والمسلمين في حالتي حركته وسكونه، آخذاً عنان الحزم بيسر يسراه وسنان العزم بيمن يمينه، واقفاً مع الحق لذاته، مقدماً مشاق الجهاد على سائر مآربه ولذاته؛ ماضياً كسيفه إلا أنه لا يألف كالسيف الجفون، راضياً في راحة الآخرة بمتاعب الدنيا ومصاعبها فلا يرعى في مواطن الجهاد إذا حلها أكناف الهوينا ولا روض الهدون، مانعاً حمى الإسلام لا حمى الوقبى بضربٍ يفرق بين أسباب الحياة ويؤلف بين أشتات المنون.ولما كان فلان هو الذي تشوفت هذه الرتبة إلى أن تتجمل به مواكبها، وتتكمل به مراتبها، وتنتظم على دسته هالة أمرائها كما تنتظم على هالة بدر السماء كواكبها؛ فإذا طلع في أفق موكبٍ أعشت الأعداء جلالته، وأعدت الأولياء بسالته، وسرى إلى قلوب أهل الكفر رعبه، وفعل فيهم سلمه ما يفعل من غيره حربه، وإذا جلس على بساط عدلٍ خرس الباطل، وأنجز ما في ذمته الماطل، وتكلم الحق بملء فيه، وتبرأ الباطل حتى ممن يسره ويخفيه، وإن نظر في مصالح البلاد أعان الغيث على ريها برفقه، وأعاد رونق عمارتها بكف أكف الظلم ووصول كل ذي حقٍّ إلى حقه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعل فنون أفنانه بيمن إيالته دانية القطوف، وأن نصير جنتها تحت ظلال سيفه: «فإن الجنة تحت ظلال السيوف».فلذلك رسم بالأمر الشريف- لازال زمن عصره، مؤرخاً بالفتوح، وسيف نصره، على من كفر دعوة نوح- أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس: تفويضاً يحسن به المناب في تلك الممالك عنا، وينشر فيها من العدل والإحسان ما يلقاه منا، ويلبسها من حلل المهابة ما يضاعف به أمن سربها، وتصبح به السيوف المجردة أحفظ لها من قربها، ويطلع في أفق مواكبها الجليلة طلوع الشمس التي يعم نفعها، ويعشي النواظر لمعها، ويجلس في دست نيابتنا حاكماً فيها بأمرنا، جازماً بحكم الشرع الشريف الذي قد علم أنه حلية سرنا وجهرنا، ناشراً من مهابة الملك ما ترجف له القلوب من العدا، وتصبحهم به سرايا رعبه على بعد المدى، ملزماً من قبله من الجيوش المنصورة بمضاعفة إعداد القوة، وإدامة التأهب الذي لا تبرح بسمعته بلاد أهل الكفر مغزوة، مطلعاً على أحوال العدا بلطف مقاصده، ونكاية مكايده، وحسن مصادره في التدبير وموارده؛ فلا يبرمون أمراً إلا وقد سبقهم إلى نقض مبرمه، ولا يقدمون رجلاً إلا وقد أخرها بوثبات إقدامه وثبات قدمه. وليعظم منار الشرع الشريف بتكريم حكامه، والوقوف مع أحكامه، ويرفع أقدار حملة العلم بترفيه أسرارهم، وتسهيل مآربهم وأوطارهم، وليعم الرعايا بعدله وإنصافه، ويسترفع لنا أدعية الأولياء والصلحاء بإسعاده وإسعافه. وفي خصائص أوصافه الكريمة، وسجاياه التي هي لمصالح الإسلام مستديمة، ما يغني عن تشددٍ في القول والعمل، والله تعالى يؤيده وقد فعل، ويجعله من أوليائه المتقين وقد جعل، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام، كتب به للأمير يلبغا الكاملي بعد نيابته بحلب وحماة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، وهي:الحمد لله مجري الأقدار، برفعة الأقدار، ومثري آمال من حسنت له في خدمتنا الآثار، بمواهب العطايا والإيثار، وممري غروس نعم أوليائنا التي رعى عهدها عهاد سحب جودنا الغزار، جاعل أصفياء مملكتنا الشريفة كل حين في ازدياد، ومانح المخلصين في خدمتنا مزيد الإسعاف والإسعاد، وفاتح أبواب التأييد بسيوف أنصارها التي لا تهجع في الأعماد.نحمده على مواهب نصره، ونشكره على إدراك المآرب من جوده الذي يعجز لسان القلم عن حصره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تؤيد قائلها في مواقفه، وتجمع له من خير الدنيا بين تالده وطارفه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هدى الله به هذه الأمة من الصلال، وفضل به المجاهدين حيث جعل الجنة تحت ما لسيوفهم من ظلال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا انفصاح لعروتها ولا انفصال، ولا انقضاء لأسبابها ولا زوال، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن أولى من انتدب لحفظ ممالك الإسلام، وأتمن على صونها بعزمه الذي لا يسامى ولا يسام، وأسند إليه من أمور الرعايا بأجل الممالك ما يقضي بمزيد التكريم، واعتمد على صيانته وديانته لما شهد الاختبار بأنه أهلٌ للتقديم، وجربت الدول مخالصته، وتحقق اهتمامه الذي بلغه من العز غايته، وأثنت على حسن سيرته وسريرته سوابق خدمه، وشكر اهتمامه في المخالصة التي أعربت عن عزمه، ففاق أشباهاً وأنظاراً، وكفل الممالك الشريفة الحلبية والحموية فأيدها أعواناً وأنصاراً، وبسط فيها من العدل والإنصاف ما أعلى له شأناً ورفع له مقداراً، وسلك فيها مسلكاً شنف أسماعاً وشرف أبصاراً.ولما كان المقر الكريم إلى آخره هو صاحب هذه المناقب، وفارس هذه المقانب، ونير هذه الكواكب، كم أبهج النفوس بما له من عزمٍ مشكور، وحزم مأثور، ووصفٍ بالجميل موفور.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال لسيف أوليائه مرهفاً، ولا برح لأخصائه مسعداً ومسعفاً- أن تفوض إلى المشار إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس، على أجمل عوائد من تقدمه في ذلك وأكمل قواعده. فليتنأول هذا التقليد الشريف بيدٍ لم يزل لها في الولاء الباع المديد الطويل، ويتلق هذا الإحسان بالشكر الذي هو بدوام النعمة خير كفيل، ويضاعف ما هو عليه من اهتمامٍ لم يزل منه مألوفاً، واعتزامٍ إذا لاقى غيره مهماً واحداً لاقى هو ألوفاً، ويمعن النظر في مصالح هذه المملكة الشامية المحروسة، ويعتمد من حسن تدبيره ما تغدو ربوعها بحسن ملاحظته عامرةً مأنوسة. وهو يعلم أن العدل من شيم دولتنا الشريفة، وسجية أيامنا التي هي على هام الجوزاء منيفة؛ فليسلك سننه، ويتبع فرضه وسننه، ويعلم أن عدل سنةٍ خيرٌ من عبادة ستين سنة، ولينشر على الرعايا ملابسه الحسنة، ويعظم الشرع الشريف وحكامه، ويعين الإقطاعات لمن يستحقها من الأيتام أو يوجب الاستحقاق إكرامه؛ والله تعالى يجعل السعد خلفه وأمامه، ويؤديه تأييداً يبلغه مراده من النصر ومرامه، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة تقليد بكفالة السلطنة بالشام: الحمد لله الذي طهر الشام وقدسه، وصانه وحرسه، وجعل لسلطاننا فيه قواعد بالنصر مؤسسة، وأنواراً للهدى مقتبسة، وكفله بمن إذا صف له العدو افترسه، وأذله وأركسه، وأرغم معطسه، وقطف بسيفه أروسه، ومن يعطى النصر إذا امتطى فرسه، ومن كرم الله نفسه، وكثر أنسه، وعطر نفسه، ومن ينصف المظلوم من ظالمه ويبلغ السائل ملتمسه، ومن لبس ثوب العفاف والتقى فكان خير ثوبٍ لبسه.نحمده على أصل جودٍ غرسه، وعارض سوءٍ حبسه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أزالت الشرك ومحت نجسه، ونشهد أن محمداص عبده ورسوله الذي أنبع الله من أصابعه عيناً منبجسة، واخضر العود اليابس لما لمسه، وأضعف الوساوس المختلسة، وانتزع الحق ممن بخسه، وحماه الله من الشيطان لما ولد فما نخسه، ونور القلب الذي خيم عليه الضلال وطمسه، وكان الشرك قد انبث في الأرض فطواه دينه وكبسه، ومحاه ودرسه، وجاء بالقرآن فطوبى لمن تلاه ودرسه، وأنزل عليه: {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أولج الله الليل في النهار وغمسه، وميز بنصف العدد من الثلث سدسه، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن الشام هو عقد النظام، وأجل ممالك الإسلام، ومعدن النصر الذي بروقه تشام، ومستقر البركات الوسام، وعسكره أفضل عسكرٍ في حسن الاعتزاء والاعتزام، لا يرهبون الحمام، ويخوضون لجج المنون بالحسام، ونيابة السلطنة الشريفة به من أجل النيابات مقداراً، وأكرمها آثاراً، وأعزها أنصاراً؛ إذ هو تلقاء أوامرنا الشريفة المنطوية عليها أسرار البريد، ومن عنده تتفرع المهمات للقريب والبعيد، وعنه يصدر البريد، وإليه يرد بكل ثناء جديد، ومنه يأتي إلى مسامعنا الشريفة بما نريد، فلا يحل دار سعادتها إلا من هو منصورٌ سعيد، وذو رأيٍ سديد، وحزمٍ حديد، وقد اخترنا لها بحمد الله كفأها المعيد.ولما كان فلان هو الضاري على العدا، والغيث المتوالي الندى، والهمام الذي جرد سيف عزمه أبداً فلا يرى مغمدا، واتصف بحسن الصفات فما ساد سدى، قد تجملت الممالك بآرائه وراياته، وثباته ووثباته، وروض تدبيره وطيب نباته، وحسن اعتماده في خدمة ملكنا الشريف ومهماته؛ إن ذكرت الموالاة الصادقة كان راوي مسندها، وحاوي جيدها، والآوي إلى ظلها المديد وطيب موردها؛ وإن ذكرت الشجاعة كان زعيم كتائبها، ومظهر عجائبها، وليث مضاربها، ومجرد قواضبها، وفارس جنائبها، ومطلب أطلابها ومنجح مطالبها، ومجلي غياهبها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يعقد عليه لواء الاحتشام في الشام، وأن يخص بالبركات، المخلصة من الدركات.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالشام المحروس، على عادة من تقدمه وقاعدته، وأن يكون داخلاً في نيابته الشريفة ما هو مضافٌ إلى الشام المحروس: من ممالك وقلاع، ومدنٍ وضياع، وثغورٍ ومواني، وسواحل في أقاصٍ وأداني، تفويضاً اتسقت درره، وأشرقت غرره، وتليت آياته وسوره.فليمهد بالعدل أكناف البلاد، ولينظر بعين الرعاية والسداد، ولينشر لواء الإنصاف، لتكون الأمة تحت ظله الضافي وإليه الحق مضاف، وليدر الأرزاق من الأخلاف، وليأمر بإقامة الحدود على شارب السلاف، وعلى السارقين بالقطع من خلاف، وليسترهف عزائم العساكر المنصورة في القتال والجهاد، وليأخذهم بحسن الاستعداد، وليعرف للأمراء منازلهم: فإنهم أركانٌ وأعضاد، وأنصارٌ وأمجاد، وأولياء دولتنا الشريفة الماحون للفساد، وممن تتجمل بهم المواكب وتتفطر بهم للعدا الأكباد؛ والله الله في الشرع الشريف وإقامة مناره، وتنفيذ كلمة أحكامه وإزالة أعذاره، والتقوى فهي أفضل شعاره، وقرة أبصاره، والوصايا فمنه يشرق هلالها إلى أن يتم في إبداره، ويتكمل بأنواره، وهو غنيٌّ عن إكثاره. فخذ تقليدنا هذا باليمين، والبس من هذا التفويض الملبس الأسنى الثمين؛ وأخبار البريد المنصور فلا تقطعها عنا، فمنه إلينا ترد أخبار البريد وإليه ترد المهمات منا، والله تعالى يخوله كل يوم من إحساننا في الزيادة والحسنى؛ والخط الشريف أعلاه.الطبقة الثانية: من يكتب له تقليدٌ شريفٌ في قطع النصف بالمجلس العالي وهو الوزير من أرباب السيوف، وهو بالمملكة الشامية على حد الوزير بالديار المصرية:وهذه نسخة مرسوم من ذلك: الحمد لله مسدد سهام الاختيار، ومسير الأولياء إلى منازل العلياء مسير الأهلة إلى منازل الإبدار، الذي جدد نعماً، وعدد كرماً، وعلم مواقع الاضطرار، إلى مواقع الأوزار، فأرسل إليها من تستهل آراؤه ديماً.نحمده حمداً كثيراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحباً ولا وزيراً، ونصلي على سيدنا محمد الذي عمر الله به البلاد تعميراً، وأحسن بالعدل تقريراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ظاهروه بالسيوف والأقلام كاتباً وأميراً، صلاةً لا ينقطع تواليها، ولا تزال الآفاق تتناقلها وتستهديها.وبعد، فإن أولى من عظم شأنه، وكرم مكانه، وثبت مكانه، وأنبت في منابت الرماح قلمه الذي هو ترجمانه، وبسطت في تشييد الممالك يده وأطلق لسانه- من كان علامة العلم، وغدا بالنشاط في كبره فتي السن كهل الحلم، الذي فاق جلالةً ونسباً، واستعلى همةً وأدباً، وعرف بالديانة التي طار صيتها في الآفاق شرقاً ومغرباً، والهمة التي سواء عليها أحملت قلماً أم انتضت قضباً.ولما كنت أيها المجلس الفلاني- أدام الله تأييدك، وتسديدك وتمهيدك، وكبت حسودك، وضاعف صعودك- أنت المعني بهذه المآثر، المنضدة عليك هذه الجواهر، الدالة على مناقبك هذه المفاخر، الذي وجدناك على الانتقاد تزيد استخلاصاً، وتعدو على السبك خلاصاً، فلذلك خرج الأمر الشريف أن توزر، وتحمى موارد آرائك لتستغزر، ويكون لك الحكم في المملكة الشامية عموماً، وتتصرف في معاملاتها مجهولاً ومعلوماً، على أكمل قواعد الوزراء وأتمها، وأجملها وأعمها، متصرفاً في الكثير والقليل، والحقير والجليل، تعزل وتولي من شيت، وتكفي وتستكفي من ارتضيت. ونحن نوصيك بالرفق الذي هو أخلق، والعدل الذي تستدر به سحب الأموال وتستغدق، والحق فإن كل القضايا به تتعلق، ويمن السياسة فإن الرياسة بها تكمل وتعدق؛ وإياك والغرض الذي هو يهوي بصاحبه، ويرديه في عواقبه؛ واتق الله الذي لا تتم الصالحات إلا بتقواه، واحذر أن تكون مع من ضل سبيله واتبع هواه؛ والله تعالى ينجح رجاءك ويوضح منهجك، ويعلي درجك، ويلقنك إذا خاصمت واختصمت حججك، إن شاء الله تعالى.الطبقة الثالثة من يكتب له مرسومٌ شريف، وهي على مرتبتين:المرتبة الأولى: من يكتب له في قطع النصف:وهو نائب قلعة دمشق، إن كان مقدم ألفٍ كما كان أولاً، كتب له بالمجلس العالي. أو طبلخاناه كما هو الآن، كتب له بالسامي بغير ياء. وبالجملة فإنه يكتب له مفتتحاً بالحمد لله.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة قلعة دمشق المحروسة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله رحمه الله، وهي: الحمد لله مشرف القلاع، ومصرف رجالها في الامتناع، ومعرف من جادلها أن الشمس عالية الارتفاع.نحمده حمداً يشنف الأسماع، ويشرف الإجماع، وتحلق في صعوده الملائكة أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها لما بقي من قلاع الكفر الاقتلاع، واستعادة ما قر معهم من قرىً وضاع من ضياع، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي حمى به درة الإسلام من الارتضاع، وصان به حوزة الحق أن تضاع، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً دائمةً ما أسبل لليل ذيلٌ وامتد للشمس شعاع، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن للحصون حواضر كما للبلاد، وحواضن تضم بقاياها ضم الأمهات للأولاد، ومعاقل يرجع إليها إذا نابت النوب الشداد، ومعاقد يعتصم من منعتها بجبال ويتمسك بأطواد؛ وقلعة دمشق المحروسة هي التي تفتخر بقايا البقاع بالاتصال بسببها، والتمسك في الشدائد بذيل حسبها؛ لا يهتدى في السلم والحرب إلا بمنارها، ولا يقتدى في التسليم والامتناع إلا بآثارها، ولا يستقى إلا بما يفيض على السحب من فيض أمطارها؛ قد ترجلت لتبارز، وتقدمت لتناهز، ودلت بقواها فما احتجبت من سجوف الجبل بحجاب ولا احتجزت من الغمام بحاجز، بل ألقت إلى قرار الماء حجلها، وأثبتت في مستنقع الموت رجلها، وكشفت للحرب العوان قناعها، وأشعلت أبنيتها من الذهب شعاعها، وأشغلت أفنيتها البروق أن تطأول باعها، أو تحأول ارتفاعها؛ قد جاورت قبتها الزرقاء أختها السماء، وجاوزت بروجها منطقة البروج اعتلاء، وهي معقل الإسلام يوم فزعهم، وأمن قلوبهم أعاذها الله من جزعهم؛ وقد نزل العدو عليها ونازلها زماناً بجموعه وأعانه عليه قومٌ آخرون، وأقدموا وتقدموا وهم متأخرون، وطأولوها فكانت حسرةً عليهم، ونكالاً لما خلفهم وما بين يديهم، وثبت الله بها أقدام بقية القلاع، وقوى بعزائمها إقدام من فيها على الامتناع؛ وقلعة الجبل المحروسة وإياها كالأختين، وهي لها ثانية اثنين، وكلتا8هما لكرسي ملكنا الشريف منزلٌ سعيد، ومتنزه يود صفيح الأفلاك لو ترامى إليه من مكان بعيد.فلما رسمنا بنقل من كان في النيابة الشريفة بها في منازلها من مكان إلى مكان، وقدمناه أمامها كما يهتز في قادمة الرمح السنان، واتخذنا من بروق عزائمه لبعض ثغورها الضاحكة شنباً، ومن هممه المتصلة المدد بها ما نمد منها إلى سمائها سبباً- اقتضى رأينا الشريف أن نعول في أمرها المهم، وبرها الذي به مصالح كثيرٍ من ممالكنا الشريفة تتم، ونحلي مشارفها بمن تضاحك البروق سيوفه في ليل كل نقع مدلهم، ونحمي حماها برجل تمنع مهابته حتى عن نقل الأسنة؟ طارق الطيف أن يلم؛ وهو الذي لا تزعزع له ذرا، ولا يناخ لبادرة سيله في ذرا، ولا يقدر معه الأسد أن يبيت حول غابه مصحرا، ولا الطير أن يحلق إليه إلا ماسحاً بجناحه على الثرى، ولا أدلجت إليه زمر الكواكب إلا تقاعست فلا تستطيع السرى.وكان فلانٌ هو حامي هذا الحمى، ومانع ما يحلو في الثغور من موارد اللمى، وغيور الحي فلا تبرز له إلا من عقائل المعاقل قاصرات الطرف كالدمى، وحافظ ما استودع من مصون، واستجمع من حصون، واستجهر من موارد تردها من زرد الدروع عيون، ويفرق منها المجانيق سحائب ممطرةً بالمنون، فصمم رأينا الشريف على اختياره ليوقل صهوة هذا الجواد، ويوفي ما يجب لهذه العقيلة من مرتمق لحظ ومرتمى فؤاد، ويبحث من الشغف بها عن أمل آمل أو مراد مراد، ويعجب من عقيلتها المصونة أن أبراجها تتبرج وما لنعماها إنعامٌ ولا لسعادها إسعاد.فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي، السلطاني، الملكي، الفلاني- أعلاه الله وشرفه، وأدام في الأرض ومن عليها تصرفه- أن تفوض إليه النيابة بقلعة دمشق المحروسة: على عادة من تقدمه وقاعدته، ومقاربته ومباعدته، وتخليه ومساعدته، وكل ما جرت به العوائد في رجائها ورجالها، ومالها ومآلها؛ وهذه نيابةٌ شريفة، وسحابة مطيفة، ونعمةٌ تقابل برعايتها وتكتم نوافجها بإذاعتها؛ وتقوى الله حلية عنقها، وحلة أفقها، ومجرى المجرة إجلالاً في طرقها.فعليك بحفظها ليلاً ونهاراً، وتفقد أحوال من فيها سراً وجهاراً، وفتح بابها وغلقها مع الشمس، وتصفح ما بها من لبس، وتتبع أسبابها كما في النفس، والتصدي لملازمة الخدمة الشريفة في أبوابنا العالية ببابها، والأخذ في أدوات حفظها بمجامع أطرافها دون التمسك بأهدابها، والتجسس على من يلم فيها جفنه بكرىً وما أثقله مناماً، وإلزام كل واحدٍ بما يلزمه من الوظائف في ليله ونهاره، وإدلاجه وابتكاره، ومن عليه في هذا المعقل إشراف من شرفاته أو تسورٌ على أسواره، وإظهار الرهج والصيت والسمعة بالاهتمام في كل ليلة بزفاف عروسها، وضرب الحرس لنواقيسها، والإعلان لصباح الخير لنا في صبحاتها والدعاء الصالح في تغليسها، وصيانة ما فيها من حواصل، أو يصل إليها من واصل، وما فيها من ذخائر، وما في خزائنها العالية من مدد البحر الزاخر، وما تشتمل عليه دار الضرب من أموالٍ تضرب للهبات برسمنا، وأموال الناس التي حملت إليها لتشرف نقودها باسمنا، وخزائن السلاح المنصورة وما يستكثر فيها من عدد، وما يستغزر من مدد، والمجانيق التي تخطر منها كل خطارة كالفنيق، وتصعد ومرماها إلى السماء كأنما تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، شائلة عقاربها، آفلة بالأعمار كواكبها، والحدوج والقسي والرايات وغير ذلك من سلاح، أو دروع ترد السهام على أعقابها وتحني قامات العوالي وتضيق صدور الصفاح. والبحرية وغيرهم من رجال هذه القلعة المحروسة من نجوم آفاقها، وغيوم إرعادها وإبراقها، وديمها إذا أسبلت المسالمة ذيولها وأعوانها إذا شمرت الحرب عن ساقها. وبقية المستخدمين وأرباب الصنائع الذين هم عمارة أوطانها، وأمارة العناية بها من سلطانها، فكل ذلك مذخورٌ لمنافع الإسلام، وما ريش السهم لأنه في كل ساعةٍ يرمى ولا طبع السيف لأنه في كل بارقة يشام؛ فاحفظ لأوقاتها تلك المواد المذخورة، والحظ هؤلاء الرجال فإنهم ظهر العساكر المنصورة، وخذ بقلوبهم وأوصل إليهم حقوقهم، واجمع على طاعتنا الشريفة متفرقهم وأكرم فريقهم؛ ومنهم المماليك السلطانية وهم إخوانك في ولائنا، والذين تشركهم في آلائنا، وبالغ في حفظ المعتقلين في سجونها، ولفظ المعتقدين خلافاً في مكنونها؛ ونحن نعيذها بالله أن نقول: تفقدها بالترميم والإصلاح، ولكنا نأمرك أن تتعهدها بما تتعهده من الزين الملاح؛ ولك من معاضدة من في ذلك الإقليم، من لك برأيه طريقٌ مستقيم، ومن تراجعه فيما أشكل عليك من الأمور، وتجد به في طاعتنا الشريفة نوراً على نور، واتبع مراسمنا المطاعة فهي شفاءٌ لما في الصدور؛ والوصايا كثيرة، والله تعالى يجعلك على بصيرة، ويتولاك بما فيه حسن السيرة، وصلاح السريرة؛ والاعتماد........وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة دمشق المحروسة، كتب بها لحسام الدين لاجين الإبراهيمي من إنشاء الشريف شهاب الدين، رحمه الله، وهي: الحمد لله الذي صان الحصون بانتضاء الحسام، وزان الملك بارتضاء ذوي اليقظة من الأولياء والاهتمام، وأبان سبيل السعادة لمن أحسن بفروض الطاعة وأجمل القيام.نحمده على أن جعل نعمنا لأصفيائنا وافرة الأقسام، ونشكره على أن أقبل عليهم بأوجه إقبالنا الوسام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لعقود إخلاصها انتظام، ولسعود اختصاصها التئام، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي منحه الإجلال والإعظام، ومدحه بالإفضال والإكرام، ورجحه بمزايا الفضل على جميع الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بدور التمام، ورضي عن أصحابه الذين لهم صدق الاعتزام، صلاةً ورضواناً لهما تجديدٌ ومزيدٌ وتأييدٌ ودوام، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد: فإن آلاءنا لا تزال تختار الأكفاء، وآراءنا لا تبرح تمنح ذوي المناصحة الإصفاء، ونعماءنا تديم لملابس إجلالها على أولى الخدم الإفاضة والإضفاء، وتفي بوعود جودها لمن أدام لمناهج المخالصة الاقتفاء.ولما كان فلانٌ هو الذي عرفت له في مهماتنا خدمٌ سالفة، والفت منه همةٌ عليةٌ خصته بكل عارفة، وخولناه نعمنا الواكفة، وأهلناه لاستحفاظ الحصون فساعده توفر التوفيق وساعفه، ونقلناه في الممالك فسار سيرةً حميدةً اقتضت لمواهبنا لديه المضاعفة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفع محله بأعز القلاع، ونطلعه بأفق سعدها أيمن إطلاع، ونندبه لضبطها فيحسن له فيها الاستقرار ويحمد منها له الاستيداع.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صدقاته تحقق الأطماع، وهباته تفيض ملابسها التي ليس لها انتزاع- أن يستقر في نيابة قلعة دمشق...فليباشر النيابة بالقلعة المذكورة باذلاً الاجتهاد، مواصلاً للعزم والسداد، عاملاً بالحزم في كل إصدارٍ وإيراد، كافلاً منها بحسن الاعتماد، حافظاً حواصلها من الضياع، مقرراً أحوالها على أجمل الأوضاع، وليأخذ رجالها بالائتلاف على الخدمة والاجتماع، وليحرضهم على المبادرة إلى المراسيم والإسراع؛ وليطالع من أمورها بما يتعين عليه لأبوابنا العالية في المطالعة ويجب لعلومنا الشريفة عليه الاطلاع، وليراجع كافل الممالك الشامية بما جعلنا لآرائه فيه الإرجاع، وليكن له إلى إشارته إصغاءٌ واستماع، وإلى سبيل هديه اقتفاءٌ واتباع، وليقف عند ما يتقدم به إليه فبذلك يحصل له الرشد والانتفاع، والله تعالى يجدد عليه سوابغ نعمنا التي جادت بأجناسٍ وأنواع، ويجرد في نصرتنا حسامه الذي من بأسه الأعداء ترهب وترتاع، ويديم له ولجميع الأولياء من صدقات دولتنا الشريفة الإمتاع؛ والخط الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.وهذه وصية نائب قلعة أوردها في التعريف: وعليه بحفظ هذه القلعة التي زفت إليه عقيلتها الممنعة، وجليت عليه سافرة ودونها السماء بالسحب مقنعة، وسلمت إليه مفاتيحها، وخواتيم الثريا أقفال، وأوقدت له مصابيحها، وفتائل البروق لا تشب لقفال. فليبدأ بعمارة ما دعت الحاجة إليه من تجديد أبنيتها، وتشييد أقبيتها، وشد عقودها، وعد ما لا يحصى في الذخائر من نقودها، وتنبيه أعين رجالها والكواكب قد همت برقودها، والأخذ بقلوب من فيها، وتدارك بقية ذمائهم وتلافيها، وجمعهم على الطاعة، وبذر الإحسان فيهم إذا عرف أرضاً تزكو فيها الزراعة، والتمادي لهم: فرب رجال تجزى عن عدة سنين في ساعة، وتحصين هذا الحصن المنيع بما يدخر في حواصله، ويستمد بعمارة البلاد المختصة به من واصله، وما يكون به من المجانيق التي لا ترقى عقاربها، ولا توقى منها أقاربها، ولا ترد لها مضارب، ولا يكف من زبانى زبانيتها كل ضارب، ولا يخطيء سهمها، ولا يخفى بين النجوم نجمها، ولا يعرف ما في صندوقها المقفل، من البلاء المرسل، ولا ما في فخذها المشمر الساق من النشاط الذي لا يكسل؛ وغيرها من الرايات التي في غيرها لا تشد، ولسوى خرها لا تعقد، وما رمى فيها من السهام التي تشق قلب الصخر، وتبكي خنساء كل فاقدة على صخر؛ وكذلك قسي اليد التي لا يد بها ولا قبل، وكنائن السهام التي كم أصبح رجلٌ وبه منها مثل الجبل؛ وما يصان من اللبوس، ويعد للنعيم والبوس، وما يمد من الستائر التي هي أسوار الأسوار، ولمعاصم عقائل المعاقل منها حلى سوى كل سوار؛ وهي التي تلاث لثمها على مباسم الشرفات، وتضرب حجبها على أعالي الغرفات، وسوى هذا مما تعتصم به شوامخ القلال، ويتبوأ به مقاعد للقتال؛ فكل هذا حصله وحصنه، واحسبه وحسنه، وأعد منه في الأمن لأوقات الشدائد، واجرفيه على شأو من تقدم وزد في العوائد؛ وهكذا ما يدخر من عدد أرباب الصنائع، ومدد التحصين المعروف بكثرة التجارب في الوقائع، والأزواد والأقوات، وما لا يزال يفكر في تحصيله لأجل بعض الأوقات؛ وكن من هذا مستكثراً، وله على ما سواه مؤثراً، حتى لا تزال رجالك مطمئنة الخواطر، طيبة القلوب ما عليها إلا السحب المواطر؛ واعمل بعادة القلاع في غلق أبواب هذه القلعة وفتحها، وتفقد متجددات أحوالها في مساء كل ليلة وصبحها، وإقامة الحرس، وإدامة العسس، والحذار ممن لعله يكون قد تسور أو اختلس، وتعرف أخبار من جاورك من الأعداء حتى لا تزال على بصيرة، ولا تبرح تعد لكل أمرٍ مصيره، وأقم نوب الحمام التي قد لا تجد في بعض الأوقات سواه رسولاً، ولا تجد غيره مخبراً ولا سواه مسؤولاً، وطالع أبوابنا العالية بالأخبار، وسارع إلى ما يرد عليك منها من ابتداءٍ وجواب، وصب فكرك كله إليها وإلى ما تتضمنه من الصواب.المرتبة الثانية من المراسيم التي تكتب بحاضرة دمشق لأربا السيوف- ما يكتب في قطع الثلث، وفيها وظيفتان:الأولى- شد الدواوين بدمشق. وصاحبها يتحدث فيما يتحدث فيه شاد الدواوين بالديار المصرية، وقد تقدم.وهذه نسخة مرسوم شريف بشد الدواوين بدمشق:الحمد لله الذي أرهف لمصالح دولتنا القاهرة من الأولياء، سيفاً ماضياً، وجرد لمهمات خدمتنا الشريفة من الأصفياء، عضباً يغدو الملك عن تصرفه الجميل راضياً وجدد السعود في أيامنا الزاهرة لمن لا تحتاج هممه في عمارة البلاد المحروسة متقاضياً.نحمده على نعمه التي تستغرق المحامد، وتستوجب الشكر المستأنف على الحامد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجاهدٍ لأعدائها، مجاهرٍ لإعلائها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدراً، وأولهم في الرتبة مكانةً وإن كان آخرهم عصراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بما أمروا، وعمروا الدين قبل الدنيا فلم تتمكن الأيام من نقض ما عمروا، صلاةً يتأرج نشرها، ويتبلج بشرها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من عدق به من مهماتنا الشريفة أعمها نفعاً، وأحسنها في عمارة البلاد وقعاً، وأكثرها لخزائن الأموال تحصيلاً وجمعاً، وأجمعها لمصالح الأعمال، وأضبطها لحواصل الممالك التي إذا أعد منها جبالاً تلا عليها لسان الإنفاق: {ويسألونك عن الجبال}، من زانت عزمه نزاهته، وكملت قوته في الحق خبرته ونباهته، وكان من أولياء دولتنا المعدين لشد أركانها، وإشادة بنيانها، والنهوض بمصالحها المتنوعة، ونشر كلمة عدلها التي تغدو بالأدعية الصالحة مبسوطةً وبالأثنية العاطرة متضوعة.ولما كان فلان هو الذي أشير إلى محاسنه، ونبه على إبريز فضله المظهر من معادنه، مع صرامةٍ تخيف الليوث، ونزاهةٍ تعين على عمارة البلاد الغيوث، وخبرةٍ بإظهار المصالح الخفية وفية، وبإبراز معادن الأموال من وجوهها الجلية ملية، ومعرفةٍ تعم البلاد بين الرغبة والرهبة، وتجعل مثل ما يودع فيها بالبركة والنماء مثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سبنلةٍ مائة حبة- اقتضت آراؤنا الشريفة أن ننبه على حسن اعتنائنا بأمره، واعتمادنا بما قدمه من أسباب إسناء رتبته ورفعة قدره؛ فلذلك رسم- زاد الله في علائه- أن يفوض إليه.....................فليباشر ذلك مظهراً من مصالح الدولة القاهرة ما كان في ضمير كفايته مكنوناً، مبرزاً من تثمير الأموال وتعمير الأعمال ما يحقق به من خصب البلاد بمشيئة الله تعالى ما كان مظنوناً، موالياً إلى الخزائن المعمورة من حمول تدبيره ما يمسي به طائر تصرفه ميموناً، وسبب توقفه مأموناً. وليكن النظر في عمارة البلاد هو المهم المقدم لديه، والأمر الذي يتعين توفر اهتمامه عليه، فليجتهد في ذلك اجتهاداً يظهر أثره، ويجتنى ثمره، ويحمد ورده وصدره، وتتفرع عنه أنواع المصالح، وتترتب عليه أسباب المناجح؛ وملاك ذلك بسط المعدلة التي هي خيرٌ للبلاد من أن تمطر أربعين يوماً، واعتماد الرفق الذي لا يضر معه البأس قوماً، ولا جيلب على فاعله مع الحزم لوماً، ولا يطرد عمن أنامه العدل في مهاد الدعة نوماً؛ وليصرف إلى استجلاب الأموال وموالاة حملها همةً ناهضة، وعزمةً إلى ما قرب ونأى من المصالح راكضة، وقوةً بأسباب الحزم آخذةً وعلى أعنة التدبير قابضة، وفيما خبرناه من عزائمه المشكورة، وسيرته التي ما برحت بين أولياء دولتنا القاهرة مشهورة، ما يكتفى به عن الوصايا المؤكدة، ويوثق به فيما عدق به من الأمور المسددة؛ لكن تقوى الله تعالى أولى الوصايا وأولها، وأحق ما تليت عليه تفاصيلها وجملها؛ فليقدم تقوى الله بين يديه، ويجعلها العمدة فيما اعتمد فيه عليه، بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه.الوظيفة الثانية- شد المهمات. وصاحبها يتحدث فيما يطلب للأبواب السلطانية من المستعملات وغيرها. وقد ذكر في التثقيف أن عادته أن يكون مقدم ألفٍ.وهذه نسخة توقيع بشد المهمات بدمشق، وهي: الحمد لله الذي شد عرى المصالح من الأولياء بكل ذي أيد، وكل من هو في المهمات أبطش بعمرٍو من زيد، ومن له تدبيرٌ كم أغنى باقتناصه لشوارد الأمور عن حبالة صيد.وبعد فإن أحق من استخلص لاستخلاص الأموال، واختير لصونها من الاختزال وحفظها من الاختلال، وأهل قلمه وكلمه: هذا للتمثيل وهذا للامتثال، وفوض إليه التصرف في الترغيب والتهيب، والاجتهاد في التمييز والتحرير والتوفير إذ كل مجتهدٍ مصيب- من اشتهر بأنه ذو حزم لا يني، وعزمٍ عن المصالح لا ينثني، واحتفالٍ بالأحوال التي منها نكرٌ لمن يجني وشكرٌ لمن يجتني، وله نباهةٌ يدرك بها كل إيهامٍ وكل إبهام، ويطلع بها على فلتات ألسنة الأقلام، ويفهم بها مقاصد كل من هو من الجنة في كل وادٍ يهيم، ولا يخفى عليه جرائر الجرائد ولا مخازي المخازيم؛ وفيه رحمةٌ كم أصبح بها وهو الأتقى، ولم يأت قساوةً يكون بها هو المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى؛ وكم ساس الأمور ودبرها فأحسن فيها السياسة وأجمل التدبير، واستخرج الشيء الكثير بالتخويف اليسير، حتى جمع حسن تدبيرٍ واسترعا، وصنع حسناً وأحسن صنعا.ولما كان فلان هو لهذا الأمر الجليل المسترعى، واسمه في أول مدارج التنويه والتنويل خير مستدعى، وفيه من جميل الأصاف ما يرضي حسن الاقتراح وقد خبر أمور الكتبة، وقد علم من أحوالهم ما هو أحرى لهم بالتجربة، وعرف خفايا المعاملات معرفةً تامة، وأحاط بجزئيات الجهات وكلياتها إحاطةً خاصة وعامة- اقتضى حسن الرأي المنيف، أن رسم بالأمر الشريف- لابرح يشد عضد كل مهتم من الأولياء بأخي كل عزم، ويجعل له سلطاناً لا يكل مصلحةً إلى حزم ذي حزم- أن يفوض إليه شد المهمات بالشام المحروس.فليضبط الأمور ضبطاً مستوعباً، ولينتصب لذلك انتصاباً مترتباً، وليحترز منفذاً ومصرفاً، ومسرعاً ومستوقفاً، ومتى ظهر حقٌّ يتمسك به تمسك الغريم، ولا يحاب فيه ذا باسٍ قويٍّ ولا ذا منهجٍ إلى المنع والدفع غير قويم؛ وما من جهة إلا ولها شروطٌ صوب الصواب، ولا يعتمد على غير الحق منكباً عن ترويج الكتاب، ولتكن الحمول مسيرة، والمتخرجات متوفرة، وجهات الخاص مقررة، إذ الضمان لا ينتظر لهم نظرةٌ إلى ميسرة، فإنهم سوس المعاملات، وكواسر الجهات، ومنهم يحفظ أو يضاع، وبهم يترقى أو ينحط الارتفاع، وجهات المقطعين الواجب له أن يجعل عليها واقيةً باقية، ولتحم لهم حتى لا يتطأول إلى ذروتها امتداد الأيدي المختزلة ولا خطا العدوان الراقية، وليصرف وجهه بحفظه إلى مراقبة من في باب الشد من مقدمين ومن رسلٍ يأكلون أموال الناس بالباطل، ويبيعون الآجل بالعاجل، ويخيفون العام والخاص، وكل منهم يروم الغناء وهو رقاص.هذه زبدةٌ من الوصايا مقنعة، وعزماتٌ غنيةٌ عن تكثيرٍ في القول أو توسعة؛ والله تعالى يكون له ويعينه، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.الصنف الثاني من الوظائف بدمشق: الوظائف الدينية:وجميع ما يكتب فيها تواقيع، وهي على مرتبتين:المرتبة الأولى: ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي بالياء مفتتحاً بالحمد لله، وبذلك يكتب للقضاة الأربعة بحاضرة دمشق.وهذه نسخة توقيع بقضاء الشافعية بدمشق المحروسة، كتب به لقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي وهي: الحمد لله الذي أقر أحكام الشرع الشريف، في أيامنا الزاهرة على أكمل القواعد، وأمر مدار الحكم المنيف، في دولتنا القاهرة على أجمل العوائد، وأمضى فصل القضاء في ممالكنا الشامية بيد إمامٍ غنيت فضائله عن الشواهد، وأمته الأئمة لاقتباس الفوائد، وعدقت أحكام الملة منه بمجاهرٍ في الحق مجاهد، مسددٍ في الدين سهم اجتهادٍ رمى به شاكلة الصواب عن أثبت يدٍ وأشد ساعد.نحمده على نعمه التي حلت مناصب الدين في ممالكنا الشريفة بأكفائها، وعلت رتب العلم في دولتنا القاهرة باستقرار من جعلته فضائله غاية اختيارها ونهاية اصطفائها، ودلت على اعتنائنا بتنفيذ أحكام من أتعبت سيرته الجميلة من سهد في اتباعها وجهد في اقتفائها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال أعلامنا بها تنتصر، وأيامنا على الجهاد لتكون كلمتها هي العليا تقتصر، وأقلامنا لنشر دعوتها في الآفاق تسهب ولا توجز وتطنب ولا تختصر، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من قضت أمته بالحق فعدلت، وتلقت عنه أحكام ملته ففاقت بذلك الأمم وفضلت، وحكمت بما أراها الله من شرعته فما مالت عن سننه القويم ولا عدلت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أسلموا لله فسلموا، وعملوا في دين الله بما علموا، وبذلوا النفوس في طاعته فما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله ولا ألموا، صلاةً نؤدي بها من أمر الله المفترض، ونرغم بإقامتها الذين في قلوبهم مرض، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من تنقل في رتبة السنية، ووطدت له بمصر والشام قواعد سيرته السرية، وأطلقت جياد اليراعة في إمضاء حكمه في المملكتين مثاني أعنتها، وأنطقت صعاد البراعة في إعلاء بهائه فيهما ألسنة أسنتها، وأردنا أن نرده إلى أعز الممالك علينا لنقر عينها، وقصدنا أن نعيده إلى رتبته بها لنوفي باستعادته دينها، واخترنا أن نجدد لهذه الوظيفة سالف عهده، وأن نريه اعتناءنا بأمر منصبه الذي لم يله مثله من الأئمة من بعده، وعلمنا أن الديار المصرية قد اختصت بفضائله زمناً طويلاً، وأن البلاد الشامية قد ألفت من أحكامه ما لم ترد به بديلاً- من ظهرت فضائله ظهور نعته، وتهادت فوائده رفاق الآفاق: من علماء زمانه وأئمة وقته، وعلمت أوصاف الصدور الأول من علمه وورعه وسمته، ونشرت الأيام من علومه ما لم يطو بل تطوى إليه المراحل، ونقلت الأقلام من فنونه ما يروى فيروى به السمع الظامي ويخصب به الفكر الماحل، وألفت الأقاليم من حكمه ما غدت به بين مسرورٍ بإشراقه، ومروعٍ بفراقه، فمن أقضيةٍ مسددة، وأحكامٍ مؤيدة، وأقوالٍ منزهةٍ عن الهوى، وأحوالٍ صادرةٍ عن زهادةٍ محكمة القواعد ونزاهةٍ مجتمعة القوى، وإصابةٍ دالةٍ على ما وراءها من علمٍ وورع، وإجابةٍ في الحق تحيا بها السنن وتموت البدع، وشدةٍ في الدين تصدع في كل حكم بالحق وإن صدع، وعدلٍ لا يستلان جانبه، وحزمٍ لا يستزل صاحبه، ولا ستنزل راكبه، وقوةٍ في الحق تمنع المبطل من الإقدام عليه، ولينٍ في الله يفسح للحق مجال القول بين يديه، ومجالس غدت بالعلم طيبة الأرج، وفضائل يحدث فيها عن مواد فكره عن البحر ولا حرج؛ وبدائع تضرب إلى استماعها أكباد الإبل، وبدائه تهرم الأيام وعمر شبابها مقتبل.ولما كان المجلس العالي- أدام الله نعمته- هو الذي ورد على أبوابنا العالية ونور ولائه يسعى بين يديه، وصدر الآن عنها وحلل آلائنا تضفو عليه، وأقام في خدمتنا الشريفة معدوداً في أكرم من بها قطن، وعاد إلى الشام مجموعاً له بين مضاعفة النعم والعود إلى الوطن، وهو الذي تختال به المناقب، وتختار فضله العواقب، ويشرق قلمه بالفتاوى إشراق النهار، وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار، وتحدق الطلبة به إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار؛ وهو شافي عي كل شافعي، ودواء ألم كل ألمعي؛ طالما جانب جنبه المضاجع سهاداً، وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مداداً، وجمع بين المذهبين نظراً وتقليداً، والمذهبين من القولين قديماً وجديداً، وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه، وملك حسانها فأسفر له كل وجهٍ تغطى من أوراق الكتب بلثامه، وانفتحت بفهمه للتصانيف أبوابٌ شغلت القفال أقفالها، ونفحت نفحاتٌ ما للماوردي مثالها، ومنحت حللاً يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها؛ فلو أدركه الرافعي لشرح الوجيز من لفظه، وأملى أحكام المذاهب من حفظه، وصدر المسائل بأقواله، وأعد لكل سؤالٍ واردٍ حجةً من بحثه وبرهاناً من جداله؛ فله في العلم المرتقى الذي لا يدرك، والمنتهى الذي لا ينازع في تفرده ولا يشرك، والغاية التي أحرزها دون غيره فلولا المشقة لم تترك، وهو الذي ما زال بهذه الرتبة ملياً، وبما عدق بذمته من أحكامها وفياً، وبكل ما يرضي الخليقة عنه من أحوالها قائماً وكان عند ربه مرضياً، وبأعبائها مستقلاً من حين منحه الله العلم ناشئاً وآتاه الحكم صبياً. وما برح تدعوه التقوى فيجيبها، ويترك ما لا يريب نفسه تنزيهاً عما يريبه؛ فكم فجر بالبلاد الشامية من علمه عيوناً، وغرس بها من أفنان فضله فنوناً، وكان لها خير جارٍ ترك لها ما سواها، وأكرم نزيل نوى بالوصول إليها مصلحة دينه فلم يضيع الله له نيته التي نواها، وألف قواعد أهلها وعوائدهم، وعرف بحسن اطلاعه ما جبل الله عليه غائبهم وشاهدهم، وعدوه من النعم المقبلة عليهم، واقتدوا في محبته بالذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؛ ثم قدم إلى الديار المصرية وما كان قدومه إلا علينا، ووفد إليها بحسن مودته ومحبته اللتين ما وفد بهما إلا إلينا، فرأينا منه إماماً لا يحكم في توليته الحكم بالهوى، ولا ينوى في تقليده القضاء غير مصلحة المسلمين ولكل امرىءٍ ما نوى؛ وهو- بحمد الله- لم يزل بقواعد هذا المنصب خبيراً، وبعوائد هذه الرتبة بصيراً، وبإجرائها على أكمل السنن وأوضح السنن جديراً، وبإمضاء حكم الله الذي يحقق إيجاد الحق فيه للأمة أنه من عند الله، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، مع ما تكملت به فضائله من الوقوف مع الحق المبين، والتحلي بالورع المتين، والتخلي للعبادة التي أصبح من اتصف بها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.فلذلك رسم بالأمر الشريف الأشرفي الناصري- لا زال علم العلم في أيامه مرفوعاً، وألم الجهل بما خص الله به دولته من الأئمة الأعلام مدفوعاً- أن يفوض إلى المشار إليه قضاء القضاة الشافعية، ونظر الأوقاف بدمشق المحروسة وأعمالها بالبلاد الشامية، وما هو مضاف إلى ذلك من الصدقات والتداريس والتصدير وغير ذلك، على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته ومعلومه.فليقابل هذا التقليد السعيد بيدٍ زيد في الحق تمكنها، وعلى الخير تمرنها، وفي العدل انبساطها، وفي أحكام الله تعالى بحسن المعاضدة على الحق قوتها واحتياطها، وليمض على ما ألف من سيرته التي زان العلم أوصافها، وزان الورع اتصافها، وحلى العدل مفاخرها، وأحيا التقى مآثرها، وتناقلت رفاق الآفاق أحكامها، واستصحبت من هدايا هداها ما تتحف به حكامها؛ وفيما نعت من محاسنه ما يغني عن الوصايا المجددة، والإشارات المرددة؛ لكن الذكرى بتقوى الله تنفع المؤمنين، وترفع المتقين، وتجمع مصالح الدنيا والدين؛ فليجعلها خلقه ما استطاع، ولير حكمها هو الحكم المتبع وأمرها هو الأمر المطاع؛ والاعتماد رابع عشر المحرم سنة خمس وسبعين وسبعمائة.قلت: ولم أقف على تفويض لقاضٍ من كتابة من تقدم سوى تفويض واحد، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، كتبه لقاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله بالشام المحروس، على مذهب الإمام الشافعي. وهذه نسخته: الحمد لله على التمسك بشرائعه، والتنسك بذرائعه، والتوسل إلى الله بتأييد أحكام شارعه، والتوصل به إلى دينٍ يقطع به من الباطل أعناق مطامعه.نحمده حمداً يأخذ من الخير بمجامعه، ويضاهي الغمام في عموم منافعه، ويباهي السيف بقلم الشرع في قهر عاصيه وحماية طائعه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تؤدي للإيمان أمانة ودائعه، وتهدي إلى صيانة مشارعه، وتقيم من العلماء كل شهابٍ تقسم الأنوار بلوامعه، وتقسم الأبصار ببدائعه، وتجول الفتاوى في صدره الفسيح وتتجول في شوارعه، وترهف منهم للحكم العزيز كل قلمٍ يدل السهم على مواقعه، وينبه الرمح من مقاتل الأعداء على مواضعه، ويسري غمامه إلى الأعداء بصواعقه وإلى الأولياء بهوامعه، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أسعد الأمة بطالعه، وأصعد الأئمة في مطالعه، وأسعف الملة بما أبقى الله فيها من حسن صنائعه ويمن طلائعه، ومن شريعته التي أمن حبلها الممدود من جذب قاطعه، وكفي شر قاطعه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتوالى إليه توالي العذب إلى منابعه؛ وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن الله لما أقامنا لحماية شرعه الشريف أن يستباح حماه، أو يباح لأحد من حكامه أن يركب هواه، أو يتعدى حدوده في سخطه أو رضاه، أو يحدث في أمره ما ليس منه إلا أن يكون رداً على سواه- جعلنا نجد على إقامة مناره أن يطمس، وإدامة مباره أن يقلع منارها أو يبخس، استدامةً لتأبيس حكامه، وتأييد أحكامه، لأنه سحائب أنواءٍ يعم الربيع ربوعها، ومشكاة أنوارٍ يكاثر الصباح لموعها، وأفاويق وفاقٍ تنيم به الأمة ضروعها، وشجرة مباركة إسلامية زكت أصولها ونمت فروعها، شكراً لله على ما خصنا به: من تحصين ممالك الإسلام، وتحسين مسالك دار السلام، لنمنع المحن أن تسام، وبروق الفتن أن تشام، ووجوه الفتوى أن تتزين إلا بشامة الشام، غبطةً بأن الله جعل للإسلام منها ما هو خيرٌ وأبقى، وأشرف وأتقى، وأعظم بلدٍ تتشعب بالمذاهب طرقاً، وتود المجرة لو وقفت بها على الشريعة نسقاً، تتزاحم في مركزها الأعلام، وتتضافر على الجهاد في الله بالجلاد والجدال تارةً بالسيوف وتارةً بالأقلام. ودمشق حرسها الله هي أم ذلك الإقليم، ومدده الذي يحنو على مشارعها حنو الوالدة على الفطيم، وتنبت بها فوائد لا تأمن معها الغواني حتى تلمس جانب العقد النظيم؛ وهي دار العلم، ومدار الحكم، وموطن علماء تتعاقب فيها كواكبهم، وتتناوب سحائبهم، وتتناهى إلى حكمها العزيز الشكوى وتنفصل بحكم حاكمها الدعوى، ويمتد جناح طيلسانه على رضوى ويحلق البرق وراء فهمه ولا يبلغ غايته القصوى، ويطول قلمه على السيف المشهر، ويرفرف سجله على الشرع المطهر؛ كم حلت في صدوره صدور، وكم طلعت منهم شموسٌ وبدور، وكم حمدت منهم أمور عاقبةٍ ولله عاقبة الأمور، كم أداء درسٍ بهم ذكر، وكم أدب نفسٍ شكر، كم بهم مجدٌ رسخ، وجدٌّ لملة ممالاةٍ نسخ، كم أقضيةٍ لهم بالحق وصلت، وقضيةٍ للحق فصلت، ومهنة من غلبهم اللاحق حصلت، كم سجل صاحب هذا المنصب حامل علمه المنشور، ومصباح ديمه الحافلة على ممر الدهور، بشرف مدرس علمٍ يطلع من محرابه، ونساك حلم يبدو بدره التمام خلف سحابه، ومجلس إفادةٍ، انعقد عليه فيه الإجماع؛ ومحفل سادةٍ، كان فيهم واسطة عقد الاجتماع.ولما تزلزلت قدم منابره، وانتهك حجاب ضمائره، واستزله الشيطان بكيده المتين، وأضله على علمه المبين، وسبق القلم الشرعي، بما هو كائن، ومضى الحكم القطعي، بما هو من تصرفه بائن- تردد الاختيار الشريف فيمن نحلي جيده بتقليدها، ونؤهل يراعه لتسليم مقاليدها، وصوبنا صواب النظر فيه مصراً وشاماً، واستشرفنا أعلاماً، وتيقنا لأقوى ما يكون لها قواماً، وابتكرنا أنه لا يصلح إلا من كان لحلة المجد طرازاً، ويزيد العمل إليه اعزاءً والعلم به اعتزازاً، إلى أن أجمع رأينا العالي على من لا ينكر ذو قدم ولا قدم ولا قلم، أنه السابق، ولا يجحد رب علمٍ ولا عمل ولا علم، أنه الباسق، ولا يشك أن من فوائده يستمد المطر ومن توقد ذهنه يقدح زناد البارق، ولا يرتاب البحر أن فرائده ما يطوق العنق ويشنف الأذن ويتوج المفارق، ولا يمارى في فضله الذي لو طلب له مثيلٌ لم يصب، ولو ادعى الكوكب الساري أنه له شبيهٌ لمسه النصب، أو تلفتت أعناق القنا إلى قلمه لأيقنت أنها كلٌّ على القضب؛ وهو الذي أفنى عمره في تحصيل العلم اشتغالاً، وجد في الطلب لصالح العمل وإن تغالى، وبقي فقيه قومٍ ما جد منهم مثله ماجد، ولا جادت يد كريمٍ منهم تمتد بما هو جائد، ودرج أقرانه إلى الله وخلي دونهم شرعاً لا يرد وارداً، وخلف بعدهم سهماً في الكنانة واحداً.وكان المجلس العالي- أدام الله تأييده- هو الذي تختال به المناقب، وتختار فضائله العواقب، وتشرق بقلمه الفتاوى إشراق النهار، وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار، وتحدق به الطلب إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار، وهو شافي عي كل شافعي، ودواء ألم كل ألمعي؛ طالما جانب جنبه المضاجع سهاداً، وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مداداً، وجمع بين المذهبين نظراً وتقليداً، والمذهبين من القولين قديماً وجديداً، وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه، وملك حسانها فأسفر له كل وجه تغطى من أوراق الكتب بلثامه، وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت القفال أقفالها، ونفحت له نفحاتٌ ما للماوردي مثالها، وسفحت ديمٌ غزارٌ يسقي المزني سجالها، ومنحت حللاً يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها.فرسم بالأمر الشريف- لا زال يجدد ملابس فضله، ويقلد كل عملٍ لصالح أهله- أن يفوض إليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق المحروسة وأعمالها وجندها وضواحيها، وسائر الممالك الشامية المضافة إليها والمنسوبة لها والمحسوبة فيها، يولي ذلك ولايةً صحيحةً شرعية، على عادة من تقدمه وقاعدته المرعية، مع ما هو مضاف إلى من كان قبله من تدريس المدارس، تفويضاً لا ينافسه فيه منافس، ولا يجالسه في درسه إلا من ارتضى من النجوم أن يجالس؛ وأذنا له أن يستنيب عنه من لا يخجل عند الله ولا عندنا باستنابته، ولا يداخله ظنٌّ في خلاص ذمته بإنابته إلى الله في نيابته؛ على أنه يتفقد أعمالهم، ويتصفح أحوالهم: فمن نقل إليه ثقاته أنه على طريقٍ مستقيمٍ أقره، وإلا صرفه ثم لا يكون له إلى عمله كرة؛ وهو القائم بحجة الشرع الشريف وحجة الله عليه قائمة، وعليه إن قصر- والعياذ بالله- في أموره تعود اللائمة؛ وأنت تعلم أنا ما كنا نعرفك عياناً، وإنما وصفت لنا حتى كأنا نراك وسمعت بما نحن عليه حتى كأنك ترانا؛ فشيد لمن شيد لك شكرهم أركاناً، وأعلى ذكرهم لمجدك بنياناً، وجعل لك قدرهم الجميل منا سلطاناً، وأقم بحسن سلوكك على ما قالوا فيك برهاناً، واعرف لهم حق معروفهم وجازهم عن حسن ظنهم بالحسنات إحساناً.ونحن نوصيك بوصايا تشهد لنا يوم القيامة عليك ببلاغها، ويعترض منها في الحلوق شبحاً: فأي الرجال يقدر على مساغها، فإن قمت بها كان لنا ولك في الأجر اشتراك، وإن أضعت حقوقها فالله يعلم أننا أخرجنا هذه الأمانة من عنقنا وقلدناك؛ والله وملائكته بيننا وبينك شهود على ما أوليناك وما وليناك؛ فعليك بتقوى الله في السر والإعلان، والعمل بما تعلمه سواءٌ رضي فلانٌ أو سخط فلان، والانتهاء إلى ما يقتضيه عموم المصالح، وإمضاء كل أمرٍ على ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلف الصالح، وإقامة حدود الله ولا تتعد حدوده، وقمع البدع لإظهار الحق لا لإثارة فتنةٍ مقصودة؛ فقد علمت ما أنكرته أنت وأمثالك من الأئمة العلماء على من تقدمك من تسرعه في مثل ذلك، وتطلعه إلى مطالب سقط دونها في مهاوي المهالك؛ فإياك إياك أن تتبع في هذا النحو سبله، أو تنه عن خلقٍ وتأتي مثله.والصدقات الحكمية على مادة المساكين، وجادة الشاكين، ففرقها على أهلها، واجمع لك الحسنات عند الله بتبديد شملها، ولا تبق منها بقيةً تبقى معرضة لأكلها، فلو أراد واقفوها- رحمهم الله- في أجورها، وخص الأسارى- أحسن الله خلاصهم- بما يصل به إحسانك إليهم، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.والأيتام- جبرهم الله-: منهم الطفل والمميز والمراهق ومن لم يملك رشده، أو من يحتاج أن يبلغ في جواز التصرف أشده؛ وكل هؤلاء فيهم من لا يعلم من يضره ممن ينفعه، ولكن الله يعرفه وفي أعماله يرفعه؛ فاجتهد أن تكون فيهم أباً براً، وأن تتخذ فيهم عند الله أجراً، وأن تعامل في بنيك بمثل ما عاملتهم إذا انقلبت الدار الأخرى، واحفظ أموالهم أن تنتهكها أجرة العمال، وترجع في قراضها إلى ما يجحف برؤوس الأموال؛ ومثل أعمالك المعروضة على الله في صحائفها المعروضة، واحذر من المعاملة لهم إلا بفائدةٍ ظاهرة ورهنٍ مقبوضة.والجهات الدينية هي بضاعة حفظك، ووداعة لحظك، فلا تول كل جهةٍ إلا من هو جامعٌ لشرطها؛ قائمٌ بموازين قسطها.والشهود هم شهداء الحق، وأمناء الخلق، وعلى شهاداتهم تبنى الأحكام؛ فإياك والبناء على غير أساسٍ ثابتٍ فإنه سريع الانهدام؛ ومنهم من يشهد في قيمة المثل ويتعين أن يكون من أهل البلد الأمثل، لأنه لا يعرف القيمة إلا من هو ذو سعةٍ ممول؛ ومنهم من أذن له في العقود فامنع منهم من تسهل بسببٍ من الأسباب، وما تمهل إشفاقاً لاختلاط الأنسال والأنساب، يقبل بالتعريف ما يخلو من الموانع الشرعية من كان، ولا يحسن في تزويجه يمسك إمساكاً بمعروفٍ ولا يسرح تسريحاً بإحسان؛ وهؤلاء مفاسدهم أكثر من أن تحصى، والبلاء بهم أكبر من أن يستقصر أو يستقصى؛ فاعتبر أحوالهم اعتباراً جلياً، وفكر في استدراك فارطهم فكراً ملياً؛ ومن لم يكن له من العلم والدين ما يوضح له المشتبهات، فإياك وتركه فرب معتقدٍ أنه يطأ وطأً حلالاً وقد أوقعه هذا ومثله في وطء الشبهات؛ ومنهم من يعمد إلى التحليل، ويرتكب منه محذوراً غير قليل، وهو بعينه نكاح المتعة الذي كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عنه، وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذراً منه؛ فاحسم هذه المادة الردية التي تؤلم عضواً فيسري إلى سائر الأعضاء ألمها، ويبقى في كثير من الذراري المولودة من هذه الأنكحة الفاسدة ثلمها.والرسل والوكلاء بمجلس الحكم العزيز ومن يلمزك في الصدقات، وما نزل في أمورٍ ما يريدون بها تقليد حكمك بل ما يقضون به الأوقات؛ فلا تدع ممن تريد منهم إلا كل مشكور الطريق، مشهور القصة بين الخصوم بطلب التوفيق.والمكاتيب هي سهامك النافذة، وأحكامك المؤاخذة؛ فسدد مراميها، ولا تردفها ما عرض عليك من الأحكام حتى لا يسرع الدخول فيها؛ والمحاضر هي محل التقوي، فاجتهد فيها اجتهاداً لا تذر معه ولا تبقي.وأما قضايا المتحاكمين إليك في شكاويهم، والمحاكمين في دعاويهم، فأنت بهم خبير، ولهم ناقدٌ بصير؛ فإذا أتوك لتكشف بحكمك لأواءهم، فاحكم بينهم بما أراك الله ولا تتبع أهواءهم؛ وقد فقهك الله في دينه، وأوردك من موارد يقينه، ما جعله لك نوراً، وجلاه لك سفوراً، وأقامه عليك سوراًن وعلمك ما لم تكن تعلم منه أموراً؛ فإن أشكل عليك أمرٌ فرده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع أصحابه فإن لم تجد فعندك من العلماء من تجعل الأمر بينهم شورى، ولأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابٌ كتبه إلى بعض القضاة، فاعمل بمقتضاه، واعلم بأن الله تعالى قد ارتضاك لخلقه فاعمل على رضاه.والأئمة العلماء هم إخوانك في الدين، وأعوانك على ردع المبتدعين، ولسانك في المحفل وجناحك إذا جلسوا ذات الشمال وذات اليمين؛ فنزلهم منازلهم التي أحلهم الله في شرفاتها، وبوأهم رفيع غرفاتها، وتألف خواطرهم فإنك تنظر إلى كثير من الأمور في صفاء مصافاتها.ومن نسب إلى خرقة الفقر وأهل الصلاح هم أولياء الله المقربون، وأحباؤه الأقربون، فعظم حياتهم، وجانب محاباتهم، فما منهم وإن اختلفت أحوالهم إلا من هو على هدىً مبين، واحرص أن تكون لهم حباً يملا قلوبهم فإن الله ينظر إلى قوم من قلوب قومٍ آخرين.وانتصب للدروس التي تقدمت بها على وافد الطلبة فإن الكرم لا يمحقه الالتماس، والمصباح لا يفني مقله كثرة الاقتباس، والغمام لا ينقصه توالي المطر ولا يزيده طول الاحتباس، والبحر لا يتغير عن حاله وهو لا يخلو عن الوارد في عدد الأنفاس.والوصايا كثيرة وإنما هذه نبذةٌ جامعة، وبارقةٌ لامعة، ومنك يستفاد بساط القول، وانبساط الطول؛ ولهذا يكتفى بما فيك، والله تعالى يكفيك، ويحصي حساب أعمالك الصالحة ليوفيك، حتى تجد فلا يتخلف بك السير، وتستعد ليختم لك بخاتمة الخير، والاعتماد على الخط الشريف.قلت: وهذه نسخة توقيع بقضاء، أنشأته بدمشق للقاضي شرف الدين مسعود وهي: الحمد لله الذي شيد أحكام الشرع الشريف وزاد حكامه في أيامنا شرفاً، ورفع منار العلم على كل منارٍ وبوأ أهله من جنات إحساننا غرفاً، وأباح دم من ألحد فيه عناداً أو وجه إليه طعناً، وأوجب الانقياد إليه بقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}، وألهم الصواب في اختيار من لم يزل لهذه الرتبة معداً ومن رجالها معدوداً، وصرف وجه إقبالنا إلى من ارتضيناه للمسلمين حاكماً فأصبح بنظرنا مسعوداً.ونحمده حمد من اعتنى بالقيام بشرائع الإسلام وتعظيم شعائره، ونصح للرعية فيمن ولاه عليهم وأعطى منصب الشرع حقه بتقديم أكابره. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقضى لصاحبها بالنجاة من النار، ويسجل لقائلها بالثبوت في ديوان الأبرار، وأن محمداً عبده ورسوله الذي شرط الإيمان بالرضا بحكمه وأوجب طاعته أمراً ونهياً واستجابةً وتحكيماً، فقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، صلى الله عليه وعلى آهل وصحبه الذين نحن بسيرهم مهتدون، وبآثارهم مقتدون، وعلى آله وصحبه الغر الكرام الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، صلاةً لا يختلف في فضلها اثنان، ولا يتنازع في قبولها خصمان، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فلما كانت مرتبة الشرع الشريف هي أعلى المراتب، ومنصب حكامه في الورى أرفع المناصب، إليه تنتهي المخاصمات فيفصلها ثم لا تعدوه، ويحكم فيه على الخصم فيذعن لحكمه ثم لا يشنوه، بل يتفرق الخصمان وكلٌّ منهما بما قضي له وعليه راض، ويقول المتمرد الجائر لحاكمه: {قد رضيت بحكمك فاقض في ما أنت قاض}؛ وناهيك برتبةٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المتصدي للقيام بواجبها، والخلفاء الراشدون- رضوان الله عليهم- محافظين على أداء رواتبها؛ ثم اختص بها العلماء الذين هم ورثة الأنبياء من الخليقة، واستأثروا بها دون غيرهم من سائر الناس فهم أهلها على الحقيقة؛ إذ لا يؤهل لهذه الرتبة إلا من ارتقى إلى درجات الكمال، واتصف بأحسن الأوصاف واحتوى على أنفس الخصال، وتضلع من العلم الشريف بما يرويه، وفاق في العقل والنقل بما يبحثه ويرويه.ولما كان المجلس الفلاني هو عين هذه القلادة وواسطة عقدها، وقطب دائرتها وملاك حلها وعقدها؛ إذ هو شريح الزمان ذكراً، وأبو حامد سيرةً وأبو الطيب نشراً؛ لا جرم ألبسته أيامنا الزاهرة من الحكم ثوباً جديداً، وأفاض عليه إنعامنا نحلةً نعقبها- إن شاء الله تعالى- مزيداً.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت الشريعة المطهرة بمناصرته في أعز صوان، وحكامها بمعاضدته في أعلى درجة وأرفع مكان- أن يفوض إليه..فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله لمثلها، وليعمل بما يعلمه من أحكامها فهو ابن بجدتها والخبير بمسالك وعرها وسهلها؛ فهو الحاكم الذي لا يساوى، والإمام الذي يقتدى به في الأحكام والفتاوى؛ فعليه بالتأني في الأحكام، والتثبت فيما يصدر عنه من النقض والإبرام؛ ولينظر في الأمر قبل الحكم المرة ثم الأخرى، ويكرر النظر في ذلك ولو أقام شهراً، ويراجع أهل العلم فيما وقف عليه ويشاورهم فما ندم من استشار، ويقدم استخارة الله تعالى في سائر أموره فما خاب من استخار، وليدر مع الحق كيف دار، ويتبع الصواب أنى توجه ويقتفي أثره حيث سار؛ وإذا ظهر له الحق قضى به ولو على ابنه وأبيه، وأعز أصدقائه وأخص ذويه، غير مفرقٍ في فصل القضاء بين القوي والضعيف، والوضيع والشريف، ولا مميزٍ في تنفيذ الحكم بين الغني والفقير، والسوقة والأمير، وليسو بين الخصوم حتى في تقسيم النظر إليهم، كما في موقف الحكم وسماع الدعوى ورد الأجوبة فيما لهم وعليهم، وليستخلف من النواب من حسنت لديه سيرته، وحمدت عنده طريقته، ويوص كلاً منهم بما نوصيه به ويبالغ في تأكيد وصيته، ويستحضر السر في قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». وليمعن النظر في أمر الشهود الذيبن تترتب على شهادتهم أمور الدنيا والفروج والأموال، ويتفقد أمرهم في كل وقت ولا يغفل عنهم في حال من الأحوال، ويحملهم من الطرائق على أحسن وجهها؛ وأحقهم بإمعان النظر شهود القيمة والعمائر، الذين يقطع بقولهم في أملاك الأيتام والأوقاف مما تنفر عنه القلوب وتنبو عنه الضمائر.والوكلاء والمتصرفون فهم قوم فضل عنهم الشر فباعوه، واستحفظوا الود فلم يراعوا حقه وأضاعوه، فهم آفة أبواب القضاة بلا نزاع، كيف وهم الضباع الضارية والذئاب الجياع. وما تحت نظره من أوقاف المدارس والأسرى والصدقات، وغيرها مما يقصد به واقفوه وجه البر وسبيل القربات، يحسن النظر في وجوه مصارفها، مع حفظ أحوالها الذي هو أغيا مراد واقفها.وأهل العلم أبناء جنسه الذين فيهم نشأ ومنهم نجم، وجنده الذين يقصدونه بالفتاوى فيما قضى وحكم، فليوفر لهم الإحسان، ويصنع معهم من المعروف ما يبقى ذكره على ممر الأزمان؛ ومثله لا يحتاج إلى كثرة الوصايا، وثوقاً بما عنده من العلم بالأحكام والمعرفة بالقضايا؛ لكن عليه بتقوى الله ومراقبته يكن له مما يتبوءه ظهيراً، ويسترشده في سائر أموره يجعل له من لدنه هادياً ونصيراً؛ والله تعالى يبلغ واثق أمله من كرمنا مراماً، ويوطيء له المهاد ببلدٍ حسنت مستقراً ومقاماً، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي تغمده الله برحمته، وهي: الحمد لله جاعل المذاهب الشرعية في أيامنا الشريفة زاهيةً بأركانها الأربعة، مستقرةً على النظام الذي غدت به قواعد الحجة محكمةً ومواقع الرحمة متسعة، فإذا خلا ركنٌ من مباشرةٍ أقمنا من تكون القلوب على أولويته مجتمعة، وانتقينا له من الأتقياء من تغدو به الأمة حيث كانت منتفعة، واستدعينا إليه من تغدو الأدعية الصالحة لنا بتفويض الحكم إليه مرتفعة، الذي خص مذهب إمام دار الهجرة بكل إمام هجر في التبحر فيه دواعي السكون وبواعث الدعة، وجمل منصب حكمه بمن كمل بعلوم الدين فخره فإذا حكم غدت الأقضية لحكمه منفذةً وإذا قضى أضحت الأحكام لأقضيته متبعة.نحمده على نعمه التي جعلت مهم الشرع الشريف لدينا كالاستفهام الذي له صدر الكلام، وبمثابة النية المقدمة حتى على تكبيرة الإحرام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أثبت الإخلاص حكمها، وأحكم الإيمان علمها، وأبقى اليقين على صفحات الوجوه والوجود وسمها المشرق واسمها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخذ ميثاق النبيين في الإقرار بفضله، وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وخصه بالكتاب الذي أخرس الأمم عن مجاراته فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسننه وسنته، وأوضحوا شرعه الشريف لمن تلقاه بعدهم من أئمة أمته، صلاة لا تزال بقاع الإيمان لأحكامها منبتة، وأنواء الإيقان لأوامها مقلتة؛ وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإنه لما كانت الأحكام الشرعية تتوقف على ملاحظة قضاء قضاتها في غالب الأمور، وتستند إلى مراجعة أصول حكامها في أكثر مصالح الجمهور، لم يكن بدٌّ من مراعاة أصولها التي إنما تنوب الفروع عنها، وتدبر أحوال أحكام حكامها التي تنشأ أقضية النواب منها؛ ولذلك لما أصبح منصب قضاء القضاة على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بالشام المحروس لضعف مباشره الممتد، في حكم الخالي، وتعطل بعجزه المشتد، مما ألف به قديماً حال حكمه الحالي، وتمادى ذلك إلى أن ترقى الناس منه إلى درجة اليقين، وتناهى الحكم فيه إلى أن يعين أن يرتاد من يتعين لمثله من الأئمة المتقين، لئلا يخلو هذا المذهب من قاضي قضاة يقيم مناره، ويديم أنواره، ويرفع شعاره، ويحيي مآثر إمامه وآثاره، ويؤمن كمال أفقه أن يعاود سراره؛ وكان المجلس السامي، القاضوي، الفخري، هو الذي لا يعدوه الارتياد، ولا يقف دونه الانتقاء والانقياد، ولا تتجاوزه الإصابة في الاجتهاد: لما عليه من علمٍ جعله مخطوباً للمناصب، وعملٍ تركه مطلوباً للمراتب التي لاتذعن لكل طالب، وتقى أعاده مرتقياً لكل أفقٍلا يصلح له كل شارق، وورعٍ فتح له أبواب التلقي بالاستدعاء وإن لم تفتح لكل طارق؛ وهو هجر الكرا في تحصيل مذهب إمام دار الهجرة إلى أن وصل إلى ما وصل، وأنفق مدة عمره في اقتناء فوائده إلى أن حصل من الثروة بها على ما حصل، فسارت فتاويه في الآفاق، ونمت بركات فوائده التي أنفقها على الطلبة فزكت على الإنفاق- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نبقي فخر هذا المنصب الجليل بفخره، وأن نخص هذا المذهب النبيل بذخره، وأن نحلي جيده بمن نقلنا إلى وشام الوسام ما كان من حسن شنب العلم مختصاً بثغره.فرسم بالأمر الشريف- لا زال لأحكام الشرع مقيماً، وللنظر الشريف في عموم مصالح الإسلام وخصوصها مديماً، أن يفوض إليه......................... لما تقدم من تعينه لذلك، وتبين من أنه لحكم الأولوية بهذه الرتبة من مذهب الإمام مالك مالك.فليل هذه الوظيفة حاكماً بما أراه الله من مذهبه، مراعياً في مباشرتها حق الله في الحكم بين عباده وحق منصبه، مجتهداً فيما تبرأ به الذمة من الوقوف مع حكم الله في حالتي رضاه وغضبه، واقفاً في صفة القضاء على ما نص فيه من شروطه وأوضح من قواعده وشرح من أدبه، ممضياً حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقضيه رأي إمامه، متوجاً الحكم بنصوصه المجمع عليها من أئمة مذهبه في نقض كل أمرٍ وإبرامه، جارياً في ذلك على قواعد أحكام هذا المذهب الذي كان مشرقاً في ذلك الأفق بجماله وزينه، واقفاً في ذلك جميعه مع رضا الله تعالى فإنه في كل ما يأتي ويذر بعينه، والله تعالى يسدده في قوله وعمله، ويبلغه من رضاه نهاية سوله وغاية أمله، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة، كتب بها للقاضي علاء الدين منجى التنوخي وهي: الحمد لله الذي رفع بعلاء الدين قضاء قضاته، وأوضح الهدى في القيام في توليتهم بمفترضاته، وأعلى منار الشرع بما أوقفهم عليه من أحكامه ووفقهم له من مرضاته.نحمده حمداً نستعيد من بركاته، ونستعيذ به أن نضل في ضوء مشكاته، ونستعين عليه برب كل حكم يمدنا قلبه بسكونه وقلمه بحركاته، ويثبت من جميل محضره لدينا ما يرفع مس شكاته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يستودع إخلاصها في قلوب تقاته، وتفوض أحكامها إلى ثقاته، ويحمى سرحها من أبطال الجلاد والجدال بكل مشتاقٍ إلى ملاقاته، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من حكم بما أنزل الله من آياته، وجاهد في الله برأيه وراياته، وشرع من الدين ما ينجي المتمسك به من غواياته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أقام شرعه منهم بكماته، وجعل حكمهم دائم النفوذ أبداً بأقلام علمائه وسيوف حماته، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فمنصب الحكم الذي به تفصل الأمور، وتنفرج له الصدور، وتتسدد أقلام حكامه سهاماً، وتفيض غماماً، وتتعلم منه الأسود زئيراً، ويطول السيف صليلاً والرمح صريراً، وتنتصب بين يدي حكامه الأقدام، وتنتصف على أحكامه الخصام، وتنكس الرؤوس لهيبته إطراقاًن وتغض المقل فما تدير جفوناً ولا تقلب أحداقاً، ويجري بتصريفه قلم القضاء، ويجاري مرهفه البروق فتقر له بالمضاء؛ وقد شيد الله مبانيه في ممالكنا الشريفة مصراً وشاماً على أربعة أركان، وجمع في قضائه الأئمة الأربعة لتكمل بهم فصول الزمان؛ ومذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبلٍ رضي الله عنه هو بالسنة النبوية الطرا المذهب، وطريقة السلف الصلاح في كل مذهب؛ وقد تجنب من سلف من علمائه التأويل في كثير، ووقف مع الكتاب والسنة وكل منهما هو المصباح المنير.وكانت دمشق المحروسة هي مدار قطبهم، ومطلع شموسهم ونجومهم وشهبهم، وأهلها كثيراً ما يحتاجون إلى حاكم هذا المذهب في غالب عقد كل بيع وإيجار، ومزارعةٍ في غلالٍ ومساقاةٍ في ثمار، ومصالحةٍ في جوائح سماويةٍ لا ضرر فيها ولا ضرار، وتزويج كل مملوكٍ أذن له سيده بحرةٍ كريمة، واشتراطٍ في عقدٍ بأن تكون الأمر أة في بلدها مقيمة، وفسخٍ إن غاب زوجها ولم يترك لها نفقةً ولا أطلق سراحها، وبيع أوقافٍ دائرةٍ لا يجد أرباب الوقف نفعاً بها ولا يستطيعون إصلاحها.فلما استأثر الله بمن كان قد تكمل هذا المنصب الشريف بشرفه، وتجمل منه ببقية سلفه، حصل الفكر الشريف فيمن نقلده هذه الأمانة في عنقه، ونهنيء هذا المنصب بطلوع هلاله في أفقه، إلى أن ترجح في آرائنا العالية المرجح المرجى، وتعين واحداً لما ابتلي الناس بالقضاء كان المنجى ابن المنجى؛ طالما تطرزت له الفتاوى بالأقلام، والتفت به حلقة إمام، وخاف في طلب العلم من مضايقة الليالي فما نام- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يفوض إليه قضاء القضاة بالشام المحروسة على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني، رضي الله عنه.فليحكم في ذلك بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه، وبينه له من سبيل الهدى، وعينه لبصيرته من سنن نبيه صلى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، ولينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صح نقله عن إمامه، وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه؛ وقد كان- رحمه الله- إمام حقٍّ نهض وقد قعد الناس تلك المدة، وقام نوبة المحنة وقام سيد تيمٍ رضي الله عنه نوبة الردة، ولم تهب به زعازع المريسي وقد هبت مريساً، ولا ابن أبي داود وقد جمع كل ذودٍ وساق له من كل قطرٍ عيساً؛ ولا نكث عهد ما قدم إليه المأمون في وصية أخيه من المواثق، ولا روعه صوت المعتصم وقد صب عليه عذابه ولا سيف الواثق؛ فليقف على أثره، وليقف بمسنده على مذهبه كله أو أكثره، وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار، وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار، وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله، والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله، والفسخ على من غاب مدةً يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجةً لم يترك لها نفقة، وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة، وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة، وفيما يمنع مضاره الجار، وما تفرع على قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه، وطلعت به أهلة علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه. وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام، ولا تجري إلا مجرى المصالحة دليل الالتزام. وكذلك المعاملة التي لولا الرخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض، ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذر ويحرث الأرض، وغير ذلك مما هو محيط بمفرداته التي هي للرفق جامعة، وللرعيا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة، وإذا استقرت الأصول كانت الفروع لها تابعة؛ والخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى.المرتبة الثانية من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق، ما يكتب في قطع الثلث مفتتحاً بالحمد لله إن علت ربتة المتولي أو بأما بعد حمد الله إن انحطت رتبته عن ذلك بالمجلس السامي وفيها وظائف:الوظيفة الأولى- قضاء العسكر. وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة، كما بالديار المصرية.الوظيفة الثانية- إفتاء دار العدل بدمشق. وبها أربعة: من كل مذهبٍ واحدٌ، كما بالديار المصرية.الوظيفة الثالثة- الحسبة.وهذه نسخة توقيع بالحسبة الشريفة: الحمد لله مجدد النعم في دولتنا الشريفة لمن ضفت عليه ملابسها، ومضاعف المنن في أيامنا الزاهرة لمن سمت به نفائسها،، ومولي الآلاء لمن بسق غرسا لديه فزهت بجماله ثمراتها وزكت مغارسها.نحمده على نعمه التي تؤنس بالشكر أوانسها، وتؤسس على التقوى مجالسها؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً استضاء بنور الإيمان قابسها، واجتنى ثمر الهدى غارسها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من أشرقت به معالم التوحيد فعمر دارسها، وأشرق دامسها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قلوبهم مشاهد الذكر وألسنتهم مدارسها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من أمضي له ما كان به أمر ورسم، وجدد له من المناصب الدينية ما عرف به من قبل ووسم، وأثبت لترقيه ما حتم له به من المراتب السنية بمقتضى الاستحقاق وحكم- من رقمت أوامرنا له حلة منصبٍ يجددها الإحسان، وأمرت له مراسمنا بوظيفة تؤكد عوارفنا الحسان، وأثلت له نعمنا منصباً أعد له من كمال الأهلية أكمل ما يعده لذلك الإنسان.ولما كان فلان هو الذي تحلى من إحساننا بما يأمن معه سعيد رتبته من العطل، واتسم من برنا وامتناننا بما هو في حكم المستقر له وإن ألوى به الدهر ومطل- اقتضى إحساننا أن نجدد له مواقع النعم، ونشيد من رجائه مواضع ما شمله من البر والكرم، ونري من عدق بنا رجاء أمله أننا نتعاهد سقيا آمال الأولياء والخدم.فلذلك رسم... - لا زال بره شاملاً، وبدره في أفق الإحسان كاملاً- أن يفوض إليه نظر الحسبة ويستمر في ذلك على حكم التوقيع الشريف الذي بيده، لما سبق من اختياره لذلك واصطفائه، وادخاره لهذا المنصب من كفاة أعيانه وأعيان أكفائه، ولما تحلى به من رياسةٍ زانته عقودها، وتكمل له من أصالةٍ ضفت عليه حبرها وسمت به برودها، وتجمل به من نزاهةٍ أشرقت في أفق صعودها إلى الرتبة الجليلة سعودها، واتصف به من كمال معرفةٍ نجزت له به من مطالب المناصب وعودها.فليباشر ذلك معطياً هذه الوظيفة من حسن النظر حقها، محققاً بجميل تصرفه تقدم أولويته وسبقها، وليكن لأمر الأقوات ملاحظاً، وعلى منع ذوي الغدر من الاحتكار المضيق على الضعفاء محافظاً، وعلى الغش في الأقات مؤدباً، ولإجراء الموازين على حكم القسط مرتباً، ولمن يرفع الأسعار لغير سببٍ رادعاً، ولمن لا يزعه الكلام من المطففين بالتأديب وازعاً، ولقيم الأشياء محرراً، ولقانون الجودة في المزروع والموزون مقرراً، ولذوي الهيئات بلزوم شرائط المروءة آخذاً، وعلى ترك الجمعِ والجماعات لعامة الناس مؤاخذاً، ولتقوى الله تعالى في كل أمرٍ مقدماًن وبما يخلصه من الله تعالى لكل ما تقع به المعاملات بين الناس مقوماً؛ وفي خصائص نفسه ما يغنيه عن تأكيد الوصايا، وتكرار الحث على تقوى الله تعالى التي هي أشرف المزايا؛ فليجعلها شعار نفسه، ونجي أنسه، ومسدد أحواله التي تظهر بها مزية يومه على أمسه؛ والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجةٌ بمقتضاه.وهذهنسخة توقيع بنظر الحسبة الشريفة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، مضافاً إلى نظر أوقاف الملوك، وهي: الحمد لله مثيب من احتسب، ومجيب المنيب فيما اكتسب.نحمده حمداً رب الأدب صرب الطرب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ظاهرة الحسب، طاهرة النسب، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل من انتدى وانتدب، وأدب أمته فأحسن الأدب، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً يكتتم أجرها فليكتتب، ويستتم بها كل صلاح ويغتنم بها كل فلاح، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن الحسبة الشريفة هي قانون جواد الأوضاع، ومضمون مواد الإجماع، تجمع إلى الشريعة الشريفة سياسةً يرهب جدها، ويرهف حدها، وتخشى الرعايا سطوات مباشها، وتتنحى عما تصبه سيول بوادرها؛ وأصحابها الآلة التي هي أخت السيف في التأثير، ولكل منهما سطوةٌ تخاف لا فرق بينهما إلا ما بين التأنيث والتذكير، وله التصرف المطلق، والتعرف الذي يفتح من الحوانيت على أربابها كل بابٍ مغلق، ولركوبه في المدينة زينةٌ يحشر لها الناس ضحى، ورهبةٌ يغدو بها كل أمينٍ لشأنه مصلحا؛ وإليه الرجوع في كل تقويم، وهو المرجو في كل أمرٍ عظيم؛ وهي بدمشق- حرسها الله تعالى- من أجل المناصب التي تتعلق عو إليها بيد متوليها وتؤمل منازل البدور، وإن ربها ترجع إلى تصريفه أزمة الأمور، وينتجع سحابه الهطل غمامة الجمهور، وتحيا به سنةٌ عمريةٌ لولاها لضاقت رحاب المعاملات، وضاعت بالغش المعايش المتداخلات، وظهر الغبن في غالب ما يشرى ويباع، وانتشر التطفيف الذي يزيل راجحة الميزان ونو الزراع؛ ولكم ناب بحسن تدبيره عن الغمام، ونظر في الدقيق والجليل للخاص والعام، طالما انحط به سعرٌ غلا أن يقوم، ووجد من الأقوات صنفٌ لا يوجد ولو بذل من الشمس دينارٌ والبدر درهم.وكان المجلس السامي، القضائي، الأجلي، الكبيري، الصدري، الرئيسي، العالمي، الكافلي، الفاضلي، الأوحدي، الأثيري، الماجدي، الأصيلي، العمادي، مجد الإسلام، شرف الرؤساء، بهاء الأنام، جمال الصدور، فخر الأعيان، خالصة الدولة، صفوة الملوك والسلاطين: أدام الله علوه، هو الذي ربته السيادة على وسادها، ولبته السعادة إلى مرادها، وبنت العلياء قواعدها على عماده، وثنت المراتب أعناقها متشوفةً إلى حسن اعتماده، وباشر الجامع المعمور خصوصاً والأوقاف الشامية عموماً فعمرها، وكثر أعدادها وأنمى من بركات نظرة متحصلاتها وثمرها، وشيد في كل منها مواطن عبادة، وملقتى حلقةٍ ومدار سبحةٍ ومفرش سجادة، وأبى الله أن يقاس به أحدٌ والجامع الفروق ولذين أحسنوا الحسنى وزيادة؛ فأوجب له جميل نظرنا أن نضاعف له الأجر في كل عمل إليه ينتسب، ونزيده في رزقه سعةً: من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب؛ فرأينا أنه أحق أن يقلد من أمور الحسبة الشريفة حكمها المصرف، وحكمها المعرف، ويقام فيها بهدي من تقدمه في تقرير أمورها على أثبت القواعد، وتقدير مصالحها على أجمل ما جرت به العوائد، ويطهر أقواتها من الدنس فيما يحضر على الموائد، وإخافة الأعناق من مضاربه التي تقطع ما غفا السيف عنه من مناط القلائد.فرسم بالأمر الشريف العالي- لا زالت بمراسيمه تتلقى كل رتبة، وتتوقى الدنايا بمن يقوم بالحسبة- أن يفوض إليه النظر على الحسبة الشريفة بدمشق وما معها من الممالك الشامية المضافة إليها، بالمعلوم المستقر، الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: مضافاً إلى ما هو بيده: من نظر الأوقاف المبرورة بالشام، وأوقاف الملوك، خلا نظر الجامع المعمور إلى آخر وقت بحكم إفراده لمن عين له، تفويضاً يضمه إلى ربائب كنفه، ويعمه بمواهب شرفه، ويحله في أعلى غرفه، ويحليه بما يحسد الدر ما رمى من صدفه.فاتق الله في أحوالك، وانتق من يجمع عليه من النواب في أعمالك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فمنك المنكر لا يعرف والمعروف منك لا ينكر، واعتبر أحوال أرباب المعايش اعتباراً يصلح للناس أقواتهم، ويرغد أوقاتهم، ولا تدع صاحب سلعةٍ يتعدى إلى غير ما أحله الله له من المكاسب، ولا صاحب معيشةٍ يقدم على تخلل خللٍ في المآكل والمشارب، واقصد التسوية بالحق فإنه سواء فيه البائع والمشتري، ولا فرق بين الرخيص والثمين، وأقم الموازين بالقسط حتى لا تتمكن كفاتها أن تتحامل ولا تتحمل، ولا يستطيع قلبها أن يميل مع من يتمول، ولا يقدر لسانها أن يكتم الشهادة بالحق وإن كان مثقال حبةٍ من خردل، واجعل لك على أهل المبايعات حفظةً لتظل أعمالهم لك تنسخ، وتفقد الأسواق مما يتولد فيها من المفاسد فإن الشيطان ربما باض في الأسواق وفرخ. وأرباب الصنائع فيهم من يدلس، وفقهاء المكاتب منهم من لعرضه يدنس، والقصاص غالبهم يتعمد الكذب في قصصه، وأهل النجامة كم منهم من لعب مرةً بعقل امرأةٍ وأمات رجلاً بغصصه، وآخرون ممن تضل بهم العقول، وتظل حائرةً فيهم النقول، وكثيرٌ ممن سوى هؤلاء يدك مبسوطةٌ عليهم، وأحكامك محيطة بهم من خلفهم وبين يديهم؛ فقوم منهم من مال، وقلد مالكاً رضي الله عنه فيما رآه من المعاقبة تارةً بإنهاك الجسد وتارةً بإفساد المال؛ فربما أطغى الغنى والمصباح فربما قطب................................. وثم من لا يستقيم حتى يؤدب، ومن لا يلم على شعثٍ وأي الرجال المهذب؛ وفيك من الألمعية نورٌ باهر، وكوكبٌ زاهر؛ فلا حاجة إلى أن تلقي الوصايا أقلامها أيها يكفلك، ولا تنبهك على زينة العفاف فيها وهل حللك؛ والله تعالى يوفق اعتمادك، ويوفر من التقوى زادك؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.الوظيفة الرابعة- وكالة بيت المال المعمور.وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال، من إنشاء القاضي تاج الدين البانباري، للقاضي نجم الدين أبي الطيب.الحمد لله الذي جعل الطيبات للطيبين، وهدى بالنجم المنير السبيل المبين، وعدق بأئمة الدين مصالح المسلمين، وآتانا بتفويضنا إليه، وتوكلنا عليه، شرفاً في الشأن وقوةً في اليقين.نحمده على أن أعان بخيره وهو خير معين، ونشكره على أن بصرنا في الإرادات، بالملائكة المقربين، ونصرنا في الولايات، بالقوي الأمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أنوارها في القلب مشرقةٌ على الصفحات والجبين، وأذكارها على اللسان جعلت الإنسان من صالح المؤمنين، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله هادي المهتدين، وموضح شرعة الإحسان للمحسنين، وأبو الطيب وأبو القاسم كني بأولاده المطهرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان من السابقين الأولين، ومنهم من كان مهيباً للكفر يهين، ومنهم من تزوج بابنتي الرسول ولم يتفق ذلك لغيره من سالف السنين، ومنهم من كان الخير ملء يديه: فشمول البركة بشماله وذو الفقار في اليمين، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فأكرم التفويض ما صادف محلاً، وأبرك الولايات ما وجد قدراً معلى، وأحسن الإحسان ما أصبح به الحال محلى، وأسنى الأنجم ما أشرق في مطلعه وتجلى، وأحق الولاة بإعلاء منصبه من أقبلت عليه وجوه الإقبال حين تولى، وأولى الولايات بإجمال النظر وإمعانه، في تشييد شانه، وتمكين مكانته ومكانه، وحفظ حوزته من سائر أركانه- وكالة بيت المال المعمور التي بها تصان الأرض المقيسة، ومنها تستبصر الآراء الرئيسة، وبها يؤمن الاستيلاء على المحال والأبنية من كل جائر، وبها تزاد قيم المبيعات مما هو لبيت المال ما بين عامرٍ وداثر، وإلى متوليها تأتي الرغبات ممن يبتاع أرضاً، وبه تمضى المصالح وتقضى، وبه يظهر التمييز في الثمن الأرضى؛ وهي في الشام فخيمة المقدار، كريمة الآثار، مرضيةٌ بالربح في كل أرض بينة المصالح في كل بناء دائرةٌ بالنجح في كل دار؛ فلا يشيم برقها، ويتوج فرقها، ويوفيها حقها، إلا من له علمٌ وتبصرة، وعرفانٌ أوضح الطريق وأظهره، وحسن رأي فيما آثره وأثره، وصدارةٌ ورد بها منهل الكرام البررة.وكان فلانٌ هو ذو السؤدد العريق، والباسق في الدوح الوريق، والمنتسب إلى أعز فريق، والطيب أصلاً وفرعاً على التحقيق، والإمام في علومه التي أصلت التفريع ووصلت التفريق، والموفق فيما يأتي ويذر والله ولي التوفيق، قد أشرق بدمشق نجمه نوراً، وابتسم البرق الشامي به سروراً، وتصدر بمحافلها فشرح صدوراً، وابتنى له سؤدداً وجعل مكارم الأخلاق عليه سوراً، تلقى بمحضره المسائل فتلقى منه ولياً مرشدا، وتذكر لديه المباحث فتجد على ذهنه المتوقد هدى، وإذا اضطرب قولٌ مشكلٌ سكن بإبانته وهدا؛ إن تأول أصاب في تأويله، وإن نظر في مصلحةٍ كان رأيه في السداد موافقاً لقيله، وقد استخرنا الله تعالى- وهو نعم الوكيل- في توكيله.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه.................فليأت هذا المنصب المنصب وبل بركته من بابه، وليخيم في فسيح رحابه، ولينعم بجناته في جنابه، وليحرر ما يباع من أملاك بيت المال بشروطه ولوازمه المسطورة في كتابه، وليردع من استولى على أرضٍ باغتصابه، فليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ: وهو إما بناءٌ بإنشائه وإما غراسٌ بإنشابه، وما يرتجع إلى بيت المال المعمور من أرضٍ وعقار، وروضاتٍ ذات غراسٍ وأنهار، وقرى وما يضاف إلى ذلك من آثار؛ فليحرر مجموعه، وليسلك في ذلك الطريقة المشروعة، وليشفق إشفاق المتقين الماهدين لمآلهم، ولينصح لنا وللمسلمين فهو وكيل بيت مالهم. ومن مات ولا وارث له من عصبةٍ أو كلالة، فإن لبيت المال أرضه وداره وماله.وقد وكلنا إليك هذا التقليد وقلدناك هذه الوكالة، ووالدك- رحمه الله- كانت مفوضةً إليه قديماً فلذلك أحيينا بك تلك الأصالة.واعلم- أعزك الله- أن الوصايا إن طالت فقد طاب سبحها، وإن أوجزت فقد كفى لمعها ولمحها؛ وعلى الأمرين فقد أنارها هنا بالتوفيق صبحها، وحسن بالتصديق شرحها، وأطرب من حمام أقلامها صدحها، والتقوى فهي أولها وآخرها وختمها وفتحها، والله تعالى يسقي بك كل قضبةٍ ذوى صيحها، والخير يكون إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة توقيع شريف بوكالة بيت المال بالشام أيضاً: الحمد لله كافي من توكل عليه، ومحسن مآل من فوض أمره إليه، ومجمل مآب من قدم رجاءنا عند الهجرة إلى أبوابنا بين يديه، ومقر عين من أسهر في استمطار عوارفنا بكمال الأدوات ناظريه.نحمده على نعمه التي جعلت سعي من أم كرمنا، مشكوراً، وسعد من قصد حرمنا، مشهوراً، وإقبال من أقبل إلى أبوابنا العالية محققاً يتقلب في نعمنا محبوراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نعتضد فيها بالإخلاص ونعتصم، ونتمسك في الدنيا والآخرة بعروتها، التي لا تنفصم، ونوكل في إقامة دعوتها، سيوفنا التي لا تزال هي وأعناق جاحديها تختصم، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضاءت شريعته، فلم تخف على ذي نظر، وأنارت ملته، فأبصرها القلب قبل البصر، وعمت دعوته، فاستوى في وجوب إجابتها البشر، واختصت أمته، بعلماء يبصرون من في طرفه عمى ويظهرون حق من في باعه قصر، صلى الله عليه وعلى آله الذين عملوا بما علموا، وعدلوا فيما حكموا، وحفظوا بالحق بيوت أموال الأمة فاشترك أهل الملة فيما غنموا، صلاةً توكل الإخلاص بإقامتها، وتكفل الإيمان بإدامتها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد: فإن أهم ما صرفت إليه الهمم، وأعم ما نوجب في اختيار الأكفاء له براءة الذمم، وأخص ما اتخذنا الاستخارة فيه دليلاً، وأحق ما أقمنا عنا فيه من أعيان الأمة وكيلاً، لا يدع حقاً للأمة ما وجد إليه سبيلاً- أمر بيت مال المسلمين الذي هو مادة جهادهم، وجادة جلادهم، وسبب استطاعتهم، وطريق إخلاصهم في طاعتهم، وسداد ثغورهم، وصلاح جمهورهم، وجماع ما فيه إتقان أحوالهم واستقرار أمورهم؛ ومن آكد مصالحه وأهمها، وأخص قواعده وأعمها، وأكمل أسباب وفوره وأتمها، الوكالة التي تصون حقوقه أن تضاع، وتمنع خواصه أن تشاع، وتحسن عن الأمة في حفظ أموالها المناب، وتتولى لكلٍّ من المسلمين فيما فرض الله لهم الدعوى والجواب؛ ولذلك لم نزل نتخير لها من ذخائر العلماء من زان الورع سجاياه، وكمل العلم مزاياه، وانعقد الإجماع على كماله، وقصرت الأطماع عن التحلي بجمال علمه: وهل يبارى من كان علمه من جماله.ولما كان المجلس السامي، الشيخي، الفلاني، هو الذي ظهرت فضائله وعلومه، ودل على بلوغ الغاية منطوق نعته ومفهومه، وحلى علمه بالورع الذي هو كمال الدين على الحقيقة، وسلك طريقة أبيه في التفرد بالفضائل فكان بحكم الإرث من غير خلافٍ صاحب تلك الطريقة، مع نسب لنسيب ما مر حلاله، وتقىً ما ورثه من أبيه عن كلالة، وثباتٍ في ثبوت الحق لا تستفزه الأغراض، وأناة في قبول الحكم لا تحيل جواهره الأعراض، ووقوفٍ مع الحق لا يبعده إلى ما لا يجب، وبسطةٍ في العلم بها يقبل ما يقبل ويجتنب ما يجتنب، وتحقيقٍ تجري الدعاوى الشرعية على محجته، وإنصافٍ لا يضر خصمه معه كونه ألحن منه بحجته، مع وفادة إلى أبوابنا العالية تقاضت له كرمنا الجم، وفضلنا الذي خص وعم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يرجع إلى وطنه مشمولاً بالنعم، مخصوصاً من هذه الرتبة بالغاية التي يكبو دونها جواد الهمم، منصوصاً على رفعة قدره التي جاءت هذه الوظيفة على قدر، مداوماً لشكر أبوابنا على اختياره لها بعد إمعان الاختبار وإنعام النظر.فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه وكالة بيت المال المعمور بالشام المحروس.فليرق هذه الرتبة التي هي من أجل ما يرتقى، ويتلق هذه الوكالة التي مدار أمرها على التقى وهو خير ما ينتقى، ويباشر هذه الوظيفة التي مناط حكمها في الورى الذي لا تستخف صاحبه الأهواء ولا تستفزه الرقى، ولينهض بأعبائها مستقلاً بمصالحها، متصدياً لمجالس حكمها العزيز لتحرير حقوق بيت المال وتحقيقها، متلقياً ما يرد من أمر الدعاوى الشرعية التي يبت مثلها في وجهه بطريقها، منقباً عن دوافع ما يثبت له وعليه، محسناً عن بيت المال الوكالة فيما جره الإرث الشرعي إليه، مستظهراً في المعاقدة بما جرت به العادة من جوه الاحتراز، مجانباً جانب الحيف في الأخذ والعطاء بأبواب الرخص وأسباب الجواز، منكباً في تشدده عن طريق الظلم الذي من تحلى به كان عاطلاً، سالكاً في أموره جادة العدل فإنه سيان من ترك حقه وأخذ باطلاً، مجتهداً في تحقيق ما وضح من الحقوق الشرعية وكمن، متتبعاً ما غالت الأيام في إخفائه فإن الحق لا يضيع بقدم العهد ولا يبطل بطول الزمن.وفي أوصافه الحسنة، وسجاياه التي غدت بها أقلام أيامنا لسنة، وعلومه التي أسرت إليها أفكاره والعيون وسنة، ما يغني عن وصايا يطلق عنان اليراعة في تحديدها، أو قضايا ينطق لسان البراعة في توكيدها؛ ملاكها تقوى الله وهي سجية نفسه، ونجية أنسه، وحلية خلاله المعروفة في يومه وأمسه؛ فيليقدمها في كل أمر، ويقف عند رضا الله فيها لا رضا زيد ولا عمرو؛ والله الموفق بمنه وكرمه.الوظيفة الخامسة- الخطابة.وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي، كتب بها لزين الدين الفارقي، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي: الحمد لله رافع الذين أوتوا العلم درجات، وجاعل أرجاء المنابر بفضائل أئمة الأمة أرجات، وشارح الصدوربذكره بعد أن كانت من قبل المواعظ حرجات، الذي زان الدين من العلماء بمن سلمت له فيه الإمامة، وصان العلم من الأئمة المتقين بمن أصحب له جامح الفضل يصرف كيف شاء زمامه، ووطد ذروة المنبر الكريم لمن يحفظ في هداية الأمة حقه ويرعى في البداية بنفسه ذمامه، ووطأ صدر المحراب المنير لمن إذا أم الأمة أرته خشية الله أن وجه الله الكريم أمامه.نحمده على ما منحنا من صون صهوات المنابر إلا عن فرسانها، وحفظ درجات العلم إلا عمن ينظر بإنسان السنة وينطق بلسانها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال أفواه المحابر، تثبت طروسها، وأنواء المنابر، تنبت غروسها، وألسنة الإخلاص تلقي على المسامع من صحف الضمائر دروسها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرفت المنابر أولاً برقيه إليها، وآخراً بذكر اسمه الكريم عليها؛ فهي الرتبة التي يزيد تبصرةً على ممر الدهور بقاؤها، والدرجة التي يطول إلا على ورثة علمه ارتقاؤها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ذكرهم بأيام الله فذكروها، وبصرهم بآلاء الله فشكروها، وعرفهم بمواقع وحدانيته فجادلوا بسنته وأسنته الذين أنكروها، صلاةً لا تبرح لها الأرض مسجداً، ولا يزال ذكرها مغيراً في الآفاق ومنجداً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإنه لما كانت الخطابة من أشهر شعائر الإسلام، وأظهر شعار ملة سيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام، شرعها الله تعالى لإذكار خلقه بنعمه، وتحذير عباده من نقمه، وإعلام بريته بما أعد لمن أطاعه في دار كرامته من أنواع كرمه، وجعلها من وظائف الأمة العامة، ومن قواعد وراثة النبوة التامة؛ يقف المتلبس بها موقف الإبلاغ عن الله لعباده، ويقوم الناهض بفرضها مقام المؤدي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أمته عن مراد الله ورسوله دون مراده، ويقيمها في فروض الكفايات على سنن سبله، ويستنزل بها مواد الرحمة إذا ضن الغيث على الأرض بوبله؛ وكان المسجد الجامع بدمشق المحروسة هو الذي سارت بذكره الأمثال، وقيل هذا من أفراد الدهر التي وضعت على غير مثال، قد تعين أن نرتاد له بحكم خلوه من الأئمة من هو مثله فرد الآفاق، وواحد العصر عند الإطلاق، وإمام علماء زمانه غير مدافع عن ذلك، وعلامة أئمة أوانه الذي يضيء بنور فتاويه ليل الشك الحالك، وناصر السنة الذي تذب علومه عنها، وحاوي ذخائر الفضائل التي تنمي على كثرة إنفاقه على الطلبة منها، وشيخ الدنيا الذي يعقد على فضله بالخناصر، ورحلة الأقطار الذي غدت نسبته إلى أنواع العلوم زاكية الأحساب طاهرة الأواصر، وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل، وناسك الدهر الذي صان الورع بامتداد الفضائل وقصر الأمل، والعابد الذي أصبح حجة العارف وقدوة السالك، والصادع بالحق الذي لا يبالي من أغضب إذا رضي الله ورسوله بذلك.ولما كان فلانٌ هو الذي خطبته لهذه الخطابة علومه التي لا تسامى ولا تسام، وعينته لهذه الإمامة فضائله التي حسنت بها وجوه العلم الوسام، حتى كأنها في فم الزمن ابتسام، وألقى إليه مقاليدها كماله الذي صد عنها الخطاب، وسد دونها أبواب الخطاب، وقيل: هذا الإمام الشافعي أولى بهذا المنبر وأحرى بهذا المحراب- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي أعطاف هذا المنبر بفضله الذي يعيد عوده رطيباً، ويضمخ طيباً منه ما ضم خطيباً، وأن نصدر بهذا المحراب من نعلم أنه لدى الأمة مناجٍ لربه، واقفٌ بين يدي من يحول بين المرء وقلبه.فلذلك رسم................. - لا زال يولي الرتب الحسان، ويجري بما أمر الله به من العدل والإحسان- أن تفوض إليه الخطابة والإمامة بجامع دمشق المحروس على عادة من تقدمه.فليرق هذه الرتبة التي أمطاه الله ذروتها، وأعطاه الفضل صهوتها، وعينه تفرده بالفضائل لإذكار الأمة عليها، ورجحه لها انعقاد الإجماع على فضله حتى كادت للشوق أن تسعى إليه لو لم يسع إليها، حتى تختال منه بإمامٍ لا تعدو مواعظه حبات القلوب، لأنها تخرج من مثلها، ولا تدع خطبه أثراً للذنوب، لأنها توكل ماء العيون بغسلها، ولا تبقي نصائحه للدنيا عند المغتر بها قدراً، لأنها تبصره بخداعها، ولا تترك بلاغته للمقصر عن التوبة عذراً: فإنها تحذره من سرعة زوال الحياة وانقطاعها، ولا تجعل فوائده لذوي النجدة والبأس التفاتاً إلى أهل ولا ولدٍ لأنها تبشره بما أعد الله لمن خرج في سبيله، ولا تمكن زواجره من نشر الظلم أن يمد إليه يداً لأنها تخبره بما في الإقدام على ذلك من إغضاب الله ورسوله.فليطل- مع قصر الخطبة- للظالم مجال زجره، وليطب قلب العالم العامل بوصف ما أعد الله له من أجره، وليجعل خطبه كل وقتٍ مقصورةً على حكمه، مقصودةً في وضوح المقاصد بين من ينهض بسرعة إدراكه أو يقعد به بطء فهمه؛ فخير الكلام ما دل ببلاغته، وإن قل، وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنةً من فقهه فما قصر من حافظ على حكم السنة فيهما ولا أخل.وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي، كتب به للقاضي تقي الدين السبكي.الحمد لله الذي جعل درجات العلماء آخذةً في مزيد الرقي، وخص برفيع الدرجات من الأئمة الأعلام كل تقي، وألقى مقاليد الإمامة لمن يصون نفسه النفيسة بالورع ويقي، وأعاد إلى معارج الجلال، من لم يزل يختار حميد الخلال، وينتقي، وأسدل جلباب السؤدد على من أعد للصلاة والصلات من قلبه وثوبه كل طاهر نقي.نحمده على أن أعلى علم الشرع الشريف وأقامه، وجعل كلمة التقوى باقيةً في أهل العلم إلى يوم القيامة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عدل قيد الفضل بالشكر وأدامه، وأيد النعمة بمزيد الحمد فلا غرو أن جمع بين الإمامة والزعامة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أعلى الله به عقيرة مرتل الأذان ومدرج الإقامة، وأغلى ببركته قيمة من تمسك بسبيل الهدى ولازم طريق الاستقامة، صلى الله عليه وعلى آله الذين عقدوا عهود هذا الدين وحفظوا نظامه، وعلى أصحابه الذين ما منهم إلا من اقتدى بطريقه فاهتدى إلى طرق الكرامة، صلاةً لا تزال بركاتها تؤيد عقد اليقين وتديم ذمامه، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن من شيم دولتنا الشريفة أن ترفع كل عالي المقدار مكاناً علياً، وتجعل له من اسمه وصفته قولاً مسمعاً وفعلاً مرضياً، وتوطد له رتب المعالي وتزيد قدره فيها رقياً، وتكسوهم من جلباب السؤدد مطرفاً مباركاً وطياً، وتطلق لسان إمامه بالمواعظ التي إذا تعقلها أولو الألباب خروا لطاعة ربهم سجداً وبكياً.ولما كان المجلس العالي هو الذي أعز أحكام الشريعة الشريفة وشادها، وأبدى من ألفاظه المباركة المواعظ الربانية وأعادها، وأذاع فيها أسرار اليقين وزادها، وأصلح فسادها، وقوم منادها؛ وكيف لا وقد جمع من العلوم أشتاتاً، وأحيا من معالم التقى رفاتاً، وأوضح من صفات العلماء العاملين بهديه وسمته هدياً وسماتاً، فلذلك خرج الأمر الشريف الصالحي العمادي...............قلت: وهذه نسخة توقيع بخطابته أيضاً، أنشأته للشيخ شهاب الدين بن حاجي.الحمد لله الذي أطلع شهاب الفضائل في سماء معاليها، وزين صهوات المنابر بمن قرت عيونها من ولايته المباركة بتواليها، وجمل أعوادها بأجل حبرٍ لو تستطيع فرق قدرتها لسعت إليه وفارقت- خرقاً للعادة- مبانيها، وشرف درجها بأكمل عالمٍ ما وضع بأسافلها قدماً إلا وحسدتها على السبق إلى ما مس قدمه أعاليها.نحمده على أن خص مطاقع الخباء من فضل اللسن بالباع المديد، وقصر الجامع الأموي على أبلغ خطيبٍ يشيب في تطلب مثله الوليد، وأفرد فريد الدهر باعتبار الاستحقاق برقي درج منبره السعيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تخفق على مواكب الصفوف أعلامها، وتتوفر من تذكير آلاء الله تعالى أقسامها، ولا تقصر عن تبليغ المواعظ حبات القلوب أفهامها، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي نبه القلوب الغافلة من سناتها، وأيقظ الخواطر النائمة من سباتها، وأحيا رميم الأفئدة بقوارع المواعظ بعد مماتها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين علا مقامهم، ففاتت أعاقبهم الرؤوس، ورفعت في المجامع رتبهم، فكانت منزلتهم منزلة الرئيس من المرؤوس، صلاةً لا تزال الأرض لها مسجداً، ولا يبرح مفترق المنابر باختلااق الآفاق لاجتماعها مورداً.وبعد، فإن أولى ما صرفت العناية إليه، ووقع الاقتصار من أهم المهمات عليه- أمر المساجد التي أقيم بها للدين الحنيف رسمه، وبيوت العبادات التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه؛ لاسيما الجوامع التي هي بمنزلة الملوك من الرعية، وأماثل الأعيان من بين سائر البرية؛ ومن أعظمها خطراً، وأبينها في المحاسن أثراً، وأسيرها في الآفاق النائية خبراً، بعد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، ويعول في قصد الزيارة عليها- جامع دمشق الذي رست في الفخر قواعده، وقامت على ممر الأيام شواهده، وقاوم الجم الغفير من الجوامع واحده، ولم تزل الملوك تصرف العناية إلى إقامة شعائر وظائفه، وتقتصر من أهل كل فنٍّ على رئيس ذلك الفن وعارفه؛ فما شغرت به وظيفةٌ إلا اختاروا لها الأعلى والأرفع، ولا وقع التردد فيها بين اثنين إلا تقيلوا منهما الأعلم والأروع؛ خصوصاً وظيفة الخطابة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بها متصدياً، وعلم الخلفاء مقام شرفها بعد فباشروها بأنفسهم تأسياً.ولما كان المجلس العالي، القاضوي، الشيخي، الكبيري، العالمي، الفاضلي، الأوحدي، الأكملي، الرئيسي، المفوهي، البليغي، الفريدي، المفيدي، النجيدي، القدوي، الحجي، المحققي، الورعي، الخاشعي، الناسكين، الإمامي، العلامي، الأثيلي، العريقي، الأصيلي، الحاكمي، الخطيبي، الشهابي، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء المجتهدين، حجة الأمة، عمدة المحدثين، فخر المدرسين، مفتي المسلمين، معز السنة، قامع البدعة، مؤيد الملة، شمس الشريعة، حجة المتكلمين، لسان المناظرين، بركة الدولة، خطيب الخطباء، مذكر القلوب، منبه الخواطر، قدوة الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين أبو العباس أحمد أدام الله تعالى نعمته: هو الذي خطبته هذه الخطابة لنفسها، وعلمت أنه الكفء الكامل فنسيت به في يومها ما كان من مصاقع الخطباء في أمسها؛ إذ هو الإمام، الذي لا تسامى علومه ولا تسام، والعلامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام، والحبر الذي تعقد على فضله الخناصر، والعالم الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر، والحافظ الذي قاوم علماء زمانه بلا منازع، وعلامة أئمة أوانه من غير مدافع، وناصر السنة الذي يذب بعلومه عنها، وجامع أشتات الفنون التي يقتبس أماثل العلماء منها، وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل، وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل، ورحلة الأقطار الذي تشد إليه الرحال، وعالم الآفاق الذي لم يسمح الدهر له بمثال- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفعه من المنابر على علي درجها، ونقطع ببراهينه من دلائل الإلباس الملبسة داحض حججها، ونقدمه على غيره ممن رام إبرام الباطل فنقض، وحأول رفع نفسه بغير أداة الرفع فخفض.فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، المنصوري، المعزي- لا زال يرفع لأهل العلم راساً، ويحقق لذوي الجهل من بلوغ المراتب السنية ياساً- أن يفوض إلى المجلس العالي المشار إليه خطابة الجامع المذكور بانفراده، على أتم القواعد وأكملها، وأحسن العوائد وأجملها.فليرق منبره الذي عاقب فيه رامحه الطالع أعزل غيره الغارب، وليتبوأ ذروة سنامه الأرفع من غير شريك له ولا حاجب، وليقصد بمواعظه حبات القلوب، ويرشق شهاب قراطيسها المانعة فإنها الغرض المطلوب، وليأت من زواجر وعظه بما يذهب مذهب الأمثال السائرة، ويرسلها من صميم قلبه العامر فإن الوعظ لا يظهر أثره إلا من القلوب العامرة، ويقابل كل قوم من التذكير بما يناسب أحوالهم على أكمل سنن، ويخص كلاً من أزمان السنة بما يوافق ذلك الزمن؛ والوصايا كثيرةٌ وإنما تهذيب العلم يغني عنها، وتأديب الشريعة يكفي مع القدر اليسير منها؛ وتقوى الله تعالى ملاك الأمور وعنده منها القدر الكافي، والحاصل الوافي؛ والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرى، ويرفع على الجوزاء مجلسه العالي: وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا.الوظيفة السادسة- التداريس الكبار بدمشق المحروسة.وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الريحانية، كتب به لقاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي، عوضاً عن جلال الدين الرازي. كتب بسؤال بعض كتاب الإنشاء، وهي: الحمد لله الذي جعل عماد الدين علياً، وأحكم مباني من حكم فلم يدع عصياً، وقضى في سابق قضائه لإمضاء قضائه أن لا يبقي عتياً.نحمده على ما وهب به من أوقات الذكر بكرةً وعشياً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنبه بالعلم بوحدانيته من كان غبياً، وتكبت لمقاتل سيوف العلماء من كان غوياً، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي كان عند ربه رضياً، وعلى ذبه عما شرع من الدين مرضياً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا يزال فضل قديمها مثل حديثها مروياً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فلما كانت رتب العلم هي التي يتنافس عليها، ويتطأول إلى التنقل إليها، ويختار منها ما كسي بمباشرة المتقدم ملابس الجلال، وآن له أن ينتقل إليه البدر بعد الهلال، وكانت المدرسة الريحانية بمحروسة دمشق هي ريحانة المجالس، وروضة العلم الزاكية المغارس، وبحر الفوائد الذي يخرج الفرائد، ومسرح العلماء الذي قد آن أن يظفر به منهم من الألف زائد.ولما توفي من آلت إليه، وعالت مسألتها إلا عليه، وكان ممن قد ولي الأحكام استقلالاً، وكان لبصر الدنيا جلاءً وللدين جلالاً، لم تكن إلا لمن ينسى به ذلك الذاهب، وينسب إليه علم مذهبه كله وإن كان لا يقتصر به على بعض المذاهب، ويعرف من هو وإن لم يصرح باسمه، ويعرف من هو وإن لم يذكر بعلاء قدره العلي وعلمه، ولا يمترى أنه خلف أبا حنيفة فيمن خلف، وحصل على مثل ما حصل عليه القاضي أبو يوسف وذهب ذلك في السلف الأل مع من سلف، وأعلم بجداله أن محمد بن الحسن ليس من أقران أبي الحسن، وأن زفر لم يرزق طيب أنفاسه في براعة اللسن، وأن الطحاوي ما طحا به قلبٌ إلى الحسان طروب والقاضي خان لديه منه الأنبوب، وتلقب شمس الأئمة لما طلع علم أنه قد حان من شمس النهار غروب، والرازي لما جاء تيقن أنه يروزه عن علم الجيوب، والمرغيناني مس ولم يرغن له في مطلوب، والثلجي ما برد لطالب غله، والخبازي لم يوجد عنده لطعامٍ فضلة، والهنداوني ما أجدى في جلاد الجدال ولا هز نصله؛ ولم يزل يشار إليه والتقليد الشريف له بالحكم المطلق بما تضمنه من محاسن أوصافه شاهد، ودست الحكم على على كيوان شائد، ومدارس العلم تسر من حبه، ما حنيت عليه من محاريبها الأضالع، ومجالس القضاء تظهر بقربه، ما لم يكن تدانى إليه المواضع.وكان الجناب الكريم، العالي، القضائي، الأجلي، الإمامي، الصدري، العالمي، العاملي، العلامي، الكاملي، الفاضلي، الأوحدي، المفيدي، الورعي، الحاكمي، العمادي، ضياء الإسلام، شرف الأنام، صدر الشام، أثير الإمام، سيد العلماء والحكام، رئيس الأصحاب، معز السنة، مؤيد الملة، جلال الأئمة، حكم الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبو الحسن علي بن الطرسوسي الحنفي، قاضي القضاة بالشام- نشر ملاءة مذهبه، وحلى بجلوسه للحكم طرفي النهار إضاة مفضضه وتوشيع مذهبه، طالما ساس الرعية بحكمه، وساد نظراءه في معرفة العلوم الشرعية بعلمه وحكمه، وسار مثل فضله في الأقطار وضوء الشمس مرد شعاعه، فطال إلى السماء وقصر الأفق الممتد على طول باعه، وفاض فيض الغمام وما اكتال البحر بكيله ولا صار مثل صاعه، وعرضت عليه هذه المدرسة التي لم يكن لغيرهأن يحبى ريحانتها، ولا أن تؤدى إلى يد سواه فيودع أمانتها، فآثرها على أنه ترك المدرسة المقدمية المتقدم له درسها، المعظم به في كل حينٍ غرسها، ليوسع بها على الطالب مذهبه، ويفرغ لها ساعةً من أوقاته المنتهبة، ويهب لها من حقه الذي هو في يده ما لو شاء ما وهبه.فرسم بالأمر الشريف- لا زال يقرب الآماد، ويرضي القوم وأقضاهم علي وأثبتهم طوداً العماد- أن يفوض إليه تدريس المدرسة الريحانية المعينة أعلاه، على عادة من تقدمه وقاعدته إلى آخر وقت، بحكم تركه للمقدمية ليهب عليه روحها وتهب له السعادة ريحها؛ ولها من البشرى بعلمه ما تميس به ريحانة ريحها سروراً، وتميد وقد أكنت جبلاً من العلم وقوراً، وتمتد وقد نافحت في مسكة الليل عبيراً، وفي أقحوانة الصباح كافوراً؛ وما نوصي مثله- أجل الله قدره- بوصية إلا وهو يعلمه، ويلقنها من حفظه ويعلمها؛ ومن فصل قضائه تؤخذ الآداب، وتنفذ سهام الآراء والآراب. وتقوى الله بها باطنه معمور، وكل أحدٍ بها مأمور؛ وما نذكره بها إلا على سبيل التبرك بذكرها، والتمسك بأمرها. والفقهاء والمتفقهة هم جنده؛ وبهم يجد جده، فليجعلهم له في المشكلات عدة، وليصرف في الإحسان إليهم جهده؛ والله تعالى يعينه على ما ولي، ويعينه لكل علياء لا يصلح أن يحلها إلا علي. وسبيل كل واقفٍ عليه العمل به بعد الخط الشريف أعلاه.الوظيفة السابعة- التصادير بدمشق المحروسة.وهذه نسخة توقيع أنشأته لقاضي القضاة بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، وولده جلال الدين محمد بإعادة تصديرين كانا باسمهما، بالجامع الأموي بدمشق: أحدهما انتقل إليهما عن سلفهما، والثاني بنزول، وخرج عنهما عند استيلاء تنم نائب الشام على الشام في سنة اثنتين وثمانمائة، ثم أعيد إليهما في شوال من السنة المذكورة، في قطع الثلث، وهي: الحمد لله الذي جعل بدر الدين في أيامنا الزاهرة متواصل رتب الكمال، متردداً في فلك المعالي بأكرم مساغٍ بين بهاءٍ وجلال، منزهاً عن شوائب النقص في جميع حالاته: فإما مرتقب الظهور في سراره، أو متسمٌ بالتمام في إبداره، أو آخذٌ في الازدياد وهو هلال.نحمده على أن أقر الحقوق في أهلها، وانتزع من الأيدي الغاصبة ما اقتطعته الأيام الجائرة بجهلها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تحمي قائلها من شوائب التكدير، وتصون منتحلها من عوارض الإصدار إذا ورد أصفى مناهل التصدير، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل نبيٍّ اقتفت أمته آثاره واتبعت سننه، وأكرم رسولٍ دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الحق وأعلام الهدى، وحماة الدين وكفاة الردى، صلاةً يبقى على مدى الأيام حكمها، ولا يندرس على ممر الليالي رسمها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من رعيت له الحقوق القديمة، وحفظت له مساعيه الكريمة، وخلدت عليه النعم التي حق لها أن تكون بأهلها مقيمة، من كرم أصلاً وطاب فرعاً، وزكا منبعاً وعذب نبعاً، ووقع الإجماع على فضله المتواتر فأعدق الحكم بتفضيله قطعاً، ومن إذا تكلم فاق بفضله نثر اللآلي، وإذا قدر قدره انحطت عن بلوغ غايته المعالي، وإذا طلع بدره المضيء من أفق مجلسه الموروث عن أبيه وأعمامه قال: ليت أشياخي شهدوا هذا المجلس العالي، ومن إذا جلس بحلقته البهية غشيته من الهيبة جلالة، وإذا أطافت به هالة الطلبة والمستفيدين قيل: ما أحسن هذا البدر في هذه الهالة!، ومن تتيه طلبته على أكابر العلماء بالانتماء إليه، وتشمخ نفوس تلامذته على غيره من المتصدرين بالجلوس بين يديه، ومن إذا أقام بمصر طلع بالشام بدره، ولو أقام بالشام بقي بمصر على الدوام ذكره.وكان المجلس العالي، القاضوي، الكبيري، العالمي، العاملي، الأفضلي، الأكملي، الأوحدي، البليغي، الفريدي، المفيدي، النجيدي، القدوي، الحجي، المحققي، الإمامي، الأصيلي، البدري، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء، حجة الأدب، عمدة المحدثين، فخر المدرسين، مفتي الفرق، أوحد الأئمة، زين الأمة، خالصة الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين، أبو عبد الله، محمد ابن المجلس العالي، القاضوي، الكبيري، المرحومي، البهائي، أبي البقاء الشافعي، السبكي، ضاعف الله تعالى نعمته: هو عين أعيان الزمان، والمحدث بفضله على ممر الليالي وليس الخبر كالعيان، ما ولي منصباً من المناصب الدينية إلا كان له أهلاً، ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلاً، ولا استبدل به في وظيفة إلا نسب مستبدله إلى الحيف، ولا صرف عن ولايةٍ إلا قال استحقاقه: كيف ساغ ذلك لمتعاطيه فكيف وكيف.وكان ولده المجلس السامي، القضائي، الكبيري، العالمي الفاضلي، الكاملي، البارعي، الأصيلي، العريقي، الجلالي، ضياء الإسلام، فخر الأنام، زين الصدور، جمال الأعيان، نجل الأفاضل، سليل العلماء، صفوة الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبو محمد بلغ الله تعالى فيه عارفيه غاية الأمل، وأقر به عين الزمان كما أقر به عين أبيه وقد فعل، قد أرضع لبان العلم وربي في حجره، ونشأ في بيته ودرج من وكره، وكمل له سؤدد الرفين: أباً وأماً، وحصل على شرف المحتدين: خالاً وعماً؛ لم يقع عليه بصر متبصر إلا قال: نعم الولد، ولا تأمله صحيح النظر إلا قال: هذا الشبل من ذاك الأسد، ولا رمى والده إلى غايةٍ إلا أدركها، ولا أحاط به منطقة طلبةٍ إلا هزها للبحث وحركها، ولا اقتفى أثر أبيه وجده في مهيع فضلٍ إلا قال قائله: أكرم بها من ذريةٍ ما أبركها! واتفق أن خرج عنهما ما كان باسمهما من وظيفتي التصدير بالجامع الأموي المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة: المنتقلة إحداهما إليهما عن سلفيهما الصالح قدماً، والصائرة الأخرى بطريقٍ شرعي معتبرٍ وضعاً وثابتٍ حكماً- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يحفظ لهما سالف الخدمة، ويرعى لهما قديم الولاء فالعبرة في التقديم عند الملوك بالقدمة.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال لذوي البيوت حافظاً، وعلى الإحسان لأهل العلم الشريف على ممر الزمان محافظاً- أن يعاد ذلك إليهما، ويوالى مزيد الإحسان عليهما؛ فيلتقيا ذلك بالقبول، ويبسطا بالقول ألسنتهما فمن شمله إنعامنا الشريف حق له أن يقول ويطول؛ وملاك أمرهما التقوى فهي خير زاد، والوصايا وإن كثرت فعنهما تؤخذ ومنهما تستفاد؛ والله تعالى يقر لهما بهذا الاستقرار عينا، ويبهج خواطرهما بهذه الولاية إبهاج من وجد ضالته فقال: {هذه بضاعتنا ردت إلينا}. والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.الوظيفة الثامنة- النظر.وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان النوري، كتب بها لمن لقبه شهاب الدين وهي:رسم............................. - لا زال يطلع في سماء المناصب السنية من ذوي الأصالة والكفاية شهاباً، ويوزع المستحقين بجهات البر شكره إذ اختار لهم من أهل النهضة من ارتدى العفاف جلباباً، ويودع صحائف الأيام ذكره الجميل حين أحيا قربات الملوك السالفين بانتخاب من يجدد لهم بحسن المباشرة ثواباً- أن يحمل مجلس الأمير فلان: أعزه الله تعالى فيما هو بيده من نظر البيمارستان النوري بدمشق المحروسة، على حكم التوقيع الكريم والولاية الشرعية اللذين بيده، واستقراره في ذلك بمقتضاهما استقراراً يبسط في هذا المنصب يده ولسانه، ويظهر شهاب عدله الذي يحرق من الجور شيطانه، ويبرز من مباشرته ما عرف جوهره بحسن الانتقاء وإبريزه بحسن الانتقاد، ومن تأثيره ما تبلغ به الأنفس المراد بأوسع مراد، ويبدي من تدبيره، ما ينتج تمييز الوقف وتثميره.فليباشر ذلك على عادة مباشرته الحسنة، وليسلك فيها ما عهد من طريقته المستحسنة، محصلاً من المفردات ما يصرفها لمستحقها وقت الحاجة إليها، مثابراً على حسن معالجة المضرور الذي لا تقدر يده من العجز عليها، مواصلاً فعل الخير باستمرار صدقات الواقف ليشاركه في الأجر والثواب، مستجلباً له من الدعاء ولنا بمشاركته في الأمر بالعمل بسنته إلى يوم المآب، ضابطاً أموال هذه الجهة بتحرير الأصول والمطلق والحساب والحساب، متقدماً إلى الخدام والقومة بحسن الخدمة للعاجز والضعيف، مؤكداً عليهم في أخذهم بالقول اللين دون الكلام العنيف، ملزماً لهم بجودة الخدمة ليلاً ونهاراً، مؤاخذاً لهم بما يخلون به من ذلك إهمالاً وإقصاراً، متقدماً إلى أرباب وظائف المعالجة ببذل النصيحة، واستدراك الأدواء المسقمة بإتقان الأدوية الصحيحة؛ وليتفقد الأحوال بنفسه: ليعلم أهل المكان أن وراءهم من يقابلهم على التقصير، وليبذل في ذلك جهده فإن الاجتهاد القليل يؤثر الخير الكثر. والوصايا كثيرةٌ وعنده من التأدب بالعلم وحسن المباشرة ما فيه كفاية، وفي أخلاقه من جميل المآثر وما حازه في البداية ما ينفعه في النهاية؛ ولكن تقوى الله عز وجل هي السبب الأقوى، والمنهل الذي من ورده يروى؛ فليجعلها له ذخيرةً ليوم المعاد، ومعقلاً عند الخطوب الشداد؛ والله تعالى يبلغه من التوفيق الأمل والمراد، بمنه وكرمه!، والاعتماد................... إن شاء الله تعالى.الصنف الثالث من تواقيع أرباب الوظائف بحاضرة دمشق- تواقيع أرباب الوظائف الديوانية، وفيها مرتبتان:المرتبة الأولى: ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي، وهي على ضربين:الضرب الأول: تواقيع الوزارة بالمملكة الشامية على ما استقر عليه الحال.فقد ذكر في التعريف أنه يكتب بالشام للصاحب عز الدين أبي يعلى حمزة بن القلانسي رحمه الله بالجناب العالي لجلالة قدره، وسابقة خدمه، وعناية من كتب له بذلك. لكنه لم يبين مقدار قطع الورق لذلك. ولا يخفى أنه كتب به في قطع الثلثين، على القاعدة في أنه يكتب للجناب في قطع الثلثين. وقد ذكر بعد ذلك أن الذي استقر عليه الحال أنه يكتب للوزير بالشام المجلس العالي بالدعاء، كما كتب للصاحب أمين الدين أمين الملك.وفيه وظائف:الوظيفة الأولى- ولاية تدبير الممالك الشامية.وهذه نسخة توقيع للصاحب أمين الملك المذكور بتدبير الممالك الشامية والخواص الشريفة والأوقاف المبرورة، من إنشاء الصلاح الصفدي، وهي: الحمد لله الذي جعل ولي أيامنا الزاهرة، أميناً، وأحله من ضمائرنا الطاهرة، مكاناً أينما توجه وجده مكينا، وخصه بالإخلاص لدولتنا القاهرة، فهو يقيناً يقينا، وعضد بتدبيره ممالكنا الشريفة فكان على نيل الأمل الذي لا يمين يمينا، وزين به آفاق المعالي فما دجا أمرٌ إلا كان فكره فيه صحيحاً مبينا، وجمل به الرتب الفاخرة فكم قلد جيدها عقداً نفيساً ورصع تاجها دراً ثمينا، وأعانه على ما يتولاه فهو الأسد الأسد الذي اتخذ الأقلام عرينا.نحمده على نعمه التي خصتنا بولي تتجمل به الدول، وتغنى الممالك بتدبيره عن الأنصار والخول، وتحسد أيامنا الشريفة عليه أيام من مضى من الدول الأول، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستمطر بها صوب الصواب، ونرفل منها في ثوب الثواب، ونعتد برها واصلاً ليوم الفصل والمآب، ونشهد أن محمداً عبده الصادق الأمين، ورسوله الذي لم يكن عن الغيب بضنين، وحببه الذي فضل الملائكة المقربين، ونجيه الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حجةً على الملحدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صحبوا ووزروا، وأيدوا حزبه ونصروا، وعدلوا فيما نهوا وأمروا، صلاةً تكون لهم هدىً إذا حشروا، وتضوع لهم عرفهم في العرف وتطيب نشرهم إذا نشروا، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.وبعد، فإن أشرف الكواكب أبعدها داراً، وأجلها سرىً وأقلها سراراً، وأعلاها مناراً، وأطيب الجنات جناباً ما طاب أرجاً وثماراً، وفجر خلاله كل نهرٍ يروع حصاه حالية العذارى، ورنحت معاطف غصونه سلاف النسيم فتراها سكارى، ومدت ظلال الغصون فتخال أنها على وجنات الأنهار تدب عذاراً.وكانت دمشق المحروسة لها هذه الصفات، وعلى صفاها تهب نسمات هذه السمات، لم يتصف غيرها بهذه الصفة، ولا اتفق أولوا الألباب إلا على محاسنها المختلفة؛ فهي البقعة التي يطرب لأوصاف جمالها الجماد، والبلد الذي ذهب بعض المفسرين إلى أنها إرم ذات العماد، وهي في الدنيا أنموذج الجنة التي وعد المتقون، ومثال النعيم للذين عند ربهم يرزقون، وهي زهرة ملكنا، ودرة سلكنا؛ وقد خلت هذه المدة ممن يراعي تدبيرها ويحمي حوزتها ويحاشيها من التدمير ويملأ خزائنها خيراً يجلى، إذا ملأنا ساحتها خيلاً ورجلاً- تعين أن ننتدب لها من جربناه بعداً وقرباً، وهززناه مثقفاً وسللناه عضباً، وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدخر وأعز ما يخبى؛ كم نهى في الأيام وأمر، وكم شد أزراً لما وزر، وكم غنيت به أيامنا عن الشمس وليالينا عن القمر، وكم رفعنا راية مجدٍ تلقاها عرابة فضله بيمين الظفر، وكم علا ذرا رتبٍ تعز على الكواكب الثابتة فضلاً عمن ينتقل في المباشرات من البشر، وكم كانت الأموال جمادى وأعادها ربيعاً غرد به طائر الإقبال وصفر.ولما كان الصاحب أمين الملك هو معنى هذه الإشارة، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدارة، نزل من العلياء في الصميم، وفخرنا بأقلامه التي هي سمر الرماح كما فخرت بقوسها تميم، وحفظت الأموال في دفاتره التي يوشيها فأوت إلى الكهف والرقيم، وقال لسان قلمه: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم}، وعقم الزمان أن يجيء بمثله إن الزمان بمثله لعقيم، وتشبه به أقوامٌ فبانوا وبادوا، وقام منهم عباد العابد فلما قام عبد الله كادوا- أردنا أن تنال الشام فضله كما نالته مصر فما تساهم فيه سواهما، ولا يقول لسان الملك لغيره:فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه تدبير الممالك الشريفة، ونظر الخواص الشريفة والأوقاف المبرورة على عادة من تقدمه في ذلك.فليتلق هذه الولاية بالعزم الذي نعهده، والحزم الذي شاهدناه ونشهده، والتدبير الذي يعترف الصواب له ولا يجحده، حتى يثمر الأموال في أوراق الحساب، وتزيد نمواً وسمواً فتفوق الأمواج في البحار وتفوت القطر من السحاب، مع رفق يكون في شدته، ولينٍ يزيد مضاء حدته، وعدلٍ يصون مهلة مدته؛ والعدل يعمر، والغدر يدمر، ولا يثمر، بحيث إن الحقوق تصل إلى أربابها، والمعاليم تطلع بدور بدرها كاملةً كل هلالٍ على أصحابها، والرسوم لا تزداد على الطاقة في بابها، والرعايا يجنون ثمر العدل في أيامه متشابهاً؛ وإذا أنعمنا على بعض أوليائنا بنحلٍ فلا يكدر وردها بأن تؤخر، وإذا استدعينا لأبوابنا بمهم فليكن الإسراع إليه يخجل البرق المتألق في السحاب المسخر؛ فما أردناك إلا لأنك سهمٌ خرج من كنانة، وشهمٌ لا ينهي إلى الباطل عيانه وعنانه؛ فاشكر هذه النعمة على منائحها، وشنف الأسماع بمدائحها، متحققاً أن في النقل، بلوغ العز والأمل، وأنه لو كان في شرف المأوى بلوغ منىً لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل؛ فاستصحب الفرح والجذل، بدل الفكر والجدل.الوظيفة الثانية- كتابة السر بالشام:ويعبر عنها بصحابة ديوان الإنشاء الشريف بدمشق. وشأنه هناك شأن كاتب السر بالأبواب السلطانية.وهذه نسخة توقيع بصحابة ديوان الإنشاء بالشام، كتب بها لفتح الدين ابن الشهيد، من إنشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي، في مستهل ذي القعدة سنة أربع وستين وسبعمائةٍ، وهي: الحمد لله مجزل المن والمنح، ومرسل سحائب العطاء السمح، ومعمل فكرنا الشريف في انتخاب من أورى زند الخير بالقدح، ومنقل السر بين الأفاضل من صدرٍ إلى صدرٍ بحمىً يصون له السرح، ويغني مشهور ألفاظه عن الشرح، ومجمل بناء الدين، بما سكن به من صميم الفضل المبين، وما اقترن بأبوابه من حركة الفتح.نحمده على نعم عاطرة النفح، ونشكره على مننٍ عالية السفح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجي قائلها من حر الجحيم وتقية شر شرر ذلك اللفخ، وتخطب بها ألسنة الأقلام على منابر الأنامل فتنشيء عندها من مطربات الورق على غصون الأوراق هديل الصدح، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وعامل الأمة بالنصح، وأزال عنهم الترح وأمنه الله على أسرار وحيه فكان أشرف أمينٍ خصه الله في محكم آياته بالمدح، وجعله أعظم من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فلم تأخذه في الله لومة لائم ممن لحا وممن لم يلح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الوفاء والصفاء والصفاح والصفح، والذين جاهدوا في الله حق جهاده بالنفس والمال والكد والكدح، ورفعوا أعلامهم المظللة، ونصبوا أقلامهم المعدلة؛ فكم لهم في المشركين من جراحٍ لا تعرف الجرح، وذادوا عن حوزة الدين، بإراقة دم الكفار المتمردين، فحسن منهم الذب والذبح، وكانوا فرسان الكلام، وأسود الإقدام، الذين طالما خسأت بهم كلاب الشرك فلم تطق النبح، صلاةً دائمةً باقية الصرح، ما اقترن النظر باللمح، وما هطل السحاب بالسح، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من خطبت المناصب العلية، محاسنه الجليلة الجلية، ورغبت المراتب التي هي بالخير حرية، في جميل حالته التي هي بعقود المفاخر حلية، وسحبت سحائب الإقبال الوابلية، ذيول فضائله الفاضلية، واكتسب العلوم الفرعية والأصلية، من مجاميع فنونه التي تعرب عن أنواع الفوائد الجملية والتفصيلية- من شهدت المفاخر بأنه لم يزل الشهيد لها وابن الشهيد، وحمدت المآثر التي هو الشهير بها فما عليها في جميل الأدات من مزيد، وتشيدت مباني معاليه التي اقترن باب خيرها منه بالفتح المبين، وتمهدت معاني أماليه بالتخيل اللطيف واللفظ المتين، وتعددت أوصاف شيمه فهي لمحاسن الدهر تزيد وتزين، وغدا من الكاتبين الكرام والكرام الكاتبين، الذين تضح باطلاعهم مراصد المقاصد وتبين. طالما اتسق عقد نظمه المتين، وبسق غصن قلمه المثمر بالدين، وأضاف إلى أدب الكتاب حلية العلماء المتقنين، وارتقب أفعال الجميل التي استوجب بها حسن الترقي إلى أعلى درجات المتقين، وقلد أجياد الطروس جواهر ألفاظه التي تفوق الجوهر عن يقين؛ فهي بنضار خطه مصوغةٌ أبهج صياغة، في طريق الإنشاء سالكةٌ نهج البلاغة، وكذا بحار الفضائل واردةٌ مناهلها المساغة؛ كم أعرب كلمه الطيب، عن سح سحاب الصواب الصيب، وكم أغنى في المهمات بكتبه، عن جيش الكتائب وقضبه، وكم هزأت صحائفه بالصفائح وكم أغنت راشقات فكره الثابتة العلم عن سهو السهم الرائح، وكم تشاجرت أقلامه البيض الفعال هي وسمر الرماح فكان نصرها اللائح، وكم تعارض نشر وصفه وشذا الطيب فألفى الزمان ثناءه هو الفائح، وكم اشتمل على أنواعٍ من النفاسة فاستوجب منا مناً يقضي له بأجزل المنى والمنائح.ولما كان المجلس العالي، القاضوي، الأجلي، الكبيري، العالمي، الفاضلي، الكاملي، الأوحدي، الأثيري، الرئيسي، البليغي، المفيدي، المجيدي، الأصيلي، العريقي، العابدي، الزاهدي، المؤتمني، الفتحي، جمال الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين، محمد بن الشهيد، أدام الله نعمته، هو الذي أعرب القلم عن صفاته، وأطرب المسامع ما أداه اليراع عن أدواته، ورام البنان أن يستوعب بيان شركه فلم يدرك شأو غاياته، وتسارعت بدائع البدائه من أفكاره فسابقت جريان يراعه في أبياته، وراقت أماليه، لناقلي ألفاظه ومعانيه، فشكر السمع والفهم بها هبات هباته؛ فآدابه مشهورة، وعلومه مذكورة، وتحليه بمذاهب الصوفية ارتاضت به نفسه الخيرة الخبيرة، وإخلاصه في عبادة الله تعالى حسنت به منه السيرة والسريرة، وصيانته للأسرار الشريفة استحق بها إسناد أمرها إليه، وإيداع غوامضها لديه، والتعويل في حفظها وفي لفظه للفظها عليه- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجتبيه لما تحققنا منه من ذلك، ونخصه بصحابة ديوان الإنشاء الشريف في أجل الممالك، ونجعل قدمه ثابتة الرسوخ، والصعود في مشيخة الشيوخ، ليسلك فيها أحسن المسالك.فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي الأشرفي، الناصري- لا زال لأبوابه الشريفة فتحٌ في الخير يقدمه النصر، ولسحابه منحٌ ما يعرف مدد أمداده القصر- أن تفوض إليه صحابة ديوان الإنشاء الشريف، ومشيخة الشيوخ بالشام المحروس، على عادة من تقدمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت.فليباشر ذلك بوافر عفافه، ووافي إنصافه، ومشهور أمانته، ومشكور صيانته، كاتماً للأسرار، كاتباً للمبار، ليكون من الأبرار، عالقاً مصالح الأنام بإرشاد رأيه وصوابه ضابطاً أحوال ديوانه، متحرياً في كثير الأمور وقليلها: فإن الكتاب يظهر من عنوانه، محرراً لما يملي معتبراً لما يكتب، مجملاً للمطالعات الكريمة بفكره المتسرع وتصوره الأرتب، حافظاً أزمة ما يصدر من مثال وما يرد في المهمات الشريفة فهو أدرى وأدرب بما على ذلك يترتب، محافظاً كعادته على دينه، لازماً لصدق يقينه، خافضاً لأهل الخير جناحه، مانحاً لهم نجاحه، معاملاً للفقراء بكرم نفس بالله غنية، ملاحظاً لأحوالهم بالقول والفعل والعمل والنية، محترماً لكبيرهم، حانياً على صغيرهم، مفكراً فيما يعود نفعه عليهم، راكناً في الباطن والظاهر إليهم، معنياً لهم بالاشتغال بالعبادة، مسلكاً لهم الطريق إلى الله فإنها الطريق الجادة، مستجلباً لدعواتهم الصالحة، مستفيداً من متاجر بركاتهم الرابحة. والوصايا كثيرةٌ ومن نور إفادته تقتبس، ومن مشهور مادته تلتمس، وملاكها التقوى وهي أول كل أمرٍ وآخره، وبملازمتها تتم له مفاخره؛ والله تعالى يحرسه في السر والنجوى، ويظهر بإرشاده للمعاني والبيان كل نجوى، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة توقيع بكتابة السر بالشام، كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله، عندما رسم بنقله من القاهرة إلى دمشق، في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي: الحمد لله الذي خص دولتنا الشريفة برعاية الذمم، وحفظ ما أسلف الأولياء من الطاعات والخدم، وإدامة ما أسدته إلى خدم أيامنا الزاهرة من الآلاء والنعم، وإفاضة حلل اعتنائها، التي هي أحب إلى من شرف بولائها، من حمر النعم، وأبقى عوارفها على من لم يزل معروفاً في صون أسرارها بسعة الصدر وفي تدبير مصالحها بصحة الرأي وفي تنفيذ مراسمها بطاعة اللسان والقلم.نحمده على نعمه التي ما استهلت على ولي فأقلع عنه غمامها، ولا استقرت بيد صفي فانتزع من يده حيث تصرف زمامها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا نزال نعتصم بحبلها المتين، ويتلقى عرابة إخلاصنا راية فضلها باليمين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أكرم مبعوثٍ إلى الأمم، بالإحسان والكرم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كرمت أنسابهم، وأضاءت لهم وجوههم وأحسابهم، فرفلوا في حلل ما اكتسوه من سننه، واكتسبوه من سننه، فحسن منها اكتساؤهم واكتسابهم، صلاةً لا تزال لها الأرض مسجداً، ولا يبرح ذكرها مغيراً في الآفاق ومنجداً، وسلم تسليماً كثيرا.وبعد، فإن أولى من خولته مكارمنا الإقامة حيث يهوى من وطنه، وبوأته نعمنا الجمع بين ذمام برنا وبين ما فارقه من سكنه، وملكته عواطفنا، زمام التصرف حيثما أمكن من خدمتنا الشريفة، وعرفته عوارفنا، أن مكانته عندنا على حالها حيث أدى ما عدق به من وظيفة- من لم يزل قلمه لسان مراسمنا، وعنان ما نجريه في الآفاق من سوابق مكارمنا، وترجمان أوامرنا، وخطيب آلائنا التي غدت بها أعطاف التقاليد من جملة منابرنا.ولما كان المجلس العالي: هو الذي لم يبرح صدره خزانة أسرارنا، وفكره كنانة إعلاننا في المصالح وإسرارنا، وخاطره مرآة آرائنا، ويراعه مشكاة ما يشرق: من أنوار تدبيرنا، أو يبرق: من أنواء آلائنا؛ ينطق قلمه في الأقاليم عن ألسنة أوامرنا المطاعة، وينفذ كلمه عن مراسمنا في ديوان الإنشاء بما تقابله أقلام الجماعة بالسمع والطاعة؛ وكانت سنه قد علت في خدمتنا إلى أن رأينا توفير خاطره على البركات، عن كثير مما يتبع ركابنا الشريف من لوازم الحركات، وأن نعفيه مما يلزم الإقامة بأبوابنا الشريفة من كثرة المثول بين يدينا، وأن نقتصر به على أخف الوظيفتين إذ لا فرق في ربتة السر بين ما يصدر عنا أو ما يرد إلينا.فرسم بالأمر الشريف، العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الفلاني، أن يكون فلانٌ صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس، بمعلومه الشاهد له به الديوان المعمور بالأبواب العالية، عوضاً عن أخيه المجلس السامي، القضائي، المحيوي يحيى بن فضل الله ويستمر أخوه القاضي محيي الدين المذكور مع جملة الكتاب بديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور.فليباشر هذه الرتبة التي تأثلت به قواعدها وعن تقريره وتحريره أخذ كل من كان بأنواعها وأوضاعها عليماً؛ فإنه لم يخرج عن أخيه شيءٌ وصل إليه، ولا فوض له إلا ما هو بحكم عموم الأولوية والأولية في يديه؛ وأما ما يتعلق بذلك من وصايا تبسط، وقواعد تشرط، فإنها منه استفادها من رقمها، وعنه ارتوى بها ورواها من تلعمها؛ ونحن نعلم من ذلك ما لا يحتاج إلى أن يزداد فيه يقيناً، ولا أن نزيده بذكره معرفةً وتمكيناً؛ والاعتماد......................قلت: ومن غريب ما وقع: أنه كتب للمقر الشهابي بن فضل الله بكتابة السر بالشام، حين وليها بعد انفصاله من الديار المصرية توقيعٌ مفتتح بأما بعد حمد الله من إنشاء المولى تاج الدين بن البارنباري وكأنه إنما كتب بذلك عند تغير السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون عليه، على ما هو مذكور في الكلام على كتاب السر في مقدمة الكتاب.وهذه نسخة توقيع بكتابة السر بالشام المحروس: أما بعد حمد الله منقل الشهب في أحب مطالعها، ومعلي الأقدار بتصريف الأقدار ورافعها، ومبهج النفوس بمعادها إلى أوطانها ومواضعها، وممضي مشيئته في خليقته بالخيرة فيما يشاء لطالعها، والشهادة له بالوحدانية الآخذة من القلوب بمجامعها، والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي بصر الأمة بهديها ومنافعها، وصان شرعته الشريفة تلو الملل بنسخ شرائعها، وعلى آله وصحبه الذين استودعوا أسرار الملة فحفظوا نفيس ودائعها- فإن ممالكنا الشريفة هي سواءٌ لدينا في التعظيم، وأولياء دولتنا الشريفة ينتقلون فيها في منازل التكريم؛ وعندنا من فضل الله رعايةٌ للعهد القديم، وتأكيدٌ لأسباب التقديم، فلا غضاضة لمن نقلناه من أبوابنا إليها، ولا وهن يطرأ على علو المراتب ويعتريها، حيث صدقاتنا دائمة، وثغور إقبالنا باسمة، ومراسمنا لمساعدة الأقدار في الأيام حاكمة؛ والشهاب لو لم يسر في سمائه، لما اهتدى الناظرون بضيائه، والدرة لو مكثت في صدفها، لما حظيت في العقود بشرفها.وكان المجلس العالي، القضائي، الشهابي، قد أقام في خدمتنا الشريفة بالأبواب العالية حافظاً للأسرار، قائماً بما نحب ونختار؛ ثم لما أخذ حظه من القرب من أيدينا الشريفة: رأينا أن عوده إلى أوطانه، وأهله من تمام إيمانه، وأن مرجعه إلى محله، من نعيم الله عليه وفضله؛ وما سار إلا والإقبال يزوده، والاستقبال به وأهل بيته يسعده ويصعده.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن ينقل إلى كتابة الإنشاء الشريف بدمشق المحروسة، وأن يكون متحدثاً عن والده، على ما كان عليه بالديار المصرية وليقرر له من المعلوم كذا وكذا.فليسر إلى دار كرامته، وليستقر في موطن إقامته، قرير العين، مملوء اليدين، مسروراً برفع المحل في المملكتين؛ وليكن لوالده- أعزه الله تعالى- عضداً، وليصبح له في مهماتنا الشريفة ساعداً ويداً، وليضح به اليوم براً ليجد رضا الله غداً؛ فإن والده بركة الممالك، وله قديم هجرة، وسالف خدمة، وحسن طوية، فنحن نرعاه لذلك، والمهمات الشريفة يتلقاها بنفسه، وليصدر فصول المطالعة مدبجة على عادته في تدبيج طرسه، وليستعن بالله فهو ولي الإعانة، وليعتمد على الرفق في أمره فما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه؛ وما بعد عنا، من كان بعيداً بالصورة قريباً بالمعنى، والله تعالى يزيده منا مناً، والخط الشريف أعلاه حجة فيه، إن شاء الله تعالى.الوظيفة الثالثة- نظر الجيوش بالشام.وشأن صاحبها كتابة المربعات التي تنشأ من الشام، وتنزيل المناشير الشريفة التي تصدر إليه.وهذه نسخة توقيع شريفٍ من ذلك، كتب به لموسى بن عبد الوهاب من إنشاء السيد الشريف شهاب الدين، وهي: الحمد لله الذي جعل إحساننا عائداً بصلاته، وفضلنا يجمع شمل الإسعاد بعد شتاته، وعواطفنا تنبه جفن الإقبال من إغفائه وسناته.نحمده على أن نصر بنا جيش الإسلام في أرجاء ملكنا الشريف وجهاته، وجعل البركة واليمن بأمرنا في حالتي محوه وإثباته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً زادت في جزاء المخلص وحسناته، وأضحت نوراً يسعى بين يديه إلى رحمة ربه وإلى جناته، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به واضح آياته، وأصبح النشر عابقاً من نشر راياته، ومحا الفترة بهديه وسر سرائر أوليائه وأكمد قلوب عداته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تأرج النسيم في هباته، وأبهج العطاء بجزيل هباته، وسلم تسليماً.وبعد، فإن من النعم ما إذا عادت أقرت العيون، وحققت الآمال والظنون، ورفعت الأقدار وإن لم يزل رفيعاً محلها، وجمعت المسار الممتد على الأفئدة ظلها، وعمرت ربوع الإحسان، وغمرت بمنائحها الحسان، كهذه النعمة التي تلقت الإقبال من حافل غمامه، وجمعت شمل التقديم مشفوعاً بإكرامه، وأعادت سماء التكريم هاديةً بقطبها، مشرقة الأرجاء بنور ربها، وسفرت بدورها بمن هو أولى باجتلائها، وتهيأت رتبها لمن هو جديرٌ باعتلائها؛ وحقيقٌ بأن تعود المواهب بعد فترتها، وأن تقبل عليه وجوه المنائح بعد لفتتها، لتصبح كواكب الإسعاد كأنها ما أفلت، وعطايا التخويل كأنها ما انتقلت، ويعود عليه اليوم كأمسه، ويرجع أفق العوارف الجسام مشرقاً ببدر الاجتباء وشمسه.ولما كان فلانٌ هو الذي حسنت في الخدم الشريفة آثاره، وحمد إيراده في المهمات الشريفة وإصداره، وشكره شامه ومصره، وسما في كل جهةٍ حلها محله وقدره، وتحققت منه رآسةٌ قضت له بإبداء النعم وإعادتها، وأن تجزي له الدولة من الإكرام على أجمل عادتها، وأن ترعى له حقوقٌ ألفها حديثاً وقديماً، وتنشر عليه ظلال الفضل حتى لا يفقد منها على طول المدى تكريماً.فلذلك رسم بالأمر الشريف.................... لازال..................... أن يستقر.................. تجديداً لملابس سعده، وتأكيداً لقواعد مجده، وترديداً للفضل الذي حلا منهل ورده، ورعايةً لخدمه التي أكبت عليها السيوف والأقلام، وشكرت تأثيرها جنودنا- نصرها الله تعالى- بمصر والشام؛ ولما له من حسن سمتٍ زاده وقاره، وأصلٍ صالح طابت منه ثماره.فليستقر في هذه الوظيفة المباركة: عالماً أن لسان القلم أمسك عن الوصايا لأنه خبر هذه الوظيفة فرعاً وأصلاً، وألفت منه ناظراً علا قدراً وكرم محتداً وفصلاً، وهو بحمد الله أدرى بسلوك منهاجها القويم، وأدرب باقتفاء سننها المستقيم؛ والخير يكون، والاعتماد في ذلك على الخط الشريف إن شاء الله تعالى أعلاه، حجة بمقتضاه.المرتبة الثانية من مراتب أرباب التواقيع الديوانية بدمشق- من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء مفتتحاً بالحمد لله إن علت رتبته وإلا بأما بعد، وتشتمل على وظائف:منها- نظر الخزانة العالية، وشأنها هناك نظير الخزانة الكبرى بالديار المصرية في القديم، ونظير خزانة الخاص الآن.وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة العالية:أما بعد حمد الله على نعمه التي خصت المناصب السنية في أيامنا الزاهرة بكل كفءٍ كريم، وجعلت على خزائن الأرض من أولياء دولتنا القاهرة كل حفيظٍ عليم، وأفاضت ظل إنعامنا على من إذا أنعم النظر في حق ذوي البيوت القديمة كان أحق بالتقديم، والصلاة على سيدنا محمدٍ أفضل من حباه بفضله العميم، واجتباه لهداية خلقه إلى السنن القويم، وجعل سلامة الصلاة المقبولة من النقص مقرونةً بالصلاة عليه والتسليم- فإن أولى من رجحه لخدمتنا الاختيار، وقدمه في دولتنا الاختبار، وأخلصه حسن نظرنا الشريف رتبة أبيه من قبل، وأغدق له سحاب برنا صوب إحسانٍ فلم يصبه طلٌّ بل وبل- ومن حمد سيره وسيره، وشكر في طاعتنا ورده وصدره، وزان الأصالة بالنباهة، والرآسة بالوجاهة، والمعرفة بالنزاهة، وجمع بين الظلف والاطلاع، والتضلع من العفة والاضطلاع، والصفات التي لو تخيرها لنفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع.ولما كان نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة رتبةً لا يرقى إليها من الأكفاء إلا من ومن، ولا يقدم لها من الأولياء إلا من تعين من رؤساء العصر وفضلاء الزمن، وكان فلانٌ هو الذي عينه لها ارتياد الأكفاء، واصطفي هو من أهل الصفاء، وتقدم من وصف محاسنه ما لا يروع تمام بدره وظهوره بالنقص والاختفاء.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه نظر الخزانة المذكوة.فليباشر ذلك مباشرة من يحقق في كفايته وفضيلته التأميل، ويظهر حسن نظره الذي هو كالنهار لا يحتاج إلى دليل، وليجر على جميل عادته في النهوض في خدمتنا بالسنة والفرض، ويضاعف اجتهاده الذي بمثله جعل من اختير على خزائن الأرض؛ وهو يعلم أن هذه الرتبة مآل الأموال، وذخائر الإسلام التي هي مادة الجيوش وموارد الإفضال؛ فليعمل في مصالحها فكره ودأبه، وإذا كان حسن نظرنا الشريف قد جعله المؤتمن عليها: {فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتقي الله ربه}. وفي سيرته التي عرفت، وصفاته التي إن وصفت فما أنصفت، ما يغني عن تفاصيل الوصايا وجملها، وإعادة مزايا التأكيد: قولها وعملها؛ لكن ملاكها الصيانة التي هو بها موصوف، والتقوى التي هو بها معروف؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه.ومنها- صحابة ديوان النظر، وصحابة ديوان الجيش ونحو ذلك من الوظائف الديوانية بدمشق.قلت: هذا إن كتب من الأبواب الشريفة السلطانية، وإلا فالغالب كتابة ذلك عن نائب السلطنة بدمشق.الصنف الرابع من الوظائف بدمشق وظائف المتصوفة ومشايخ الخوانق، وفيها مرتبتان:المرتبة الأولى: ما يكتب في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء، مفتتحاً بالحمد لله وبذلك يكتب لشيخ الشيوخ بالشام، وهو شيخ الخانقاه الصلاحية، المسماة بالشميصاتية.وهذه نسخة توقيع بذلك، وهي: الحمد لله الذي اختار لعمارة بيوته أولياء يحبونه ويحبهم، وأصفياء حفهم برحمته فاجتهدوا في طاعته فازداد قربهم، وأتقياء زهدوا في الدنيا وأبدلوا الفاني بالباقي وطاب في مورد الصفاء شربهم.نحمده حمد من جعل حب الله دثاره، وملابس التقوى شعاره، ونشكره والشكر لمزيد النعم أمارة، وللقلوب الداثرة عمارة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلصٍ في التوحيد، يتبوأ بها جنان الخلد ويخلص من سماع قول جهنم: هل من مزيد، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أسرى به إلى حضرة أنسه، وحظيرة قدسه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من سبق الأمة بشيءٍ وقر في صدره، ومنه من دلت واقعة سارية على علو شأنه ورفعة قدره، صلاةً لا تزال الأرض لها مسجداً، ولا يبرح ذكرها مغيراً في الآفاق ومنجداً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أحق من عومل بالتقديم، وأجدر من يخص بالتكريم، من كان قدره في الأولياء عظيماً، وذكره في الآفاق بين أهل المعرفة قديماً، وتجريده عن الدنيا مشهوراً، وسعيه على قدم الطاعة مشكوراً، وشهوده لمقام الكمال مستجلياً، واستجلاؤه لمواد الأنس مستملياً؛ فهو في هذه الطائفة الجليلة سري المقدار، معروف الصفة في حلية الأولياء ومناقب الأبرار، والمتقدم من الإمامة في مجمع الأخيار.ولما كان المجلس السامي، الشيخي، الكبيري، العالمي، العاملي، الأوحدي، الزاهدي، الورعي، الأصيلي، الفلاني، جلال الإسلام والمسلمين، وشرف الصلحاء في العالمين، شيخ الشيوخ، قدوة السالكين، معتقد الملوك والسلاطين، أعاد الله تعالى من بركاته: هو المقصود من هذه العبارة، والملحوظ بهذه الإشارة- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يخص في الدنيا بالتعظيم، ويميز في هذه الأمة بالتكريم.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال له من جنود الليل جيشٌ لا تطيش سهامه، ومن فرسان المحاريب مددٌ لا تزل في ملاقاة الرجال أقدامه- أن يستقر في كذا.فليقابل هذه النعمة بالسرور، وليتأثل هذه الفضيلة بحمد الله الشكور، وليواظب على وظيفة الدعاء بدوام أيامنا الزاهرة، وليستمطر جزيل الفضل من سحائب جودنا الماطرة، وليبسط يده في عمل المصالح، وليستمر على السعي الحسن والعمل الصالح؛ فإن هذه البقعة مأوى القادم والقاطن، وتسمو على أمثالها من المواطن؛ وليكن لأسرارهم موقراً، ولأقواتهم المعينة على الطاعة ميسراً؛ والله تعالى يجعل خلواته معمورة، وأفعاله مبرورة؛ الاعتماد في ذلك على الخط الشريف.قلت: هذا إن وليها شيخٌ من مشايخ الصوفية، على عادة الخوانق. وقد يليها كاتب السر بالشام، فيكتب تقليده بكتابة السر في قطع النصف بالمجلس العالي على عادة كتاب السر، ويشار في تقليده إلى بعض الألفاظ الجامعة بين المقامين، ويضاف إلى ألقاب كتابة السر بعض ألقاب الصوفية المناسبة لهذا المقام. على أنه ربما كتب بولايتها عن نائب السلطنة بالشام لكاتب السر أو غيره.المرتبة الثانية من يكتب له في قطع العادة مفتتحاً برسم:وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت أوامره تحل القربات محلها، ومراسمه تسند الرتب الدينية لمن إذا خصوا بمواقعها كانوا أحق بها وأهلها- أن يرتب فلانٌ في كذا: إذ هو أولى من خص بمواطن العبادة، ونص بترفيه الأسرار على التحلي بإفاضة الإفادة، ووفر كده على اجتلاء وجوه المعارف من أفق المراقبة، وجمع خاطره لاجتناء ثمرة الأنس من أفنان الطاعات النابتة في رياض المحاسبة، مع تمسكه بعلوم الشريعة الذي خلص معرفته من الشوائب، وأحيا الدجى من اقتبال شبيبة ظلامه إلى أن تشيب منه الذوائب، ونفعٍ متعدٍِّ إلى كل طالب فضلٍ وملتمس، ودين باهر من مصباح مشكاة العلم والعمل لكل باغي نورٍ ومقتبس.فليستقر شيخاً بالمكان الفلاني: لتعمر أرجاؤه بتهجده، وتشرق خلواته بتعبده، وتعذب موارده بأوراده، وتطلع مجلسه نجوم معرفته البازغة من أفق إيراده؛ ولتغدو هذه البقعة روضة أفكار، وقبلة أذكار، ومراقي دعوات، ومرافيء بركات، تستنزل بين صلوات مقبولةٍ وخلوات، وليتنأول المعلوم المستقر له ترفيهاً لسره، وتنزيهاً لفكره، وإعانةً على الانقطاع بهذه البقعة التي تتصل به أسباب السعادة في أرجائها، وتخصيصاً لها منه بإمام تقىً لو كان لبقعةٍ أن تجتني بركته لكان منتهى رجائها، وليرفع من الأدعية الصالحة لأيامنا المباركة ما لا تزال مواطن القبول لنفحاته المترقبة متلقية، وما لا تبرح النفوس لخشيته المانعة متوقية؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه، حجةٌ بمقتضاه.قلت: هذا إن كتب عن الأبواب السلطانية؛ وإلا فالغالب كتابة ذلك عن نائب السلطنة بالشام.النوع الثاني من وظائف دمشق ما هو خارج عن حاضرتها:وقد تقدم في المقالة الثانية: أن لدمشق أربع صفقات، وهي: الغربية، والشرقية، والقبلية، والشمالية.فأما الصفقة الغربية: وهي المعبر عنها بالساحلية والجبلية، على ما تقدم فيها، ففيها من وظائف أرباب السيوف عدة وظائف، وتولي فيها الأبواب السلطانية.منها- نيابة القدس. وقد تقدم أنها كانت في الزمن المتقدم ولاية صغيرةً يليها جندي، ثم استقرت نيابة طلبلخاناه، في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وأن العادة جرت أن يضاف إليها نظر الحرمين: حرم الخليل عليه السلام، وحرم القدس، والذي يكتب له مرسومٌ في قطع الثلث بالسامي بالياء.ومنها- نيابة قلعة الصبيبة. وقد تقدم أنها من أجل القلاع وأمنعها، وأنه كان يليها نائبٌ مفرد من أجناد الحلقة أو مقدميها عن نائب دمشق، ثم أضيفت إلى والي بانياس، ثم استقرت في سنة أربع عشرة وثمانمائة في الدولة الناصرية فرج نيابةً.ومنها- نيابة قلعة عجلون. وقد تقدم أنها على صغرها حصنٌ حصينٌ، مبنيةٌ على جبل عوف، بناها أسامة بن منقذ، أحد أمراء السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سلطنة العادل أبي بكر، وأنه كان مكانها راهبٌ اسمه عجلون، فسميت به. ثم استقرت في الدولة الناصرية فرج في سنة أربع عشرة وثمانمائة إمرة طبلخاناه.وقد تقدم أول هذا القسم ما يكتب للمقدمين، وما يكتب للطبلخاناه، وما يكتب للعشرات.أما أرباب الوظائف الدينية.فمنها- مشيخة الخانقاه الصلاحية بالقدس. وتوقيعها يكتب في قطع الثلث مفتتحاً بالحمد لله.ومنها- خطابة القدس، وتوقيعها كذلك.ومنها- مشيخة حرم الخليل، وتوقيعها في العادة يكتب مفتتحاً برسم.وأما الصفقة القبلية، فالتي يولى بها من الأبواب السلطانية نيابة صرخد. وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة الشامية أنه قد يجعل فيها من يقرب من رتب السلطنة، وحينئذ: فإن وليها مقدم ألفٍ، كان مرسومه في قطع النصف بالمجلس العالي، وإن وليها أمير طبلخاناه، كان مرسومه في قطع النصف أيضاً، بالسامي بالياء.وأما الصفقة الشرقية فالنيابات بها على طبقتين:الطبقة الأولى ما يكتب به مرسومٌ شريفٌ في قطع النصف، وهو ما يليه مقدم ألفٍ أو طبلخاناه، وفيها نيابات:النيابة الأولى- نيابة حمص:وقد تقدم أنها كانت نيابةً جليلةً، كان يليها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون مقدم ألفٍ، وأنه ذكر في التثقيف أنها صارت الآن طبلخاناه. وحينئذ: فإن كان بها مقدم ألفٍ، كان مرسومه في قطع النصف بالمجلس العالي، وإن كان طبلخاناه، كان مرسومه في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة السلطنة بحمص: الحمد لله مقدر كل أجلٍ إلى حين، ومقرر أمور الممالك في عباده الصالحين، الذي جعل بنا أولياءنا من الرابحين، وحفظ ما استرعانا من أمور عباده بولاية الناصحين.نحمده على اختيارٍ لا يصل إليه قدح القادحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نكون بها في غمرات الحروب على السوابح سابحين، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أكرم المانحين، وأعظم الفاتحين، وأشرف من ولى الأعمال الكفاة الوفاة المكافحين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً لا تزال فيها الحفظة على أعمالنا مماسين ومصابحين، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن مراسيمنا الشريفة وإن تأخر وقتها إلى أجلٍ معدود، وأمدٍ ممدود، ومضت أيامٌ وليالٍ ولها بابٌ مسدود، وعملٌ سببه غير مشدود- فإنا كالسيف يتلاهى إذا صمم لا يرجع، وكالغمام تتمادى مدد مده ثم يجود فلا يقلع، ولم نزل منذ فوض الله أمور بلاده إلينا، وصرف أمور جمهور عباده بيدينا، نرى أن نحمي غاباتها بأشد الأسود، ونرمي غاياتها بمن هو لأمرٍ ما يسود، ونحوط جنباتها بمن لا يستبيح حرمه إلا الوفود، ونحط ركائب رعاياها منه على من هو المقصود، وننيب إلى ما يترجح من مصالحهم لدينا، ونستنيب لمن يترجى الحسنى إذا عرضت متجددات أمورهم علينا، وإذا انفرد بحكم لا يظن إلا أنه بمسمع من أذنينا، ومرأىً من عينينا، لأن نواب الممالك الشريفة فروع عدلنا الشريف ونحن أصلها، وأسباب إحسانٍ بأوامرنا المطاعة قطعها ووصلها.وكانت حمص المحروسة من أكبر الممالك القديمة، والمدن العظيمة؛ تغرق الأقاليم في مدها، وتمتد عساكرها فتعد حماة حماة من جندها؛ وهي من الشام المحروس في ملتقى مواكبه، ومجر عواليه ومجرى سوابقه ومجمع كتائبه؛ طالما كان بها الحرب سجالاً، وطالما سابقت بها الرجال آجالاً؛ وكان لنا بها في الحرب يومان عوضنا الله أدناهما بما حفظت المعارك، وضاقت الأرض بدماء القتلى ففاض إلى السماء ما التقى بالشفق من تلك المسالك، واتصلت بالبر والبحر من جانبيها، واتصفت بأنها مهب الرياح، ومركز الرماح، لما يهب لنا من بشرى النصر ويخفق من عصائبنا المنصورة عليها.فلما تطأول الأمد على خلوها ممن ينوب عن السلطنة الشريفة في أحكامها، ويؤوب إلى تسديد مرامي سهامها، لم تزل آراؤنا العالية تجول فيمن يصلح أن يقدم قدمه إلى رتبتها العلية، ويجرد منها عزائمه المشرفية، ويجمع بها على طاعتنا الشريفة من فيها من العساكر المنصورة، والقبائل المشهورة، والطوائف المذكورة، ويبسط بساط العدل في كافة جنودها ورعاياها فإنها بهؤلاء محروسةٌ وبهؤلاء معمورة- فرأينا أن أولى من حكم في عاصيها والمطيع، واتخذ لسوريا السور المنيع، من هو الموثوق بما أمضت السيوف من هممه، وأرضت التجارب من سوابق خدمه، وطارت سمعة شكره في الآفاق، وطابت أثنيته فجاءت بما يعرف من الطرب لإسحاق؛ وكان قد تقدمت له في عينتاب، نيابةٌ كم أصابه فيها رجلٌ بالعين ثم إنه من العين تاب، وقام بين أيدي كفلاء ممالكنا الشريفة حاجباً، وفهم من أحكامهم التي تلقوها منا ما أصبح لها صاحباً، فما للنيابة إحكام أحكام إلا وهو به عالم، ولا تولية حكم إلا وقد استحقها لقرب ما بين الحاجب والحاكم.وكان فلانٌ هو المرتضى للبس هذه المفاخر، والمنتظر الذي كم ترك الأول فيه للآخر- فاقتضت مراسيمنا المطاعة أن يزان جيده بهذا التقليد، وتلقى إليه المقاليد، وتمد يد هذه الرتبة لتلقيه، وتخضع عنق هذه المرتبة لترقيه، وتحول إليه هذه النعمة التي ألحقت قدره بالأكفاء، وأهلت هممه للاكتفاء، وشرفت مكانه، بما أجمعت عليه آراؤنا الشريفة له من الاصطفاء، وأحسنت به الظن لما رأت نيته الجميلة ممثلةً من خاطره في مرآة الصفاء.فرسم بالأمر الشريف- لا زال مرفوعاً به كل علم، ممنوعاً به حمى كل حرم- أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بحمص المحروسة وأعمالها، وجندها وعمالها، وعساكرها وعشائره، وعامرها وغامرها، وأولها وآخرها، ودانيها وقاصيها، وكل ما في حدودها الأربعة، وداخلٍ في جهاتها الممنعة، على أكمل ما جرت به عوائد من تقدمه، واستقرت عليه القواعد المتقدمة.فاتق الله في أمورك، واجعل الشرع الشريف مشكاة نورك، وعظم حكامه، ونفذ أحكامه، فهم أمنع سورك، واعدل فهو قرار خواطر جمهورك، وتيقظ لسداد ثغورك، وارفق لتطلق به نطق نطاق شكورك؛ وأقم الحدود فإنها زيادةٌ في أجورك. وأما العساكر المنصورة، فجمل بهم في خدمتنا الشريفة مواكبك، وكمل بعزائمهم مضاربك، ولا تستخدم منهم إلا من يسرك أن تراه في يوم العرض، وتعقد هوادي جياده السماء بالأرض، واحم أطراف بلادك من عادية الرجال، واحفظ جانبيها من تخطف الغارات فسر قيامها لا يدفعه غير احتيال، واهتم بالجهاد تحت صناجقنا المنصورة لأعداء الله متى أجمعوا، وضرسهم بأنياب أسنتك فأنت صاحب العصا وهي تتلقف ما صنعوا، وعمر بلادها بملاحظتك الجميلة، ونم أمورها فهي قوام الجنود وهم إلى الثقة في النصر الوسيلة، وسارع إلى ما ترد به مراسمنا الشريفة عليك لنهديك إلى صراطٍ مستقيم، وعجل البريد فإنك تعلم به ما لست بعليم؛ وبقية الوصايا لا حاجة إليها لما تعرفه من قديم، والله تعالى يمتعك بكل خلق كريم؛ والخط الشريف أعلاه..النيابة الثانية- نيابة الرحبة.وهذه نسخةٌ بنيابتها: الحمد لله الذي أمدنا بنصره، وشمل بجود سلطاننا أهل عصره، وأيده بجنودٍ أولها متصلٌ بأول عراقه وآخرها بآخر مصره، وفرق بسهامه الأعداء في حواصل الطير بين حضنه وخصره.نحمده حمداً يقوم بشكره، ويحافظ على حسن ذكره، ويستعاذ به إلا مما يدمر على العدا من عواقب مكره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ترغم من جادله بكفره، وتمزقه بين كل ناب سيف وظفره، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسله مقيماً لأمره، ومديماً في الجهاد لإعمال بيضه وسمره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه حملة سره، ونقلة هديه بأسره، صلاةً باقيةً في الوجود بقاء دهره، راقيةً ارتقاء زهره.وبعد، فإن الثغور بسدادها، والبحور بأمدادها، والنحور لا تحلى بأحسن من حلية نجادها، والممالك المحروسة لا تحرس إلا بشهب خرصانها، ولا تسقى بأنقع مما تطله من الدماء سحب فرسانها، والفرات لا تحمى مواردها إلا بأمثال سيوفها القواضب، ولا تمنع مخاوضها إلا بدمٍ خاضب، والحصون لا يرضى بها كل منجنيق غضبان إلا بوصال مغاضب، والقلاع لا تتطلع عيون ديادبها إلا لمن ماء الكرى في جفونه ناضب، والمعاقل لا تسمح بعقائلها إلا لمن هو على خطبتها مواظب؛ وكانت الرحبة- حرسها الله تعالى- هي أويسع مكان رحابا، وأدنى إلى مطرٍ سحابا، وأوثق ما أغلق على البلاد بابا، وأقرب ما سمع حراسها في السماء دعاءً مجابا، قد ملئت سماؤها حرساً شديداً وشهباً، ومدت كواكب الدلو واستقت من الغمام قلباً، وعدت ما وراء المجرة فعميت دونها المسالك، وحسبت لملك ونسبت إلى مالك؛ ومالكٌ- لا أعني إلا ابن طوقٍ- خازنها، ومنزل أمنٍ وفي غاب الأسد مساكنها؛ وقد وقفت لبغداد في فم المضيق، وهمت بلاد العدا أن تخوض الفرات إليها فقالت: ما لك إلي طريق؛ قد افتر في وجه العساكر المنصورة ثغرها الضاحك، ورد قرن الشمس فرعها المتماسك.فلما أغمد حسامها المسلول، وأقلع غمامها وكل هدبٍ بالبكاء عليه مبلول- اقتضى رأينا الشريف أن نجدد لعروسها زفافا، ولبيوتها أفوافا، ولسيوفها جلاءً، ولسقوفها إعلاءً، ونوليها لمن تكون همته فيها جديدة الشباب، أكيدة الأسباب، ليكون أدعى لمصالحها، وأرعى لمناجحها، وأوعى لما يجمعه سمعه من مصالحها، وأسعى في حماية مماسيها ومصابحها، وكان فلانٌ هو أصلب من في كنائننا الشريفة عوداً، وأنجز وعوداً، وأصدق رعوداً، وأيمن إذا طلع نجمه في أفقٍ سعوداً.فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه نيابة الرحبة المحروسة، على عادة من تقدمه وقاعدته؛ فليتول ذلك مقدماً تقوى الله والعمل بما شرع، واتباع مراسمنا الشريفة فمثله من اتبع، وحماية أطرافها، من كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير، وصيانة أكنافها، من كل عصابة محلقة إلى جوها كالطير، وحفظها من عادية كل أفاك وسفاك، وبادية أعراب وأتراك، وكل فارس فرسٍ وراكب بعير، وكل وقفة محاصرٍ وحقطة مغير، وجانبي برٍّ وبحرٍ: في أحدهما المسالك تعمى والآخر لا يعام، وصاحبي سرٍّ وجهر: هذا تخشى له عاقبة كلامٍ وهذا معاقبة كلام.وليتخطف من الأخبار ما تلمع لدينا بوارقه، ويتقطف من الأقوال ثمراتها ولا يدع كل ما تجمعه حدائقه، وليجعل له من المناصحين طلائع ما منهم إلا من هو في انتهاب الأخبار أبو الغارات، ومن إذا ألجمه الخوف كان له في لمع البروق إشارات، وليتخذ من الكشافة من يسبق قبل أن يرتد إليه طرفه، ومن الخيالة من لا يرتد عن وقذ الرماح طرفه، ومن القصاد من لا يطوي عنه خبراً، ومن الديادب من يعيره وقل أن تعار العيون نظراً، وليحفظ التجار في مذاهبهم غدواً ورواحاً، ومساءً وصباحاً، وليستوص بهم خيراً فإنهم طالما ازدانت بهم صدور الخزائن على امتلائها انشراحاً، وليأخذ منهم ما لبيت المال فكم وجدوا بعطائه أرباحاً، وليوصل إلى أرباب القرارات ما لهم من مقررٍ معلوم، وليعطه ما تصدقنا به عليهم وهو مشكورٌ وإلا أعطاهم وهو مذموم، وليعمر البلاد بتوطين أهل القرى، وإنامتها بالعدل ملآنة الجفون من الكرى، وليكن للفرات متيقظاً لئلا يطغى بها التيار، ويغلب بمدها المخمر على سكرها من السكر الخمار، ويقوى على سدها قبل أن لا يقدر على مقاواة البحار، ويتفقد مبانيها فإنها من أسنى ما تتفقده الأبصار، وليغلق زروعها لتكون: {كمثل زرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار}، وليعف فإن العفاف هو الغنى، وليؤمن من يليه فإن الأمان هو المنى، وليقر ما استقر بيننا وبين القوم من صلح أكدت أواخيه، وأصبح كلٌّ من أهل الجانبين لا يفر من أخيه، ولا يرخص لأحدٍ فيما ينقضه لا في عاجل أمرٍ ولا في تراخيه، حتى إذا كشفت الحرب عن ساقها، وشدت عقد نطاقها، فليكن بحسب مراسمنا الشريفة اعتماده في شن كل غارة، وسن كل ماض مرهفاً غراره، وجوس خلال ديار العدا واختطاف كل قمرٍ من دارة؛ والمحرقات التي لا تحرق نباتاً حتى تشب في ضلوعهم، والعيارة فهي الزلازل التي تتساقط منها مباني ربوعهم، وموالاة البعوث: فإن كل بعثٍ يتكفل بشتات جموعهم؛ والعمل بكل ما ترد به مراسمنا العالية، والمواصلة بكتبه التي نرفض ما سوى أخبارها المتوالية، وإرسال كل بريد وحمام تحلق بهما: إما ريحٌ ظاهرة وإما ريحٌ عادية؛ والله تعالى يقرب له الغايات المنادية، بمنه وكرمه!.النيابة الثالثة- نيابة مصياف.وهذه نسخة مرسوم بنيابتها: الحمد لله الذي صرف ممالكنا الشريفة في الممالك، وشرف بنا كل حصن لا تعرض له المجرة في المسالك، وعرف بالتربية في خدمة أبوابنا العالية إلى أين ينتهي السالك.نحمده على نعمه التي نعتد بها الحمد من ذلك، ونرغب أن نلقى الله على أداء الأمانة فيها كذلك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما هو مالك، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضاء به كل حالٍ حالك، وأنحى به من مهاوي المهالك، وجمع به من الأمة ما وهى وهي كالعق المتهالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة يجد بها قائلها في الدار الآخرة كل هناءٍ هنالك، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن النظر في أمور الممالك هو أول ما يقدمه الملك، وأولى ما يتقدم إليه من سلك؛ ومملكة بيت الدعوة هي من أجل ما تفردت به ممالكنا الشريفة، وامتدت به في الأماكن المخيفة، وأرسلت من قلاعها من يقتلع العدا بوثوبه، ويسابق السهم إلى مطلوبه، ويتعبد بموالاتنا التي ورثها عن سلفه في طاعة أئمتهم، وعلموا بها أن الدولة العلوية ما انقضت حتى انتقلت إلينا الولاية على شيعتهم، وأن الملك الإسماعيلي فينا قد انحصر ميراثه، وأن كل من مات من الخلفاء الفاطميين- رحمهم الله- نحن وراثه؛ فهم بهذا يبذلون نفوسهم في الطاعة الشريفة التي يرونها فرضاً عليهم، ويبلغون بنا أعلى مراتب الإيمان: لأنهم إذا رأوا منكراً أزالوه بيديهم؛ كم هجموا على عدو من أعداء الله هجمة طيف!، وكم استطالوا بسكينٍ لا يتطأول إلى مباراتها سيف!، وكم أوقدوا لهم بارقة عزمٍ فقيل: هذه سحابة صيف!، وكم وردوا بالدماء خداً غدا ينادي: يا كرام الورد ضيف!. وكانت مصياف- حرسها الله تعالى- هي كرسي هذه المملكة، وقلعتها هي التي بذوائب الجوزاء متمسكة؛ واقتضت مراسمنا المطاعة نقل النائب بها إلى ما رسمنا به الآن، فخلت ممن يترقى فيها إلى أعز مكان، واحتاجت إلى من تغنى به عما يقال: من اعتقال رمحٍ وتجريد سنان.فحصل الفكر الشريف فيمن نقلده هذه النيابة، ويتقلد أمر هذه العصابة، ويتصرف في أمورها بمقتضى ما ترد به مراسمنا المطاعة، ويعلم أنه من شيعتنا: لأنه داعينا في هذه الجماعة؛ فرأينا أن أحق الناس بها من قدمه ولاؤه، وعظمه انتماؤه، ونبه عليه اهتمام هممه التي لا تشابهها الكواكب في سيرها، وعزائمه التي طالما كان بها في خدمتنا الشريفة يظل بموماةٍ ويمسي بغيرها؛ ولم تزل به مساعيه حتى وصل إلى المزيد، وأسرع له الشيب في طاعتنا الشريفة: لأنه في كل وقتٍ كان يسمع قعقعة لجام البريد؛ وكان فلانٌ هو الذي أشار إليه القول بوصفه، ودل عليه ثناؤه بعرفه.فرسم أن تفوض إليه النيابة بمصياف وأعمالها، على عادة من تقدمه وقاعدته. فليقدم تقوى الله تعالى فيما وليه، ولينشر جناح عدلنا الشريف على من يليه، وليعمل بالأحكام الشرعية في كل ما يقضيه، وليسلك في أهلها أوضح المراشد، وليبين لهم أنه يدعوهم إلى سبيل الرشاد إلا ما ادعاه راشد، وليوصل إلى المجاهدين أرزاقهم التي هي أثمان نفوسهم، وثمار ما دنى القطاف من رؤوسهم. وأهل من مات أو يموت منهم على طاعتنا الشريفة فكن عليهم متعطفاً، ومن طلب منك الإنصاف فكن له منصفاً، وافعل معهم أحسن الأسوة، وقل لهم عنا: إن الصدقات الشريفة قد استجابت لكم يا أهل الدعوة، وخذ بقلوبهم، لتزداد من حبهم، وقل للمجاهدين: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم}، والأموال فصنها من الضياع، وعمارة البلاد عليك بها فإن القلعة لا تكون إلا بالمدينة والمدينة لا تكون إلا بالضياع، وامتثال مراسمنا الشريفة وكل ما يرسم به سارع إلى اعتماده، وطائفة المجاهدين لا تدع منهم إلا من هو معتد لجهاده؛ والكتمان الكتمان! فبه تنال المطالب، وتدرك المآرب؛ وعليك بقمع المفسدين، وردع المعتدين، وإقامة الحدد: فإن بها أقام الله هذا الدين؛ ونحن نغتني بما فيك من المعرفة، وبما أنت عليه- بحمد الله تعالى- من كمال كل صفة، عن استيعاب الوصايا التي لم تبرح سجاياك بها متصفة، والله تعالى يزيدك من كل نوعٍ أشرفه؛ والخط الشريف أعلاه.......................وأما الصفقة الشمالية، فالذي يولى بهذه الصفقة عن الأباب السلطانية، نيابة بعلبك فقط. وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة الشامية أنها كانت أولاً إمرة عشرة، ثم صارت طبلخاناه، وأن نائب الشام يولي بها وربما وليت من الأبواب الشريفة السلطانية، وحينئذ فيكون مرسوم نائبها في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء.وهذه نسخة مرسوم بنيابة بعلبك:أما بعد حمد الله على أملٍ حقق مناه، وصدق غناه، وفرق عليه سحب اعتناءٍ أورق به عوده وطاب جناه، والصلاة والسلام على نبيه سيدنا محمدٍ الذي كمل بناه، وعلى آله وصحبه ما شيد معقلٌ فخار مبناه- فإن من أعظم مدن الشام القديمة، ودور الملك التي ذهب من يحلها من الملوك وبقيت آثاره مقيمة، مدينة بعلبك وهي التي تحصن الإسلام بقلعتها، وتحصل الرعب في قلوب الأعداء بمنعتها، بنيت على عهد سليمان بن داود عليهما السلام وأتقن بناؤها، وهالت أسوارها حتى نسب إلى صنعة الجن بناؤها، ودعمت السماء عمدها، فطالت شرفها حتى كادت تخضخض في سجل السحاب يدها، وجمعت محاسن في سواها لا توجد، وتقرر بملكها من الملوك: تارةً سعيداً وتارة أمجد، وما خلت من علماء عظيمي الشان، وصلحاء يلمهم الجبلان: سيس ولبنان؛ وهي باب دمشق المفتوح، وسحاب الأنواء المسفوح بالسفوح، وباب البروق التي آلت أنها بأسرارها لا تبوح، ومآب السفارة التي تغدو محملةً أوقار ركائبها وتروح؛ ولها العين المسبلة الرواتب، والجبال الراسة الوقار لمفرقها الشائب، العالية الذرى كأنها متلفعةٌ من قطع السحائب؛ ولما كان من فيها الآن ممن لا تستغني الدولة القاهرة عن قربه، ولا تستثني أحداً معه في تجريه سيفه المشهور من قربه، أجلنا الرأي في كفءٍ لعروسها، ومماثل لمركز تأود غروسها، فلم نجد أدرى بأحوالها، وأدرب بما يؤلف على الطاعة قلوب رجالها، كمن استقر به فيها مع أبيه الماضي- رحمه الله- الوطن ونالا منه الوطر، ومرت عليهم فيه سنون وأيامٌ هتف بها داعي قصر؛ ولا غنىً عنه مع ماله من ولاياتٍ صحب فيها الناس وفارقهم على وجهٍ جميل، ورافقهم ثم انصرف وانصرفوا عنه وما ذمه في النازلين نزيل؛ وكان فلانٌ هو المتوقد الشهاب، المتوقل في تلك الهضاب، المشكور قولاً وديناً، المشهور بوضع كل شيءٍ في موضعه شدةً وليناً.فلذلك رسم................ - لا زال إحسانه أحمد واختياره مقدماً- أن يرتب في نيابة بعلبك على عادة من تقدمه وقاعدته، مبتدئاً حسن النظر في الأمور العامة، لا يدع ظلامة، ولا يدع سالك طريقٍ إلى سلامة، ولا يعد سمعاً إلا لسماع شكرٍ لا ملامة، ولينظر في المظالم نظراً ينجلي به سدفها، وليشكر العشير توطياً يوطأ به هدفها، وليلاحظ الأمور الديوانية، بما ينمي به أموالها، ويندي بسحابه المتدفق أحوالها. والأوقاف فليشارك واقفيها في إحسانهم، وليجر حسناتها على ما كانت عليه في زمانهم، وليكن لها نعم الكفيل في دوام المحافظة وليتفقد ما فيها من الحواصل والزردخاناه مما يذخر لوقته، ويؤخر لفرط الشغف به لا لمقته. ومن أهم ما يحتفظ به قلوب الرجال، وعمارة الأسوار فإنها للفرسان المقاتلة مجال، وعليها تنصب المجانيق وتتخطف الآجال. وأما الشريعة المطهرة: فإن من تعدى غرق أو أوشك أن يغرق، واتباع أوامرها: وإلا ففيم يعذب من يعذب ويحرق من يحرق؛ وتقوى الله تعالى هي الوصية الجامعة، والتذكرة التي ترتد بها الأبصار خاشعة؛ وليفهم هذه الوصايا ولا يخرج شيئاً منها من قلبه، وليتبين معانيها ليكون بها على بينةٍ من ربه؛ والله تعالى يكشف عنه غطاء حجته، ويزعه عما يأخذه ويؤاخذه من نيته، إن شاء الله تعالى.الصنف الثاني ممن هم خارج دمشق: ممن يولي عن الأبواب السلطانية- أمراء العربان، وهم على طبقتين:الطبقة الأولى من يكتب له منهم تقليدٌ في قطع النصف بالمجلس العالي وهو أمير آل فضل خاصةً: سواءٌ كان مستقلاً بالإمارة أو شريكاً لغيره فيها.وقد تقدم في الكلام على ترتيب المملكة الشامية نقلاً عن مسالك الأبصار أن ديارهم من حمص، إلى قلعة جعبر، إلى الرحبة، آخذين على شقي الفرات وأطراف العراق.وهذه نسخة تقليدٍ بإمره آل فضل: كتب به للأمير شجاع الدين فضل بن عيسى عوضاً عن أخيه مهنا، عندما خرج أخوه المذكور مع قرا سنقر الأفرم ومن معهما من المستحبين، وأقام هو بأطراف البلاد ولم يفارق الخدمة، في شهور اثنتي عشرة وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهو:الحمد لله الذي منح آل فضل في أيامنا الزاهرة بحسن الطاعة فضلاً، وقدم عليه بقديم الإخلاص في الولاء من أنفسهم شجاعاً يجمع لهم على الخدمة ألفةً وينظم لهم على المخالصة شملاً، وحفظ عليهم من إعزاز مكان بيتهم لدينا مكانةً لا تنقض لها الأيام حكماً ولا تنقص لها الحوادث ظلاً.نحمده على نعمه التي شملت ببرنا، الحضر والبدو، وألهجت بشكرنا، ألسنة العجم في الشدو والعرب في الحدو، وأعملت في الجهاد بين يدينا من اليعملات ما يباري بالنص والعنق الصافنات في الجنب والعدو، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ندرأ بها الأمور العظام، ونقلد بيمنها ما أهم من مصالح الإسلام لمن يجري بتدبيره على أحسن نظام، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث من أعلى ذوائب العرب وأشرفها، الرجو الشفاعة العظمى يوم طول عرض الأمم وهول موقفها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كرمت بالوفاء أنسابهم، وأضاءت بتقوى الله وجوههم وأحسابهم، صلاةً لا تزال الألسن تقيم نداءها، والأقلام ترقم رداءها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من أجنته الطاعة ثمرة إخلاصه، ورفعته المخالصة إلى أسنى رتب تقريبه واختصاصه، وألف بمبادرته إلى الخدمة الشريفة قلوب القبائل وجمع شملها، وقلده حسن الوفاء من أمر قومه وإمرتهم ما يستشهد فيه بقول الله تعالى: {وكانوا أحق بها وأهلها} - من ارتقى إلى أسنى رتب دنياه بحفظ دينه، ودل تمسكه بأيمانه على صحة إيمانه وقوة يقينه، ولاحظته عيون السعادة فكان في حزب الله الغالب وهو حزبنا، وقابلته وجوه الإقبال فأرته أن المغبون من فاته تقريبنا وقربنا، ورأى إحساننا إليه بعين لم يطرفها الجحود، ولم يطرقها إعراض السعود، فسلك جادة الوفاء وهي من أيمن الطرق طريقاً، واقتدى في الطاعة والولاء بمن قال فيهم بمثل قوله: {وحسن أولئك رفيقاً}.ولما كان المجلس العالي هو الذي حاز من سعادة الدناي والآخرة بحسن الطاعة ما حاز، وفاز من برنا وشكرنا بجميل المبادرة إلى الخدمة بما فاز، وعلم مواقع إحساننا إليه فعمل على استدامة وبلها، واستزادة فضلها، والارتواء من معروفها الذي باء بالحرمان منه من خرج عن ظلها، مع ما أضاف إلى ذلك: من شجاعةٍ تبيت منها أعداء الدين على وجل، ومهابةٍ تسري إلى قلوب من بعد من أهل الكفر سرى ما قرب من الأجل- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نمد على أطراف الممالك المحروسة منه سوراً مصفحاً بصفاحه، مشرفاً بأسنة رماحه.فرسم بالأمر الشريف العالي- لا زال يقلد وليه فضلاً، ويملأ ممالكه إحساناً وعدلاً- أن يفوض إليه كيت وكيت: لما تقدم من أسباب تقديمه، وأوميء إليه من عنايتنا بهذا البيت الذي هو سر حديثه وقديمه، ولعلمنا بأولويته التي قطبها الشجاعة، وفلكها الطاعة، ومادتها الديانة والتقى، وجادتها الأمانة التي لا تستزلها الأهواء ولا تستفزها الرقى.وليكن لأخبار العدو مطالعاً، ولنجوى حركاتهم وسكناتهم على البعد سامعاً، ولديارهم كل وقت مصبحاً حتى يظنوه من كل ثنيةٍ عليهم طالعاً، وليدم التأهب حتى لا تفوته من العدو غارةٌ ولا غرة، ويلزم أصحابه بالتيقظ لإدامة الجهاد الذي جرب الأعداء منه مواقع سيوفهم غير مرة؛ وقد خبرنا من شجاعته وإقدامه، وسياسته في نقض كل أمرٍ وإبرامه، ما يغني عن الوصايا التي ملاكها تقوى الله تعالى وهي من سجاياه التي وصفت، وخصائصه التي ألفت وعرفت؛ فليجعلها مرآة ذكره، وفاتحة فكره؛ والله تعالى يؤيده في سره وجهره، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بإمرة آل فضل، كتب بها للأمير حسام الدين مهنا بن عيسى من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي: الحمد لله الذي أهرف حسام الدين في طاعتنا بيد من يمضي مضاربه بيديه، وأعاد أمر القبائل وإمرتهم إلى من لا يصلح أمر العرب إلا عليه، وحفظ رتبة آل عيسى باستقرارها لمن لا يزال الوفاء والشجاعة والطاعة في سائر الأحوال منسوباتٍ إليه، وجعل حسن العقبى بعنايتنا لمن لم يتطرق العدو إلى أطراف البلاد المحروسة إلا ورده الله تعالى بنصرنا وشجاعته على عقبيه.نحمده على نعمه التي ما زالت مستحقةً لمن لم يزل المقدم في ضميرنا، المعول عليه في أمور الإسلام وأمورنا، المعين فيما تنطوي عليه أثناء سرائرنا ومطاوي صدورنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً توجب على قائلها حسن التمسك بأسبابها، وتقتضي للمخلص فيها بذل النفوس والنفائس في المحافظة على مصالح أربابها، وتكون للمحافظ عليها ذخيرةً يوم تتقدم النفوس بطاعتها وإيمانها وأنسابها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث من أشرف ذوائب العرب أصلاً وفرغاً، المفروضة طاعته على سائر الأمم ديناً وشرعاً، المخصوص بالأئمة الذين بثوا دعوته في الآفاق على سعتها ولم يضيقوا لجهاد أعداء الله وأعدائه ذرعاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا بصحبته الرتب الفاخرة، وحصلوا بطاعة الله وطاعته على سعادة الدنيا والآخرة، وعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف فلم يزحزحهم عن ظلها الركون إلى الدنيا الساخرة، صلاةً تقطع الفلوات ركائبها، وتسري بسالكي طرق النجاة نجائبها، وتنتصر بإقامتها كتائب الإسلام ومواكبها، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن أولى من تلقته رتبته، التي توهم إعراضها بأيمن وجه الرضا، واستقبلته مكانته، التي تخيل صدودها بأحسن مواقع القبول التي تضمنت الاعتداد من الحسنات بكل ما سلف والإغضاء من الهفوات عما مضى، وآلت إليه إمرته التي خافت العطل منه وهي به حالية، وعادت منزلته إلى ما ألفته لدينا: من مكانةٍ مكينةٍ وعرفته عندنا: من رتبةٍ عالية- من أمنت شمس سعادته في أيامنا من الغروب والزوال، ووثقت أسباب نعمه بأن لا يروع مريرها في دولتنا بالانتفاض ولا ظلالها بالانتقال، وأغنته سوابق طاعته المحفوظة لدينا عن توسط الوسائل، واحتجت له مواقع خدمه التي لا تجحد مواقفها في نكاية الأعداء ولا تنكر شهرتها في القبائل، وكفل له حسن رأينا فيه بما حقق مطالبه، وأحمد عواقبه، وحفظ له وعليه مكانته ومراتبه؛ فما توهم الأعداء أن برقه، خبا حتى لمع، ولا ظنوا أن ودقه، أقلع حتى همى وهمع، ولا تخيلوا أن حسامه نبا، حتى أرهفته عنايتنا فحيثما حل من أوصالهم قطع؛ وكيف يضاع مثله؟ وهو من أركان الإسلام التي لا تنزل الأهواء ولا ترتقي الأطماع متونها، ولا تستقل الأعداء عند جهادها واجتهادها في مصالح الإسلام حسبها ودينها.ولما كان المجلس العالي هو الذي لا يحول اعتقادنا في ولائه، ولا يزول اعتمادنا على نفاذه في مصالحنا ومضائه، ولا يتغير وثوقنا به عما في خواطرنا من كمال دينه وصحة يقينه، وأنه ما رفعت بين يدينا راية جهادٍ إلا تلقاها عرابة عزمه بيمينه؛ فهو الولي الذي حسنت عليه آثار نعمنا، والصفي الذي نشأ في خدمة أسلافنا ونشأ بنوه في خدمنا، والتقي الذي يأبى دينه إلا حفظ جانب الله في الجهاد بين يدي عزيمتنا وأمام هممنا- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نصرح له من الإحسان بما هو في مكنون سرائرنا، ومضمون ضمائرنا، ونعلن بأن رتبته عندنا بمكانٍ لا تتطأول إليه يد الحوادث، ونبين أن أعظم أسباب التقدم ما كان عليه من عنايتنا وامتناننا أكرم بواعث.فلذلك رسم أن يعاد إلى الإمرة على أمراء آل فضل، ومشايخهم ومقدميهم، وسائر عربانهم، ومن هو مضافٌ لهم ومنسوبٌ إليهم، على عادته وقاعدته.فليجر في ذلك على عادته التي لا مزيد على كمالها، ولا محيد عن مبدئها في مصالح الإسلام ومآلها، آخذاً للجهاد أهبته من جمع الكلمة واتحادها، واتخاذ القوة وإعدادها، وتضافر الهمم التي ما زال الظفر من موادها والنصر من أمدادها، وإلزام أمراء العربان بتكميل أصحابهم، وحفظ مراكزهم التي لا تسد أبوابها إلا بهم، والتيقظ لمكايد عدوهم، والتنبه لكشف أحوالهم في رواحهم وغدوهم، وحفظ الأطراف التي هم سورها من أن تسورها مكايد العدا، وتخطف من يتطرق إلى الثغور من قبل أن يرفع إلى أفقها طرفاً أو يمد على البعد إلى جهتها المصونة يداً، وليبث في الأعداء من مكايد مهابته ما يمنعهم القرار، ويحسن لهم الفرار، ويحول بينهم وبين الكرى لاشتراك اسم النوم وحد سيفه في مسمى الغرار.وأما ما يتعلق بهذه الرتبة من وصايا قد ألفت من خلاله، وعرفت من كماله، فهو ابن بجدتها، وفارس نجدتها، وجهينة أخبارها، وحلبة غايتها ومضمارها، فيفعل في ذلك كله ما شكر من سيرته، وحمد من إعلانه وسريرته؛ وقد جعلنا في ذلك وغيره من مصالح إمرته أمره من أمرنا: فيعتمد فيه ما يرضي الله تعالى ورسوله، ويبلغ به من جهاد الأعداء أمله وسوله؛ والله الموفق بمنه وكرمه! والاعتماد...........الطبقة الثانية من عرب الشام- من يكتب له مرسومٌ شريفٌ، وهم على مرتبتين:المرتبة الأولى من يكتب له في قطع النصف، وهم ثلاثة:الأول- أمير آل علي، ورتبته السامي بالياء. وقد تقدم أن منازلهم مرج دمشق وغوطتها، بين إخوانهم آل فضل وبني عمهم آل مراء ومنتهاهم إلى الجوف والحيانية إلى الشبكة إلى تيماء إلى البراذع. وأنه ذكر في التعريف: أنهم إنما نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلى مهنا بن عيسى.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بإمرة آل علي، كتب به للأمير عز الدين جماز بعد وفاة والده محمد بن أبي بكر، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، وهي: الحمد لله الذي أنجح بنا كل وسيلة، وأحسن بنا الخلف عمن قضى في طاعتنا الشريفة سبيله، ومضى وخلى ولده وسيلة، وأمسك به دمعة السيوف في خدودها الأسيلة، وأمضى به كل سيفٍ لا يرد مضاء مضاربه بخيلة، وأرضى بتقليده كل عنق وجمل كل جميلة.نحمده على كل نعمةٍ جزيلة، وموهبةٍ جميلة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ترشد من اتخذ فيها نجوم الأسنة دليله، وتجعل أعداء الله بعز الدين ذليلة، وأن محمداً عبده ورسوله الذي أكرم قبيله، وشرف به كل قبيلة، وأظهر به العرب على العجم وأخمد من نارهم كل فتيلة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً بكل خيرٍ كفية، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن دولتنا الشريفة لما خفق على المشرق والمغرب جناحها، وشمل البدو والحضر سماحها، ودخل في طاعتها الشريفة كل راحلٍ ومقيم في الأقطار، وكل ساكن خيمةٍ وجدار- ترعى النعم بإبقائها في أهلها، وإلقائها في محلها، مع ما تقدم من رعايةٍ توجب التقديم، وتودع بها الصنائع في بيتٍ قديمٍ، وتزين بها المواكب إذا تعارضت جحافلها، وتعارفت شعوبها وقبائلها، واستولت جيادها على الأمد وقد سبقت أصائلها، وتداعت فرسانها وقد اشتبهت مناسبها ومناصبها ومناصلها؛ وكانت قبائل العربان ممن تعمهم دعوتنا الشريفة، وتضمهم طاعتنا التي هي لهم أكمل وظيفة، ولهم النجدة في كل باديةٍ وحضر، وإقامةٍ وسفر، وشامٍ وحجاز، وإنجادٍ وإنجاز، ولم يزل لآل عليٍّ فيهم أعلى مكانة، وما منهم إلا من توسد سيفه وافترش حصانه، وهم من دمشق المحروسة رديف أسوارها، وفريد سوارها، والنازلون من أرضها في أقرب مكان، والنازحون ولهم إلى الدار بها أقطار وأوطان؛ قد أحسنوا حول البلاد الشامية مقامهم، واستغنوا عن المقارعة على الضيفان لما نصبوا بقارعة الطريق خيامهم، وباهوا كل قبيلةٍ بقومٍ كاثر النجوم عديدهم، وأوقدوا لهم في اليفاع ناراً إذا همى القطر شبتها عبيدهم؛ وهم من آل فضلٍ حيث كان عليها، وحديث في المسامع حليها؛ فلما انتهت الإمرة إلى الأمير المرحوم شمس الدين، محمد ابن أبي بكر رحمه الله- جمعهم على دولتنا القاهرة، وأقام فيهم يبتغي بطاعتنا الشريفة رضا الله والدار الآخرة؛ ثم أمده الله من ولده بمن ألقى إليه همه، وأمضى به عزمه، ونفذ به حكمه، ونفل قسمه.وكان الذي يتحمل دونه مشتقات أمورهم، ويتلقى شكاوى آمرهم ومأمورهم؛ ويرد إلى أبوابنا العالية مستمطراً لهم سحائب نعمنا التي أخصب بها مرادهم، وساروا في الآفاق ومن جدواها راحلتهم وزادهم، وتفرد بما جمعه من أبوته وإبائه، وركز في كل أرضٍ مناخ مطيه ومرسى خبائه، وضاهى في المهاجرة إلى أبوابنا الشريفة النجوم في السرى، وحافظ على مراضينا الشريفة فما انفك من نار الحرب إلا إلى نار القرى، وورد عليه مرسومنا الشريف فكان أسرع من السهم في مضائه. كم له من مناقب لا يغطي عليها ذهب الأصيل تمويهاً!، وكم تنقل من كورٍ إلى سرجٍ ومن سرج إلى كورٍ فتمنى الهلال أن يكون لهما شبيهاً!، كما أجمل في قومه سيرة!، وكم جمل سريرة!؛ كم أثمر لها أملاً!، وكم أحسن عملاً!؛ كم سد خللاً!، كم جمع في مهماتنا الشريفة كل من امتطى فرساً وركب جملاً!؛ كم صفوفٍ به تقدمت، وسيوفٍ أقدمت، وحتوفٍ حمائم الحمائم بها على الأعداء ترنمت!!.وكان المجلس السامي الأميري، الأجلي، الكبيري، المجاهدي، المؤيدي، العضدي، النصيري، الأوحدي، المقدمي، الذخري، الظهيري، الأصيلي، مجد الإسلام والمسلمين، شرف الأمراء في العالمين، همام الدولة، حسام الملة، ركن القبائل، ذخر العشائر، نصرة الأمراء والمجاهدين، عضد الملوك والسلاطين جماز بن محمد أدام الله نعمته-: هو المراد بما تقدم، والأحق بأن يتقدم، والذي لو أن الصباح صوارم والظلام جحافل لتقدم؛ فلما مات والده رحمه الله نحا إلى أبوابنا العالية، ونور ولائه يسعى بين يديه، ووقف بها: وصدقاتنا الشريفة ترفرف عليه، فرأينا أنه بقية قومه الذين سلفوا، وخلف آبائه الذين عن زجر الخيل ما عزفوا، وكبيرهم الذي يعترف له والدهم ووليدهم، وأميرهم الذي به ترعى عهودهم، وشجرتهم التي تلتف عليه من أنسابهم فروعها، وفريدهم الذي تجتمع عليه من جحافلهم جموعها.فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه إمرة آل علي: تامةً عامة، كاملةً شاملة، يتصرف في أمورهم، وآمرهم ومأمورهم، قرباً وبعداً، وغوراً ونجداً، وظعناً وإقامة، وعراقاً وتهامة، وفي كل حقيرٍ وجليل، وفي كل صاحب رغاءٍ وثغء وصرير وصليل، على أكمل عوائد أمراء كل قبيلة، وفي كل أمورهم الكثرة والقليلة.ونحن نأمرك بتقوى الله فيها صلاح كل فريق، وإصلاح كل رفيق، ونجاح كل سالكٍ في طريق. والحكم: فليكن بما يوافق الشرع الشريف، والحقوق: فخلصها على وجه الحق من القوي والضعيف، والرفق بمن وليته من هذا الجم الغفير، والجمع الكبير، وإلزام قومك بما يلزمهم من طاعتنا الشريفة التي هي من الفروض اللازمة عليهم، والقيام في مهماتنا الشريفة التي تبرز بها مراسمنا المطاعة إليك وإليهم، وحفظ أطراف البلاد والذب عن الرعايا من كل طارق يطرقهم إلا بخير، والمسارعة إلى ما يرسم لهم به ما دامت الأسفار في عصاها سير، والإفراج لعربك لا تسمح به إلا لمن له حقيقة وجود، وله في الخدمة الشريفة أثرٌ موجود، ومنعهم: فلا يكون إلا إذا توجه منعهم، أو توانت عزائمهم وقل نفعهم، والمهابة: فانشرها كسمعتك في الآفاق، ودع بوارق سيوفها تشام بالشام وديمها تراق بالعراق، وخيول التقادم: فارتد منها كل سابقٍ وسابقةٍ تقف دنهما الرياح، ويحسدهما الطير إذا طار بغير جناح؛ ولا تتخذ دوننا لك بطانةً ولا وليجة، ولا تقطع عنا أخبارك البهيجة، وليعرف قومه له حقه، ويوفوه من التعظيم مستحقه، فإنه أميرهم وأمره من أمرنا المطاع، فمن نازع فقد خالف النص والإجماع؛ والله تعالى يوفقه ما استطاع، بمنه وكرمه! والخط الشريف.......................الثاني- أمير آل فضل.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بالتقدمة على عربي آل فضلٍ وآل علي، كتب به للأمير فخر الدين عثمان بن مانع بن هبة وهو: الحمد لله الذي خص من والى هذه الدولة بالتقدمة والفخر، ورمى من عاداها بالمذلة والقهر، ومد في عمر أيامها حتى يستنفد الدهر، وحتى توصف أيامها- وإن قصرت- بالمسار: كل شهرٍ يمر منها كالعام واليوم كالشهر.نحمده على ما منحنا من تأييد وظفر، وطوى دعوة من عاندنا بعد النشر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً إن دخلت شواهدها تحت الإحصاء فلا تدخل فوائدها تحت الحصر، وأن محمداً عبده ورسوله الذي جعل الله به الهداية في المبدإ والشفاعة في المعاد يوم الحشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تسعد بعد الشقاء وتجبر بعد الكسر.وبعد، فإن الله سبحانه وتعالى لما مكن لنا في الأرض، وجعل بيدنا البسط والقبض، وأرانا كيف نصنع الجميل ونجمل الصنع، وكيف نجبر قلب من جعل في أيامنا جبره بعد الصدع، وكيف تصبح أنجم ذوي الأقدار في سماء مملكتنا نيرة المطالع، وكيف نلقي الخير في عراصها من رامه إذا كان على الخير في غير أيامنا مانع، وكيف نحل التقدمة فيمن إذا عقل في حللها قيل: هذا هو أحق بها ممن كان، وهذا الذي ما برحت التقدمة في بيته في صدر الزمان، وهذا الذي إذا ذكر آل فضل وآل علي كانت له مرتبة الشرف ولا غرو أن تكون مرتبة الشرف لعثمان، وأننا لا نمطي صهوة العز إلا لأهلها، ولا ننسخ الآية لمن تقدم في التقدمة إلا بخير منها أو مثلها، ولا نسلم رايتها، إلا لمن تعقد عليه الخناصر، ولا يتسنم ذروتها، إلا من هو أحق بها وأهلها في الأول والآخر.ولما كان المجلس السامي، الأميري، فخر الدين، عثمان بن مانع بن هبة: هو المراد بهذا القول الحسن، والممدوح بحشد هذا المدح الذي يسر السر والعلن، والحقيق من الإحسان بكلما والخير بأن، والخصيص من سوالف الخدم بما والمفضل على سائر النظراء ولو قيس بمن- اقتضى حسن الرأي الشريف، أن رسم بالأمر الشريف- لا زال ذو القدر في أيامه يرتفع، وذو الفضل في دولته لا يعز عليه مطلبٌ ولا يمتنع، وذو الأصالة التي يجتمع له فيها من النعماء ما لا يلتئم له في غيرها ولا يجتمع- أن تفوض إليه التقدمة على العربان بالشام المحروس، وهم من يأتي ذكره، على ما استقر عليه الحال في ترتيبهم، وأن منازله الداروم: بعداً وقرباً، حضراً وبدواً، عامراً وغامراً، رائحاً وغادياً، من الرستن إلى الملوحة. والعرب: آل فضل وآل علي حيث ساروا نزلوا منزلة المذكور، أو بمنزلة الأمير شمس الدين محمد بن أبي بكر، والخدمة واحدة، والكلمة على اتفاق المصالح متعاضدة.فليكن للقوى جسد روحها لا بل روح جسدها، ومجموع القبائل أوحد عددها إذا صح الأول من عددها، وقطب فلكها الذي على تدبيره مدارها، وعلى تقريره اقتصارها، وعلى تقدمته تعويلها، وإلى نسبة إمارته جملتها وتفصيلها؛ وليجمعهم على الطاعة فإن الطاعة ملاك الأمر للآمر، وأس الخير للبادي والحاضر، وليعلم أن لكل منهم نقابةً تعرف، وعلمية أصالةٍ بها يعرف، ومنزلةً يرثها الولد عن الوالد، ومشيخةً ترجع من ذلك البيت إلى ذلك الواحد، فليحفظ لهم الأنساب، وليرع لهم الأسباب، وإذا أمروا بأمرٍ من مهام الدولة يتلو عليهم: ادخلوا الباب. والألزام له ولهم مخاوض تحفظ، ومفاوز تلحظ، ومطارح لا تلفظ، ومشاتٍ ومصايف، ونفائض ومصارف، ومرابع، ومراتع، ودنوٌّ واقتراب، وتوطن واغتراب، وإغارةٌ ونهيض، وبرقٌ ووميض.فليرتب ذلك أجمل ترتيب، وليسلك فيه خير مذهب وتهذيب، وليدع العادي، ويلاحظ الرائح والغادي، وليؤمن ذلك الجانب فأمننا تطرب أبياته المحدو والحادي؛ وعليهم عداد مقرر، وقانونٌ محرر؛ وليكن على يد شاده شاداً؛ ولسبب تأييدهم ماداً، ويعلم أنه وإن كان قد أغمض من جفونه فيما مضى، وأعرض عنه في الزمن الأول الذي انقضى، وقدم عليه من كان دونه، فقد رد الله له أبكار الأمر وعونه؛ فلا يجعل لقائلٍ عليه طريقاً، ولا يدخل في أمرٍ يقال عنه فيه: كان غيره به حقيقاً، بل يفوق من تقدم في الخدمة والهمة، والصرامة ولاعزمة؛ والله يوزعه شكر هذه النعمة؛ والخط الشريف.......................الثالث- أمير آل مراء، ورتبته السامي بالياء.وقد تقدم أن منازلهم حوران. وعن مسالك الأبصار أن ديارهم بين بلاد الجيدور والجولان، إلى الزرقاء والضليل إلى آخر بصرى. ومشرقاً إلى حرة كشب، على القرب من مكة المشرفة، زادها الله شرفاً.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بإمرة آل مراء، كتب بها للأمير بدر الدين شطي بن عمر وهي:الحمد لله الذي زين آفاق المعالي بالبدر، ورفع بأيامنا الشريفة خير وليٍّ أضحى بين القبائل جليل القدر، ومنح من أخلص في خدم دولتنا الشريفة مزيد الكرم فأصبح بإخلاصه شديد الأزر، وأجزل بره لأصائل العرب العرباء فوفر لهم الأقسام، وأسبغ ظلال كرمه على من يرعى الجار ويحفظ الذمام.نحمده على نعمٍ هطل سحابها، ومننٍ تفتحت بالمسار أبوابها، ونشهد أن لا إله غلا الله وحده لا شريك له شهادةً تقرب صاحبها يوم الفزع الأكبر، من المحل الآمن، وتورده نهر الكوثر، الذي ماؤه غير آسن، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله من أشرف القبائل، وأوضح بنور رسالته الدلائل، فأنقذ الله به هذه الأمة من ضلالها، وبوأها من قصور الجنان أعلى غرفها وأشرف ظلالها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أوضحوا مناهج الإيمان، وشيدوا قواعد الدين إلى أن علت كلمته في كل مكان، فكان عصرهم أجمل عصر وقرنهم خير أوان، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من أدنينا من بساط الاصطفاء محله، وارتشف من سحاب معروفنا طله فوبله، ونال من عواطفنا منزلة القرب على بعد الدار، وحكم له حسن نظرنا الشريف بتوالي غزير كرمنا المدرار.ولما كان المجلس الفلاني: هو المشار إليه بهذا النعت الحسن، والموصوف بالشجاعة في السر والعلن- رسم بالأمر الشريف- لا زال بدره، ساطع الأنوار، وبره، هامع القطار، وخيره يشمل الأولياء بجزيل الإيثار وجميل الآثار- أن يستقر المشار إليه في كيت وكيت: لأنه البطل الشديد، والفارس الصنديد، وليث الحرب المذكور، ومن هو عندنا بعين العناية منظور.وليثق من صدقاتنا الشريفة بمايؤمل ويعهد، وليتحقق قربه من مقامنا الشريف والعود أحمد، وليتلق هذا الإحسان بقلب منشرح، وأمل منفسح، وليجتهد في أمر عربانه الذين في البلاد، فإنا جعلنا عليه في أمورهم الاعتماد، وقد أقمنا أميراً على عرب آل مراء؛ فليشمر عن ساعد الاجتهاد في مصالح دولتنا الشريفة بغير زورٍ ولا مراء، وليقمع المفسد من عربانه ويقابله بالنكال، والصالح الخير منهم يجزل له النوال، والوصايا كثيرةٌ ولمثله لا تقال؛ والخط الشريف أعلاه حجة فيه، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنصف إمرة آل مراء، كتب به لقناة بن نجاد في العشر الأخر من شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، وهي: الحمد لله الذي استخدم لنصرنا كل سيف وقناة، وكل سرعةٍ وأناة، وكل مثقفٍ تسلى جناياته ويعذب جناه، وكل ماضٍ لا يعوقه عن مقاصده الصالحة يعوق وهو عبد مناة.نحمده حمد من أغناه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يستمد من قبلها فلق الصباح سناه، ويفك منها من قبضة السيوف عناه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بوأه منازل الشرف وبناه، وأحله من العرب في مكان يخضع له رأس كل جبار ويخشع بصره وتستمع لما يوحى أذناه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تخصهم من كل شرف بأسماه وأسناه، وسلم تسليماً.وبعد، فإن لكل ثاكلةٍ قراراً، ولكل هاجرةٍ مزاراً، ولكل معصمٍ سواراً لا يليق إلا بزنده، ولك عنقٍ دراً لا يصلح إلا لعقده، ولكل سيفٍ طال هجوعه في غمده انسلالاً، ولكل قناةٍ لم تعتقل مدةً اعتقالاً، وكانت إمرة آل مراء قد ثبتت من البيت الأحمدي بأوثق أوتادها، ووصلت منه في الرفعة إلى نجادها، ولم تزل تنتقل في آفاقها بدورهم الطالعة، وتضيء عليها من صفاحهم بروقهم اللامعة، وتجول فيها من سوابقهم السحب الهامعة، وتغني في حروبها عزائمهم إذا وقعت الواقعة؛ وتقدمت للمجلس السامي، الأميري، الفلاني، بركابنا الشريف صحبةٌ حمد فيها السرى، وخدمةٌ أوقدت له نار القرى، وهاجر إلينا في وقتٍ دل على وفائه، وسهر إلى قصدنا الليل وله النجم محيط المقل بإغفائه، وانقطع إلينا بأمله، ولازم من عهدنا الشريف صالح عمله، واستحق تعجيل نعمنا الشريفة وإن تأخرت لأجل موقوت، وأملٍ نجاحه لا يفوت.فلما آن أن تفاض عليه ثيابها، ويضاف إليه ثوابها، ويصرف في قومه أمره، ويشرف بينهم قدره، ويعرف من لم يعرف المسك أنه عندنا ذكره، ومن جهل البر: أنه على ما يحمد عليه شكره، ومن أنكر أن شيئاً أصعب من الموت: أنه في مجال الموت صبره، ومن خالف فيما هو أمضى من القضاء: أنه في البيعة صدره، ومن ادعى أنه لا تصيبه البيض والسمرك أنها مثقفته وبتره، وزال من هذا البيت العريق الطود وهو ثابت، ونزع منه السنان لولا أنه في قناته نابت؛ ولولاه لهاجت هذه القبيلة إلى من يقبل على نباتها، ويقيل بها: تارة ينجد في نجدها وأخرى يحول في جولاتها- رسم بالأمر الشريف أن يقلد من إمرة آل مراء ما كان الأمير ثابت بن عساف رحمه الله يتقلده إلى آخر وقت، ويرفع فيها إلى كل مسامتةٍ وسمت، ليكمل ما نقص من التمام وصفه، ويعلم أنه حلق إليه حتى أتى دون نصف البدر فاختطف النصف وذلك النصف هو نصفه؛ ليكون لهم إحدى اليدين، وأخرى تقع لسيف بحدين.وتقوى الله أبرك ما اشتملت عليه عودها، وانتخبت له زبيدها؛ فليتخذها له ذروةً يهتدي بها أنى سلك من الفجاج، واقتحم من حلك العجاج. وعليه بحسن الصحبة لرفيقه، ويمن القبول على فريقه، وإقامة الحدود على ما شرع الله من دينه القويم، وإدامة التيقظ للثأر المنيم، وإنزال عربه ومن ينزل عليه أو ينزل عليهم في منازلهم.وليجمع قومه على طاعتنا الشريفة كل الجمع، ويقابل ما ترد به مراسمنا المطاعة عليه بما أوجب الله لها من الطاعة والسمع، وليأخذ للجهاد أهبته، ويعجل إليه هبته، وليقف من وراء البلاد الشامية المحروسة دريئةً لأسوارها المنيعة، ونطاقاً على معاقلها الرفيعة، وسداً من بين أيديا وخلفها لباب كل ذريعة، وخندقاً يحوط بلادها الوسيعة، وحجاباً يمنع فيها من تعدى الحق وخاض الشريعة، ولا يفارق البلاد حتى يعبس في وجوهها السحاب، ولا يعود حتى تؤذن زروعها المخيمة بذهاب؛ والكرم هو فيه سجايا، والعزم ما برح لوشان أسنته بكل قناةٍ لحايا، والحزم بيده المراوية من آل مراءٍ يظهر له الخفايا، والشجاعة هو في رباها المنيرة ابن جلا وطلاع الثنايا؛ وما رضع المرمل كأفاويق الوفاق، ولا وضع شيئاً في موضعه كمداراة الرفاق؛ فليكن لرفيقه أكثر مساعدةً من الأخ لأخيه، وأكبر معاضدةً من المصراع لقسيمه والجفن لجفنه والشيء لما يؤاخيه. هذا يجب ويتعين وليس يجمعهما فرد طاعة، ولا يلزمهما لشيءٍ واحدٍ استطاعة؛ فكيف وهو ورفيقه إلينا اعتزاؤهما ومنا إعزازهما، وهما فرعان معتنقان: لدينا إجناؤهما وبيدنا إهزازهما.وليحصل من الخيل كل سابقةٍ تليق أن تقدم إلينا، وسابحةٍ في كل مهمةٍ حين يقدم علينا. والشرع الشريف يكون إليه مىبك، وعليه عفوك وعقابك، وبمقتضاه عقد كل نكاح لا يصح غلا على وجهه المرضي وإلا فهو سفاح، والميراث على حكمه لمن جره إليه وإلا فهو ظلمٌ صراح، وبقية ما نوصيه به إذا انتهى منه إلى هذه النبذة فما عليه في سواها جناح. وسبيل كل واقفٍ على تقليدنا هذا أن ينيب إلى نصوصه، ويؤوب إلى عمومه وخصوصه، والحذر من الخروج عنه بقولٍ أو عمل، فالسيف أسبق من العذل؛ والله تعالى يمتعه بما وهبه من العز في النقل، والمحاسن التي هي يد المسامع والأفواه والمقل؛ والخط الشريف أعلاه.................................المرتبة الثانية من أرباب المراسيم من العرب- من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بغير ياء، مفتتحاً بأما بعد وهم ثلاثة أيضاً:الأول- أمراء بني مهدي، وهي مقسومة بين أربعة. ورتبة كل منهم مجلس الأمير.وقد تقدم أن منازلهم البلقاء، إلى مائر، إلى الصوان، إلى علم أعفر.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بربع إمرة بني مهدي، وهي:أما بعد حمد الله على نعمه التي حققت في كرمنا المآرب، وأجزلت من آلائنا المواهب، وقربت لمن رجانا بإخلاص الطاعة ما يأبى عليه من المطالب، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المبعوث من أشرف ذوائب لؤيٍّ بن غالب، المخصوص باللواء الذي لا يضحى من أوى إلى ظله والحوض الذي لا ظمأ بعد وروده لشارب، وعلى آله وصحبه الذين فازوا من صحبته وطاعته بأسمى المراتب وأسنى المناقب- فإن أولى من رفعت رعايتنا قدره، وأطلعت عنايتنا في أفق السعادة بدره، وحققت آلاؤنا سوله، وبلغته صدقاتنا مرامه ومأموله- من أحكم في طاعتنا أسباب ولائه، وأتقن في خدمتنا انتساب بعيده وانتمائه، وتقرب إلينا بإخلاصه في اجتهاده، ومت بما يرضينا من احتفاله بأمور جهاده، مع ما تميز به من أسباب تتقاضى كرمنا في تقديمه، وتقتضي إجراءه على ما ألف أولياء الطاعة من حديث إحساننا وقديمه.ولما كان فلانٌ هو الذي اختص بهذه المقاصد، وعني بما ذكر من المصادر والموارد- رسم ان يرتب في ربع إمرة بني مهدي.فليرتب فيما رسم له به من ذلك قائماً من وظائفها بما يجب، عالماً من مصالحها بما يأتي وما يجتنب، واقفاً لاعتماد ما يرد عليه من المراسم وقوف المنتظر المرتقب، ملزماً عربه من الخدم بما يؤكد طاعتهم، ومن إعداد الأهبة بما يضاعف استطاعتهم، ومن المحافظة على أسباب الجهاد بما يجعل في رضا الله تعالى ورضانا قوتهم وشجاعتهم، وليقدم تقوى الله تعالى بين يديه، ويجعل توفيقه العمدة فيما اعتمد فيه عليه؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة مرسومٍ شريف بربع إمرة بني مهدي أيضاً: أما بعد حمد الله على نعمه التي جددت لمن أخلص في الطاعة رتب السعود، ورفعت من نهض في الخدم الشريفة حق النهوض إلى مناصب الجدود، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المخصوص بلواء الحمد المعقود، وظل الشفاعة الممدود، والحوض الذي لا ينضب على كثرة الورود، وعلى آله وصحبه الذين وفوا بالعهود، وبدت سيماهم في وجوههم من أثر السجود- فإن أولى من اجتلى وجوه النعم، واجتنى ثمرة ما غرس من الخدم، وارتقى إلى ما أنعم به عليه من التقدم الذي أقامه السعد لاستحقاقه على أثبت قدم- من نشأ في طاعتنا الشريفة يدين بولائها، ويتقلب في خير نعمها وآلائها، ويتعبد بما يؤهل له من خدمها، ويبادر إلى ما يندب له من المهام الشريفة بين يدي مراسمنا أو تحت علمها.ولما كان فلانٌ هو الذي ذكرت طاعته، وشكرت خدمه وشجاعته- رسم.................... أن يرتب في ربع إمرة بني مهدي، على عادة من تقدمه وقاعدته.فليرتب في ذلك، قائماً بما يجب عليه من وظائفها المعروفة المألوفة، وخدمها التي هي على ما تبرز به أوامرنا الجارية موقوفة، وليكن هو وعربه بصدد ما يؤمرون به من خدمةٍ يبادرون إليه، وطاعةٍ يثابرون عليها، وتأهب للجهاد، حيث سرت الجيوش المنصورة لم يبق لهم عائقٌ عن التوجه بين يديها، وسياسةٍ تأخذهم من الطرائق الحميدة بسلوك ما يجب، ويعرف بها سلوك ما يسلك واجتناب ما يجتنب؛ والخير يكون، إن شاء الله تعالى.الثاني- مقدم زبيد. ومنازل بعضهم بالمرج وغوطة دمشق، وبعضهم بصرخد، وحوران.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بتقدمة عرب زبيد، وهي: أما بعد حمد الله الذي أبقى بنا للنعم تأبيداً، وأحسن العاقبة لأحسن عاقبةٍ أدام لهم فيها تخليداً، وأحيا بهم منهم حياً نكتب لأميرهم وإمرتهم في كل حينٍ تقليداً، ونفل منهم نوفلاً فلا نزال نجدد فيهم ملابس الفخار بذكر اسمه تجديداً، ورعى بنا أبناء بيتٍ تناسقوا أبناءً وجدوداً، وتباشروا بولدٍ لما خلف والده ابن سعيدٍ لا يكون إلا سعيداً، والصلاة والسلام على نبيه محمدٍ الذي أهلك بسيفه كل غاشم، وأخجل بسيبه كل غمام لوجنة الرياض واشم، وأسعد بسببه نوفلاً وعبد شمسٍ بأخوتهما لهاشم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خلاصة العرب، صلاةً لا يعد ضريباً لها الضرب، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن العساكر المنصورة الإسلامية: منهم حاضرةٌ أهل جدار، وباديةٌ في قفار، وقومٌ هم المدن الممدنة وقومٌ عليها أسوار؛ وهم صنفان: صنفٌ لا تمل السيوف عواتقهم، وصنفٌ سيوفهم تحبس بها مناطقهم، والعرب أكرم أهل البوادي، وأعظم قبائلهم تضرماً كالبرق مباراةً للسحب الغوادي، قد نصبوا بقارعة الطريق خيامهم، وسرحوا مع أسراب الظباء سوامهم، ووقفوا دون الممالك المحروسة كتائب مصفوفة، ومواكب بما تعرف به العرب من الشجاعة موصوفة؛ وزبيد من أفخرها قبيلة، وأكثرها فوارس: فأما أحسابها فكريمةٌ وأما وجوهها فجميلة؛ شأمية أعرقت أنساباً في يمنها، وأتهمت بشطء أسنتها ما تفتح في المجرة من سوسنها؛ فما يبيت بطلٌ منهم على دمن، ولا يعرف فارسٌ إلا إذا تملى في الخليطين من شامٍ ومن يمن؛ كم فيهم بمواقع الطعان فطنٌ ذو كيس، وكم صبغ منهم بالدماء رايةً حمراء يمنيٌّ لا ينسب إلى قيس؛ كم كرب على معد يكرب منهم فارس، ونسب إلى زبيدٍ وهو خشن الملابس؛ منهم صاحب الصمصامة بقي مثلها السيف فرداً، وكم قتل من أقرانه الشجعان من أخٍ صالح وبوأه في العجاج بيديه لحداً؛ ومن نجومهم الزواهر السراة، وغيومهم الأكابر السراة، من لم يزل حول دمشق وما يليها من حوران، منارة منازل وأوطان؛ حاموا عن جنابها المصون، وحاموا حول غوطتها تشبهاً بحمائمها على الغصون، وماثلوا بسيوفهم أنهارها، ورماحهم حول دوحات الأيك أشجارها، واستلأموا بمثل غدرانها دروعاً، وحكوا بما أطلوا من دماء الأعداء شقائق روضها، وبما جروا من حللهم المسهمة سيلاً؛ ولم يزل لهم من البيت النوفلي من يجمع جماعتهم، ويضم تحت راية الدولة الشريفة طاعتهم؛ يخلف ابن منهم لأبيه أو أخٌ لأخيه، وينتظم كل فرقد مع من يناسبه وينضاف كل كوكبٍ إلى من يؤاخيه.وكان مجلس الأمير الأجل، فلان بن فلان الزبيدي- أدام الله عزه- هو بقية من سلف من آبائه، وعرف مثل الأسد القسورة بإبائه، وانحصر فيه من استحقاق هذه الرتبة ميراث أبيه، واستغرق جميع ما كان من أمر قومه وإمرتهم يليه.فرسم بالأمر الشريف- زاده الله تعالى شرفاً، وذخر به لكل سالفٍ خلفاً- أن يرتب في إمرة قومه من زبيد النازلين بظاهر دمشق وبلاد حوران المحروس، على عادة أبيه المستقرة، وقاعدته المستمرة، إلى آخر وقت، من غير تنقيصٍ له عن نجم سعده في سمةٍ ولا سمت، تقدمةً تشمل جميعهم ممن أعرق وأشأم، وأنجد وأتهم، لا يخرج أحدٌ منهم عن حكمه، ولا ينفرد عن قسمه، لا ممن هو في جدار، ولا ممن هو مصحرٌ في قفار، يمشي على ما كان عليه أبوه، ويقوم فيهم مقامه الذي كان عليه هو وأولوه.ونحن نوصيك بتقوى الله تعالى، وباتباع حكم الشريعة الشريفة ما أقمت على بلدٍ أو أزمعت ارتحالاً، وبجمع قومك على الطاعة فرساناً وركباناً ورجالاً، واتباع أوامرها الشريفة وأمر نوابنا الذين هم بإزائهم، وما اعتزاز من قبلك إلا لما مالوا إليه في اعتزائهم، والتأهب أنت وقومك لما رسم به في ليل أو نهار، وحماية حمىً أنتم حوله في صحراء مصحرة أو من وراء جدار، والمطالعة بمن ينتقل من أصحابك بالوفاة، والوصايا كثيرة ومثلك أيسر ما قال له امرءٌ كفاه؛ والله تعالى يوفقك لما يرضاه، ويؤثرك في كل أمرٍ للعمل بمقتضاه؛ وسبيل كل واقف عليه العمل به بعد الخط الشريف شرفه الله تعالى وأعلاه أعلاه، إن شاء الله تعالى.النيابة الثانية من نيابات البلاد الشامية:نيابة حلب، ووظائفها التي يكتب بها من الأبواب السلطانية على نوعين:النوع الأول: من بحاضرة حلب، وهم على أصناف:الصنف الأول منهم: أرباب السيوف وهم على طبقتين:الطبقة الأولى من يكتب له تقليدٌ، وهو نائب السلطنة بها؛ وتقليده في قطع الثلثين بالجناب الكريم:وهذه نسخة تقليدٍ شريفٍ بنيابة السلطنة بحلب، كتب به للأمير أستدمر من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي:الحمد لله حافظ ثغور الإسلام في أيامنا الزاهرة، بمن يفتر عن شنب النصر سيفه، وناظم نطاق الحصون في دولتنا القاهرة، على همم من لم يزل يغزو عدو الدين قبل طلوع طلائعه طيفه، وناشر لواء العدل في أسنى ممالكنا بيد من لا يؤمن في الحق فوته ولا يرهب في الحكم حيفه، ومدخر أجر الرباط في سبيله لمن لم يبت ليلةً إلا والتأييد نزيله والنصر سميره والظفر ضيفه، الذي جعل الجهاد في أطراف الممالك المحروسة سوراً لعواصمها، والصعاد في مقاتل أعداء الدين شجناً في صدورها وشجى في غلاصمها، والسيوف الحداد تزهى بمشاركتها لاسم من بليت منه أجساد أهل الكفر بقاسمها، ورميت منه أعمارهم بقاصمها، وأرهف لهذا الأمر من أوليائنا سيفاً تتحلى الشهباء بجواهر فرنده، وتتوقع الأعداء مواقع فتكاته قبل تألق برقه من سحب غمده، ويعرف أهل الكفر مضاربه التي لا تطيق مقاتلهم جحدها، وتتفرق عصب الضلال فرقاً من مهابته التي طالما أغارت على جيوشهم المتعددة وحدها.نحمده على نعمه التي جعلت النصر لأجياد ممالكنا عقوداً، والكفر للهب صوارمنا وقوداً، والتأييد من نتائج سيوفنا التي تأنف أن ترى في مضاجع الغمود رقوداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعلي منار الهدى، وتطفيء أنوار العدا، وتخلي أجساد أهل الكفر من قوى أرواحهم فتغدو كديارهم التي لا يجيب فيها إلا الصدى، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أعلى الله بناء الإيمان بتأذينه، وأيدنا في الذب عن ملته، بكل ولي يتلقى راية النصر بيمينه، وأعاننا على مصالح أمته، بكل سيفٍ تتألق نار الأجل من زنده ويترقرق ماء الحياة من معينه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين وسمت أسنتهم من وجوه الكفر أغفالاً، وكانت سيوفهم لمعاقل أهل الشرك مفاتح فلما فتحت غدت لها أقفالاً؛ فمنهم من فاز بمزية السبق إلى تصديقه، ومنهم من كان الشيطان ينكب عن طريقه، ومنهم من أمر بإغماد سيف الانتصار لدمه عن مريقه، ومنهم من حاز رتبة أختانه وصهره دون أسرته الكرام وفريقه، صلاةً دائمة الخلود، مستمرة الإقامة في التهائم والنجود، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من حليت التقاليد بلآليء أوصافه، وملئت الأقاليم بمواقع مهابته وإنصافه، وريعت قلوب العدا بطروق خياله قبل خيله، وخاف الكفر كل شيءٍ أشبه ظباه من توقد شموس نهاره أو حكى أسنته من تألق نجوم ليله، ومد على الممالك من عزماته سورٌ مصفحٌ بصفاحه، مشرفٌ بأسنة رماحه، سأمية على منطقة الجوزاء منطقة بروجه، نائيةٌ على أماني العدا مسافة رفعته فلا يقدر أمل باغٍ على ارتقائه ولا رجاء طاغٍ على ولوجه- من تمهدت بسداد تدبيره الدول، وشهدت بسير محاسنه السير الأول، وتوطدت الممالك على أسنته فحققت أن أعلى الممالك ما يبنى على الأسل، وسارت في الآفاق سمعته فكانت أسرى من الأحلام وأسبق من الأوهام وأسير من المثل، وصانت الثغور صوارمه فلم يشم برقها إلا أسيرٌ أو كسير، أو من إذا رجع إليها بصره انقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير، وزانت الأقاليم معدلته فلا ظلم يغشى ظلامه، ولا جور يخشى إلمامه، ولا حق تدحض حجته ولا باطل يعلو كلامه؛ فالبلاد حيث حل بعدله معمورة، وبإيالته مغمورة، وسيوف ذوي الأقلام وأقلامهم بأوامره في مصالح البلاد والعباد منهيةٌ ومأمورة.ولما كان الجناب العالي هو الذي عانق الملك الأعز نجاده، والليث الذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده، والكمي الذي كم له في جهاد أعداء الله من موقف صدقٍ يضل فيه الوهم وتزل فيه القدم، والهمام الذي إن أنكرت أعناق العدا مواقع سيوفه فما بالعهد من قدم، والمقدام الذي لا ننكر مشاهده في إرغام الكفر ولا تكفر، والزعيم الذي حمت مهابته السواحل فخاف البحر: وهو العدو الأزرق، من بأسه الأحمر، على بني الأصفر، والمقدم الذي كم ضاقت بسرايا شيعته الفجاج،! وكم أشرقت نجوم أسنته من أفق النصر في ظلم العجاج،! وكم حمى العذب الفرات على البعد بسيوفه وهي مجاورةٌ للملح الأجاج!!، مع سطوةٍ أنامت الرعايا في مهاد أمنها، ورأفةٍ عمرت البرايا بعافطة إقبالها ويمنها، ورفقٍ تكفل لسهل البلاد وحزنها بإعانة مزنها، وشجاعةٍ أعدت الجيوش التي قبله فغدت آحادها ألوفاً، وفتكاتٍ عودت الطير الشبع من وقائعه فباتت على راياته عكوفاً، ومعدلةٍ عمت من في إيالته فأضحى الضعيف في الحق قوياً عنده والقوي في الباطل ضعيفاً.وكانت البلاد الحلبية المحروسة هي المملكة التي لا تجارى شهباؤها في حلبة فخار، والرتبة التي لا يؤهل لها من خواص الأولياء الأعزة إلا من استخرنا الله تعالى في تقليد جيد مفاخره بلآليء كفالتها فخار؛ فهي سور الممالك الذي لا تتسوره الخطوب، وأم الثغور التي ما برح يسفر بابتسامتها عن شنب النصر وجه الزمن القطوب، وموطن الرباط الذي كل يوم وليلة فيه خير من الدنيا وما فيها، وعقيلة الأقاليم التي كم أشجى قلوب الملوك الأكابر صدودها وأسهر عيون العظماء الأكاسرة تجافيها؛ بل هي عقدٌ دره حصونه، وروضٌ سيوف الكماة جدأوله ورماح الحماة غصونه، وحمى لم تزل عيون عنايتنا بعون الله تحفه وأيدي تأييدنا بقوة الله تصونه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرهف بحمايتها هذا السيف الذي تسابق الأجل مضاربه، وتبطل الحيل تجاربه، ويتقدم خبر عزائمه خبرها فلا يدرى: هل ريح الجنوب أسرى وأسرع أم جنائبه، وتبث مهابته أمام سراياه إلى العدا سرايا رعبٍ تفل جمعهم، وتسبق إلى التحرز من بأسه بصرهم وسمعهم، وتسفر بكل أفق عن شيعة مغيرة، أو كتيبةٍ تجعلها لمعالي النصر الكامنة مثيرة.فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي- لا زالت أوامره مبسوطةً في البسيطة، وممالكه محوطةً بمهابته الشاملة ومعدلته المحيطة- أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالمملكة الحلبية: تفويضاً يعوذها من عيون العدا بآيات عزائمه، ويعودها اجتناء ثمر المنى والأمن من ودق صوارمه، وينظم دراري الأسنة من أجياد حصونها في مكان القلائد، ويجعل كماة أعدائها لخوفه أضعف من الولدان وأجبن من الولائد، ويجرد إلى مجاوريها من همته طلائع تحصرهم في الفضاء المتسع، وتسد عليهم مجال الأرض الفسيحة فيغدو لهم حزنها الحزن الشامل وسهلها السهل الممتنع.فليتقلد هذه الرتبة التي بمثلها تزهى الأجياد، وبتقليدها يظهر حسن الانتقاء لجواهر الأولياء والانتقاد، وبتفويضها إلى مثله يعلم حسن الارتياد لمصالح البلاد والعباد، وليزد جيوشها المنصورة إرهاباً لعدوهم، وإرهافاً لصوارم الجهاد في رواحهم وغدوهم، وإدامةً للنفير الذي حببه الله إليهم، وقوةً على مجاوريهم من أهل النفاق الذين يحسبون كل صيحةٍ عليهم، فإنهم فرسان الجلاد الذين ألفوا الوقائع، وأسوار الفرات الذين عرفوا في الذب عن ملتهم بحفظ الشرائع، وكشافة الكرب الذين لا يزال لهم في سائر بلاد العدا سرايا وعلى جميع مطالع ديار الكفر طلائع؛ وهم بتقدمته تتضاعف شجاعتهم، وتزيد استطاعتهم وطاعتهم؛ وليأخذهم بمضاعفة الأهب وإدامة السعي في حفظ البلاد والذب، والتشبه بأسود الغابات التي همها في المسلوب لا السلب؛ وليهتم بكشف أحوال عدو الإسلام ليبرح آمناً على الأطراف من حيفهم، متيقظاً لمكايدهم في رحلتي شتائهم وصيفهم، مفاجئاً في كل منزل بسيرٍ يروع سربهم، ويكدر شربهم، ويجعل روح كل منهم من خوف قدومه نافرةً عن الجسد، ويسلبهم بتوقع مفاجأته القرار ولا قرار على زأرٍ من الأسد، ولا تزال قصاده بأسرار قلوب الأعداء مناجية ولا تبرح له من أعيان عيونه بين العدا فرقة ناجية وليحتفل بتدريج الحمام التي هي رسل أعنته، وإقامة الديادب الذين إذا دعوا همهمةً بألسنة النيران لبتهم ألسنة أسنته؛ وليمت قلوب أعدائه بوجل لقائه قبل الأجل، وليزد في الحزم على ابن مزيدٍ الذي لم ير في الأمن إلا في درعٍ مضاعفة لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل، وليجعل أحوال القلاع المحروسة دائماً بمرأى منه ومسمع، ويشيدها من ملاحظته باحتفال لا يدع لشائم برقها وحمول أموالها مطمعاً فقد استكمل حسن النظر في مصالحها أجمع، وليقم منار الشرع الشريف بمعاضدة حكامه، والانقياد إلى أحكامه، والوقوف مع نقضه وإبرامه: فليجعل حكم الشريعة المطهرة أمامه وإمامه، وليقم أمر الله فيمن اقتاده الشرع إلى حكمه فجاذب زمامه، ويعظم حملة العلم الذي أعلى مناره، وأفاض على الأمة أنواره، وحفظ بهم على الملة سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وآثاره، وليكن لأقدارهم رافعاً، ولمضارهم دافعاً، ولأوقافهم بجميل الاحتفال عامراً، وفي مصالحهم بتحلية الأحوال آمراً، ولينشر لواء العدل الذي أمر الله بنشره، ويشفعه بالإحسان الذي هو مألوفٌ من سجاياه ومعروفٌ من طلاقة بشره، ويمد على الرعايا ظل رأفته الذي يضفي في النعم لباسهم، ويديم إلفهم بالرفاهية واستئناسهم، ويقم حكم سياسته على من لم يستقم، ويقف مع رضا الله تعالى في كل أمر: فإذا رحم فلله فليرحم وإذا انتقم فلغير الله لا ينتقم، وليعتن بعمارة البلاد ببسط العدل الذي ما احتمى به ملكٌ إلا صانه، والرفق الذي لم يكن في شيءٍ إلا زانه، وتوخي الحق الذي من جعله نصب عينيه وفقه الله له وأعانه. وكذلك أمر الأموال: فإنها ذخيرة الملك وعتاده، ومادة الجيش الذي إذا صرفت إلى مصالحهم هممه لم يخش عليه انقطاعه ولا نفاده؛ وجميع الوصايا قد ألفنا من سيرته فيها فوق ما نقترح، وخبرنا من مقاصده فيها ما يقول للسان قلمها: قد عرفت ما أومأت إليه من مقاصدك فاسترح؛ وملاكها تقوى الله تعالى ورضانا، وهو المألوف من عدله وإنصافه؛ والله تعالى يديمها بتأييده وقد فعل، ويجعله من أركان الإسلام وأعلام المسلمين وقد جعل، بمنه وكرمه؛ والاعتماد..................... إن شاء الله تعالى.وهذه نسخة تقليدٍ شريفٍ بنيابة حلب أيضاً، كتب بها عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون للأمير شمس الدين قراسنقر بإعادته إليها، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي:الحمد لله الذي جعل العواصم بإقامة فرض الجهاد في أيامنا الشريفة معتصمة، والثغور بما تفتر عنه من شنب النصر في دولتنا القاهرة مبتسمة، والصوارم المرهفة في أطراف الممالك بأيدي أوليائنا لأرواح من قرب أو بعد عنها من الأعداء مقتسمة، والحصون المصفحة بصفاحنا بأعلام النصر معلمة وبسيما الظفر متسم، معلي قدر من أحسن في مصالح الإسلام عملاً، ورافع ذكر من يبسط إلى عز طاعة الله ورسوله وطاعتنا أملاً، ومجدد سعد من تلبس الأقلام من أوصافه أفخر الحلل إذا خلعت من المحامد على أوصافه حللاً، ومفوض زعامة الجيوش بمواطن الرباط في سبيله إلى من إذا فللت مقاتل العدا سيوف الجلاد كانت عزائمه من السيوف المرهفة بدلاً.نحمده على نعمه التي جعلت طاعتنا من آكد أسباب العلو، وخدمتنا من أنجح أبواب الرفع بحسب المبالغة في الخدمة والغلو، ونعمنا شاملةً للأولياء بما يربي على طوامح الآمال في البعد والدنو، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تستنزل بها مواد النصر والظفر، وتستجزل بها ذخائر التأييد التي كم أسفر عنها وجه سفر، وترهف بها سيوف الجهاد التي كم آلفت من آمن وكفت من كفر، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل سكينته عليه، وزويت له الأرض فرأى منها ما يبلغ ملك أمته إليه، وعرضت عليه كنوز الدنيا فأعرض عما وضع من مقاليدها بيديه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رضي الله عنهم، صلاةً دائمة الظلال، آمنة شمس دوامها من الزوال، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن أولى من طوقت أجياد الممالك بفرائد أوصافه، وفوقت إلى مقاتل العدا سهام مهابته التي تحول منهم بين كل قلبٍ وشغافه، وخصت به أم الثغور التي در لها حلبها، ومدت عليها أفياء النصر الممدودة ذوابلها وقضبها، وأهدى أرج التبلج افترارها وشنبها- من تقوم مهابته مقام الألوف، وتجتني سمعته من ذوابل العزائم ثمر النصر المألوف، ويسبق خياله سرايا خيله التي هي أسرى من هوج الرياح إلى هزم الجموع وتفريق الصفوف، وتنظيم أسنة رماحه في الوغى قلوب العدا نظم السطور وتنثر صفاحه رؤوسهم نثر الحروف، وتحيط بنطاق الممالك المتطرفة صوارمه إحاطة الأسوار بالحصون، والخمائل بالغصون، والهالات بالأقمار، والجوانح بالأسرار، ولا تبيت ملوك العدا منه إلا على وجل، ولا يرى في الأمن إلا في درعٍ مضاعفةٍ لا يأمن الدهر أن يدعى على عجل، ولا يخفى عن ألمعيته ما يضمر الأعداء من الحركات قبل إظهارها، ولا يبعد على عزماته ما هي مليةٌ به من بدارها أعداء الدين بدارها، وإذا جلس لنشر المعدلة تبرأ الظلم من فكر جواز البغي والجور على إنسان، وشفع ما تصدى من ذلك بما أمر الله به من العدل والإحسان.ولما كان الجناب العالي الفلاني هو الذي ملئت قلوب العدا برعبه، وانطوت قلوب الرعايا على حبه، وتهللت وجوه المنى في سلمه واستهلت سحب المنايا في حربه، وجمع بين حدة البأس ولطف التقى فكان هو الكمي الذي شفع الشجاعة بالخضوع لربه، وحاط ما وليه من الأقاليم بسوري بأسه وعدله فبات كل أحدٍ وادعاً في مهاده آمناً في سربه، وأغارت سرايا مهابته قبل طلوع طلائعه فأصبح كل من العدا أسير الذعر قبل إمساكه، قتيل الخوف قبل ضربه؛ مع احتفال بعمارة البلاد، أعان السحب على ريها، واشتمالٍ على مصالح العباد، قام في تيسير أرزاقهم مقام وسمي الغمائم ووليها، وتيقظ لمصالح الثغور أنام عنها عيون الخطوب، وإشراقٍ في أفق المواكب سا وجه الدين نور البشر ووجه الكفر ظلام القطوب.وكانت المملكة الحلبية عقيلة المعاقل، وعصمة العواصم، وواسطة عقود الممالك وسلك فرائد النصر التي كم أضاءت بها إلى الكفر وجوه المسالك، لا تدرك في مضمار الفخار شهباؤها، ولا ترى إلا كما ترى النجوم في عيون العدا حصباؤها؛ ولها من الحصون المصونة كل قلعة يتهيب الطيف سلوك عقابها، ويتقاصر لوح الجو عن منال عقابها؛ فهي عزيزة المنال، إلا على كريم كفائته، بعيدة مجال الآمال، إلا على ما ألفت من إيالة كفايته، سأمية الأفق إلا على شمسه، نابية الطرف إلا على ما عرفت من سلوكه في أمسه، ظأمية الغروس التي أنشأها في مصالحها إلى ما اعتادته من سقيا غرسه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيدها إشراقاً بشمس جلاله، واعتلاءً بسيفه الذي رياض الجنة تحت ظلاله، وأن نعيد أمرها إلى من طالما حسن عدله بقعتها، وحصن بأسه قلعتها، وأطارت مهابته سمعتها، وأطالت سيرته سكون رعاياها في مهاد الأمن وهجعتها، وأعاد وجوده أحوال مجاوريها من العدا إلى العدم، وأباد سيفه أرواح معانديها: فلو أنكرته أعناقهم لم يكن بالعهد من قدم.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت شمس عدله، مشرقةً في الوجود، وغيث فضله، مستهل الجود في التهائم والنجود- أن تفوض إليه تفويضاً يحدد ارتفاعها، ويعمر وهادها وبقاعها، ويؤيد اندفاع مضارها وانتفاعها، ويعيد الإشراق إلى مطالعها، والأمور إلى مواقعها من سداد التدبير ومواضعها، والإقدام إلى جيوشها وأبطالها والشجاعة إلى حماتها ورجالها.فليطلع في أفق مواكبها طلوع نعته الكريم، ويجر في جوانبها ما ألفته من موارد عدله الذي فارقه غمامه وأثر سيله مقيم، ويعاود مصالح تلك المملكة التي لا تصلح أمورها إلا عليه، ويراجع عصمة تلك العقيلة التي لا تطمع أبصار عواصمها إلا إليه، ويلق في قلوب مجاوريها ذلك الرعب الذي نعى إلى كل منهم نفسه وأسلاه عماه في يديه، ويثبت تلك المهابة التي جعلت منايا العدا براحته يأمرها فيهم وينهاها، وينشر في الرعايا تلك المعدلة التي هي كالشمس: لا تبتغي بما صنعت منزلةً عندهم ولا جاها، ولتكن أحوال عدو الإسلام بمرأىً منه على عادته ومسمع، ويكف أطماع الكفار على قاعدته فلا يحدث لهم إلى شيم برق الثغور مطمحٌ ولا في العلم بشنبها مطمع، وليكن من أرصاده، نهار عدو الدين وليله، ومن أمداده، مجاز الجهاد وحقيقته فلا يبرح يبيتهم خياله إذا لم تصبحهم خيله، ولا يبرح له من أعيان عيونه بين العدا فرقةٌ ناجية، وطائفةٌ بأسرار قلوب القوم مناجية، لتكون له مقاتلهم على طول الأبد بادية، وتغدو منازلهم خاويةً بين سراياه الرائحة والغادية. وليتعاهد أحوال الجيوش بإدامة عرضها، وإقامة واجبات القوة وفرضها، وإطالة صيت السمعة المشهورة لكماتها في طول بلاد العدا وعرضها، وإزاحة أعذارها للركوب، وإزالة عوائق ارتيادها للوثوب، وإعداد العدد التي لها من أيديهم طلوعٌ وفي مقاتل أعدائهم غروب، وليتفقد أحوال الحصون المصونة بسداد ثغورها، وسداد أمورها، وإزاحة أعذار رجالها، وإرهاف همم حماتها التي تضيق على آمال العدا سعة مجالها، وتوفير ذخائرها، وتعمير بواطنها وظواهرها، وتحصين مسالكها التي يرهب الخيال المتولي إلى العيون سلوك محاجرها.وليعل منار الشرع الشريف بتشييد مناره وإحكامه، وتنفيذه لقضايا قضاته وأحكام حكامه، والوقوف في كل أمر مع نقضه في ذلك وإبرامه، ورفع أقدار حملة العلم على ما ألفوه من الرفعة والسمو في أيامه. ولتكن وطأة بأسه على أهل الفساد مشتدة، وأوامره متقدمةً بوضع الأشياء في مواضعها: فلا توضع الحدة موضع الأناة ولا الأناة موضع الحدة. وليراع عهود الموادعين مهما استقاموا، ويجمع عليهم أن يكفوا أنامل بأسه التي هم في قبضتها رحلوا أو أقاموا، ولتخبر ألسنة النيران بشبها على اليفاع والآكام من قدم لمكيدة أو طعن بمطار الحمام- وجميع ما يتعلق بهذه المرتبة السنية من قواعد فإلى سالف تدبيره ينسب، ومن سوابق تقريره وتحريره يحسب؛ فهو ابن بجدتها، وفارس نجدتها، ومؤثل قواعدها، ومؤثر ما حمد من امتداد عضدها إلى مصالح الإسلام وساعدها؛ فليفعل في ذلك ما يشكره الله والإسلام عليه، ويثبت الحجة عند الله تعالى في إلقاء المقاليد إليه؛ وملاك الوصايا تقوى الله وهي سجية نفسه، وثمرة ما اجتنى في أيام الحياة من غرسه، ونشر العدل والإحسان فبهما تظهر مزية يومه الجميل على أمسه؛ والله تعالى يجعل نعمه دائمة الاستقبال، وشمسه آمنة من الغروب والزوال، والاعتماد...........الطبقة الثانية من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي وفيها وظائف:الوظيفة الأولى: نيابة القلعة بها:وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة قلعة حلب: الحمد لله معلي قدر من تحلى بالأمانة والصون، ورافع مكانة من كان فيما عرض من العوارض نعم العون، ومؤهل من أرشدنا إليه للاجتباء حسن الاختبار، ومبلغ الإيثار من شكرت عنه محامد الآثار.نحمده حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلصٍ في اعتقاده، مبرإٍ من افتراء كل جاحدٍ وإلحاده، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، وأيده بسلطانٍ منه وطهر به الأرض من دنس الضلال تطهيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا يزال علم العلم بها منشوراً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن العناية بالحصون توجب أن لا يختار لها إلا من هو مليٌّ بحفظها، موفر لها من حسن الذب غاية حظها، حسن المرابطة، مبرأٌ من دنس الأفعال الساقطة؛ ذو قلبٍ قويٍّ وقالب، وعزمٍ ما زال لمهمات الأمور أشجع مغالب؛ إذ هو للمرابطين بها أوثق حرزٍ حريز، وأصون حجابٍ لمبارزة ذوي التبريز، فتصبح به مستوراً عوارها، كاتمةً لأسرارها أسوارها، تخاطلب منازليها من مجانيقها بأبلغ لسان، وتشافه ملاجيها من أنفة أنفها إلا أنه بأعلى مكان.ولما كانت القلعة الفلانية بهذه المنزلة الرفيعة، والمكانة التي كل مكانةٍ بالنسبة والإضافة إلى علو مكانها المكانة الوضيعة- اخترنا لها وابتغينا، واستوعبنا بالتأهيل لنيابتها ولم نترك في استيعابنا ولا أبقينا، فلم نجد لولايتها كفأً إلا من نظمت عقود هذا التقليد لتقليده، ورتلت سور هذه المحامد بمبديء لسان تقريظه ومعيده؛ إذ هو أوثق من يلقى إليه إقليدها، وأكفأ من ينجز به موعودها؛ إذ كان المكين، والثقة المتحلي إذ كان التحلي مما يزين العاطل المشين؛ إن ذكر الرأي فهو المتصف بسديده، أو العزم فهو الموسوم بشديده، أو التثبت فهو من صفة شجاعته، أو حسن المظافرة فهو الباذل فيها جهد استطاعته.ولما كانت هذه المناقب مناقبه، وهذه المذاهب مذاهبه، رسم بالأمر الشريف العالي- زاده الله مضاءً ونفاذاً، واستحواءً واستحواذاً- أن تفوض نيابة السلطنة بالقلعة الفلانية وما هو منسوبٌ إليها من ربضٍ ونواح، وقرىً وضواح، للمجلس السامي فلان.فليرق إلى رتبتها المنيف قدرها، المهم سرها وجهرها، وليكن من أمر مصالحها على بصيرة، ومن تفقد أحوالها على فطنةٍ ما زالت منه مخبورة، وليأخذ محرزها من الجند وغيرهم بالملازمة لما عدق به من الوظائف، ويتقدم إلى واليها مع طوافها أول طائف، وليتفقد حواصلها من الذخائر، وواصلها من التبذير بمن يرتبه على حفظها من الأخاير؛ ومهما عرض يسرع بالمطالعة بأمره، والإعلام بنفعه وضره.هذه نبذةٌ كافيةٌ للوثوق بكفايته، والعلم بسديد كفالته؛ والله تعالى يحسن له الإعانة، ويجزل له الصيانة؛ والخط الشريف أعلاه.................الوظيفة الثانية: شد الدواوين بحلب:وهذه نسخة توقيع بشد الدواوين بحلب:الحمد لله الذي أرهف في خدمة دولتنا كل سيفٍ يزهى النصر بتقليده، ويروى نبأ الفتح عن تجربته في مصالح الإسلام وتجريده، ويروى حده إذا قابله عدو الدين من قلب قلبه وموارد وريده.نحمده على نعمه السابغة حمد متعرضٍ لمزيده، ونشكره على مننه السائغة شكر مستنزلٍ مواد تأييده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقرٍّ بتوحيده، مسرٍّ مثل ما يظهر من الخضوع لكبرياء تقديسه وتمجيده، مصرٍّ على جهاد من ألحد في آياته بنفسه وجنوده، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من دعت دعوته الأمم إلى الاعتراف بخالقها بعد جحوده، وأنجز لأمته من الاستيلاء على الكفر سابق وعوده، وأمال به عمود الشرك فأهوى إلى الصعيد بعد صعوده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من بذل في طاعة الله وطاعته نهاية مجهوده، وأطفأ نار الكفر بعد وقودها بإيقاد لهب الجهاد بعد خموده، صلاةً تقترن بركوع الفرض وسجوده، وتقام أركانها في أغوار الوجود ونجوده، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى ما أجملنا في مصالحه النظر، وأعملنا في ارتياد الأكفاء له بوادر الفكر، واخترنا له من الأولياء من كان معدوداً من خواصنا، محبواً بمزيد تقريبنا ومزية اختصاصنا، أمر الأموال الديوانية بالمملكة الحلبية وتفويض شد دواوينها المعمورة إلى من تضاعفها رتبته المكينة، ونزاهته المتينة، ويده التي هي بكمال العفة مبسوطة، وخبرته التي بمثلها يحسن أن تكون مصالح الدولة القاهرة منوطة، ومنزلته التي تكف عن الأموال الأطماع العادية، ومهابته التي تكفي الأولياء من ضبط الأعمال بما يروي الآمال الصادية، لأنها مواد الثغور التي ما برحت عن شنب النصر مفترة، وأمداد الجيوش التي جعل الله لها أبداً على أعدائه الكرة، ورياض الجهاد التي تجتنى منها ثمرات الظفر الغضة، وكنوز الملك التي ينفق منها في سبيل الله القناطير المقنطرة من الذهب والفضة.ولما كان فلانٌ هو الذي اخترناه لذلك على علم، ورجحناه لما اجتمع فيه من سرعة يقظةٍ وأناة حلم، وندبناه في مهماتنا الشريفة فكان في كل موطنٍ منها سيفاً مرهفاً، واخترناه فكان في كل ما عدقناه به بين القوي والضعيف منصفاً، وعلمنا من معرفته ما يستثير الأموال من مكامنها، ومن نزاهته ما يظهر أشتات المصالح من معادنها، ومن معدلته ما يمتع الرعايا باجتناء ثمر المنى من إحسان دولتنا القاهرة واجتلاء محاسنها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي جيد تلك الرتبة بعقود صفاته الحسنة، وأن ننبه على حسن هممه التي ما برحت تسري إلى مصالح الدولة القاهرة والعيون وسنة.فلذلك رسم أن يفوض إليه ذلك تفويضاً يبسط في مصالح الأموال لسانه ويده، ويقصر على مضاعفة ارتفاع الأعمال يومه الحاضر وغده، ويحسن بسد الخلل وتتبع الإهمال مصدره الجميل ومورده؛ ويجعل له في مصالحها العقد والحل، والتصرف النافذ في كل ما دق من الأموال الديوانية وجل.فليباشر ذلك بهمةٍ علمنا في الحق مواقع سيفها، وأمنا على الرعايا بما اتصفت به من العدل والمعرفة من مواقع حتفها، وأيقظت العيون الطامحة لسلوك ما لا يجب بما لم تزل تتخيله من روائع طيفها، وليثمر الأموال بالجمع في تحصيلها بين الرغبة والرهبة، ويجعل ما يستخرج منها ببركة العفة والرفق: {كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبة}. وليعف أثر الحمايات ورسمها، ويزل بالكلية عن تلك الممالك الحسنة وسمها القبيح واسمها، وليكن مهم الثغور هو المهم المقدم لديه، والنظر في كلف القلاع المحروسة هو الفرض المتعين أداؤه عليه، فيحمل إليها من الأموال والغلال ما يعم حواصلها المصونة، ويكفي رجالها الفكر في المؤونة، ويضاعف ذخائرها التي تعد من أسباب تحصينها، ويصبح به حمل عامها الواحد كفاية ما يستقبله مع موالاة الحمول من سنينها؛ وما عدا ذلك من الوصايا فقد ألقينا إلى سمعه ما عليه يعتمد، وعرفناه أن تقوى الله أوفى ما به يستبد وإليه يستند؛ بعد الخط الشريف.الصنف الثاني من أرباب الوظائف بحلب أربا الوظائف الدينية:وهم على طبقتين أيضاً:الطبقة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء، ويشتمل على وظائف:منها: قضاء القضاة. وبها أربعة قضاةٍ: من كل مذهب قاضٍ، كما في الديار المصرية والشام. والشافعي منهم هو الذي يولي بالبلاد كما في مصر والشام.وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية: الحمد لله الذي رفع منار الشرع الشريف وأقامه، ونور به كل ظلامٍ وأزال به كل ظلامة، وجعله صراطاً سوياً للإسلام والسلامة، الذي جعل القضاة أعلاماً، بهم يهتدى، ونصبهم حكاماً، بمراشدهم يقتاد ويقتدى، وأخذ بهم الحق من الباطل حتى لا يعتل في قضيةٍ ولا يعتدى، والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي أوضح الله به الطريق، وأبدى به بين الحلال والحرام التفريق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تتكفل لرغبات قائلها بالتحقيق.وبعد، فإن أحق ما وجهت الهمم إلى تصريفه وجهاً مسفراً، وقربت إلى يد الاقتطاف من شجرته المباركة غصناً مثمراً، وسهدت في الاختيار له والاصطفاء لحظاً ما زال للفكر في مصالح الأمة مسهراً- الشرع الشريف الذي حرس الله به حومة الدين وحمى جانبه، وحفظ به أقوال الهدى عن المجادلة من المبتدعين وأطرافه من المجاذبة؛ وكانت حراسته معدوقةً باختيار الأئمة الأعلام، وموقوفةً على كل من يطاعن البدع عند الاستفتاء برماح الخط وليست رماح الخط غير الأقلام، ومصرفةً إلى كل منصفٍ في قضاياه حتى لو ترافعت إليه الليالي لأنصفها من الأيام.ولما كان فلانٌ هو مدلول هذه العبارة، ومرتمى هذه المشارة، ومرتمق هذه الإشارة، وقد حل من الممادح في محل صعب المرتقى على متوقله، وطلع من منازل سعودها في بروج بعيدة الأوج إلا على سير بدره وتنقله؛ وطالما حكم فأحكم، وفصل ففصل، وروجع فما رجع وعدل فعدل، وشهدت مراتبه الشريفة بأنه خير من تنولها ميراثاً واستحقاقاً، وأجل من كادت تزهو به مطالع النجوم إشرافاً وإشراقاً؛ وكانت حلب المحروسة مركز دائرة لأيامه، وسلك جوهر تصريفه الذي طالما تقلدت أحسن العقود بنظامه؛ وقد افتخرت به افتخار السماء بشمسها، والروضة بغرسها، والأفهام بإدراك حسها، والأيام بما عملته من خيرٍ في يومها وأسلفته في أمسها، وقد اشتاقت إلى قربه شوق النفس إلى تردد النفس، والليلة إلى طلوع النجم أو لا فإلى إضاءة القبس.فلذلك خرج الأمر الشريف بأن يجدد له هذا التوقيع بالحكم والقضاء، بالمملكة الحلبية وأعمالها وبلادها، على عادته.فليستخر الله تعالى وليستصحب من الأحكا ما همته مليةٌ باستصحابه، ويستوعب من أمورها ما تتوضح المصالح باستيعابه، ويقم بها منار العدل والإحسان، وينهض بتدبير ما أقعده منها زمانة الزمان. وعنده من الوصايا المباركة، ما يستغني به عن المساهمة فيها والمشاركة؛ لكن الذكرى النافعة عند مثله نافقة؛ فإن لم يكن شعاع هلالٍ فبارقة، وليتق الله ما استطاع، ويحسن عن أموال اليتامى الدفاع، ويحرس موجود من غاب غيبةً يجب حفظ ماله فيها شرعاً، ويقطع سبب من رام لأسباب الحق قطعاً، ولا يراع لحائفٍ حرمةً فإن حرمات الحائفين لا ترعى، وينظر في الأوقاف نظراً يحرسها ويصونها، ويبحث عنها بحثاً يظهر به كمينها؛ والله تعالى يسدده في أحكامه بمنه وكرمه! قلت: وعلى ذلك تكتب تواقيع بقية القضاة بها من المذاهب الثلاثة الباقية.ومنها: وكالة بيت المال المعمور.وهذه نسخة توقيع من ذلك، كتب بها لمن لقبه كمال الدين وهي: الحمد لله الذي جعل كمال الدين موجوداً، في اقتران العلم بالعمل، وصلاح بيت المال معهوداً، في استناده إلى من ليس له غير رضا الله تعالى وبراءة الذمة أمل، وارتقاء رتب المتقين مقصوراً على من بارتقاء مثله من أئمة الأمة تزهى مناصب الدول، والاكتفاء بالعلماء محصوراً في الآراء المعصومة بتوفيق الله من الخلل.نحمده على نعمه التي جعلت مهم مصالح الإسلام، مقدماً لدينا، واختصاص المراتب الدينية بالأئمة الأعلام، محبباً إلينا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رفع الجهاد علمها، وأمضى الاجتهاد كلمها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أشرقت سماء ملته، من علماء أمته، بأضوإ الأهلة، ونطقت أحكام شرعته، على ألسنة حملة سنته، بأوضح الأدلة، وبزغت شمس هدايته في تهائم الوجود ونجوده فانطوت بها ظلم الأهواء المضلة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصحوا لله ولرسوله، وآثروا رضاه على نفوسهم فلم يكن لهم مرادٌ سوى مراده ولا سولٌ غير سوله، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من تلقاه كرما بوجه إقباله، واختارت له آلاؤنا من الرتب ما صده الإجمال في الطلب عن تعلقه بباله، ورأى إحساننا مكانه من العلم والعمل فعدق به من مصالح المسلمين ما لم يتركه أولاً إلا موافقةً له لا رغبةً عن خياله، ورعى برنا وفادته فاقتضى إعادته من مناصبه إلى ما لم يزل مشرق الأفق بكمال طلعته وطلعة كماله- من ظهرت لوامع فوائده، وبهرت بدائع فرائده، وتدفقت بحار فضائله، وتألقت أشعة دلائله، وتنوعت فنونه: فهو في كل علم ابن بجدته، وفارس نجدته، وحامل رايته، وجواد مضماره الذي تقف جياد الأفكار دون غايته.ولما كان فلانٌ هو هذا البحر الذي أشير إلى تدفقه، والبدر الذي أوميء إلى كمال ما تألق به من أفقه، وكانت وكالة بيت المال المعمور بحلب المحروسة من المناصب التي لا يتعين لها إلا من تعقد الخناصر عليه، ويشار ببنان الاختصاص إليه، ويقطع بجميل نهوضه فيما يوضع من المصالح الإسلامية بيديه؛ وله في مباشرتها سوابق، وآثارٌ إن لم تصفها ألسنة الأقلام أوحت بها تلك الأحوال الخالية وهي نواطق- اقتضت آراؤنا الشريفة إنعام النظر في الإنعام عليه بمكانٍ ألفه، ومنصبٍ رفع ما أسلفه فيه من جميل السيرة قدره عندنا وأزلفه.فرسم بالأمر الشريف- لا زال بابه ثمال الآمال، وأفق السعد الذي لو أمه البدر لما فارق رتب الكمال- أن يفوض إليه كذا: لما ذكر من أسباب عينته، وفضائل تزينت به كما زينته، ووفادةٍ تقاضت له نزل الكرامة، واقتضت له مواد الإحسان وموارده في السرى والإقامة.فليل هذه الرتبة التي على مثله من الأئمة مدار أمرها، وبمثل قوته في مصالحها يتضاعف در احتلابها ويترادف احتلاب درها، مراعياً حقوق الأمة فيما جره الإرث الشرعي إليهم، مناقشاً عن المسلمين فيما قصره مذهبه المذهب من الحقوق المالية عليهم، واقفاً بالحق فيما يثبت بطريقة المعتبر، تابعاً لحكم الله فيما يختلف سبيله وفيما يحرر بالعيان أو يحقق بالخبر، محافظاً على ما يؤول إلى بيت المال بلطف تدقيقه، وحسن تحقيقه، وقبول الدافع بوجهه ودفعه بطريقه؛ ولا يمنع الحق إذا ثبت بشروطه التي أعذر فيها، ولا يدفع الواجب إذا تعين بأسبابه التي يتقاضاها الشرع الشريف ويقتضيها؛ وهو الوكيل عن الأمة فيما لهم وعليهم، ومتولي المدافعة عنهم فيما يقره الشرع بين يديهم؛ فليؤد عنهم أمانة دينه، ويجتهد لهم فيما وضعناه من أمر هذه الوكالة الشريفة بيمينه؛ وملاك هذا الأمر الوقوف مع الحق الجلي، والتمسك بالتقوى التي تظهر بها قوة الأمين وأمانة القوي؛ والله تعالى يوفقه ويسدده.قلت: وفي معنى ما تقدم من قطع الورق والألقاب الحسبة، ونظر الأوقاف الكبار، وخطابة الجوامع الجليلة، وكبار التداريس، وما يجري مجرى ذلك: إذا كتب به من الأبواب السلطانية، وإلا فالغالب كتابة ذلك جميعه عن نائب السلطنة بها.الطبقة الثانية من يكتب له في قطع العادة بالسامي بغير ياء، أو بمجلس القاضي:قال في التثقيف: وهم من عدا القضاة الأربعة من أرباب الوظائف الدينية، فيدخل في ذلك قضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، وما يجري مجرى ذلك، حيث كتب من الأبواب السلطانية.الصنف الثالث من أرباب الوظائف بحلب- أرباب الوظائف الديوانية، وهم على طبقتين:الطبقة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء؛ وتشتمل على وظائف:منها: كتابة السر؛ ويعبر عنها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية- بصاحب ديوان المكاتبات، وربما قيل: صاحب ديوان الرسائل. قال في التثقيف: وربما كتب له في قطع النصف.وهذه نسخة توقيع شريفٍ من ذلك، وهي: الحمد لله الذي زان الدولة القاهرة، بمن تغدو أسرارها من أمانته في قرارٍ مكين، وحلى أيامنا الزاهرة، بمن تبدو مراسمها من بلاغته في عقد ثمين، ومجمل الكتب السائرة، بمن إذا وشتها براعته ويراعته قيل: هذا هو السحر البياني إن لم يكن سحرٌ مبين.نحمده على نعمه التي خصت الأسرار الشريفة بمن لم يرثها عن كلالة، ونصت في ترقي مناصب التنفيذ على من يستحقها بأصالة الرأي وقدم الأصالة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رقم الإخلاص طروسها، وسقى الإيمان غروسها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي آتاه جوامع الكلم، ولوامع الهدى والحكم، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه الذين كتب في قلوبهم الإيمان، وكبت بهم أهل الطغيان، صلاةً يشفعها التسليم، ويتبعها التعظيم، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى الرتب بإرتياد من تعقد على أولويته الخناصر، ويعتمد على أصالته التي ما برحت في الاتصال والاتصاف بها ثابتة الأواصر، ويعتقد في أمانته التي تأوي بها الأسرار إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها، ويعتضد بفضائله التي يقل في كثير من الأكفاء اجتماعها، ويعول فيها على بلاغته، التي أعطت كل مقامٍ حقه من الإطناب والإيجاز، ويرجع فيها إلى بديهته، التي جرت بها سوابق المعالي إلى غاية الحقيقة في مضمار المجاز- رتبةٌ هي خزانة سرنا، وكنانة نهينا وأمرنا؛ فلا يتعين لبلوغها إلا من ومن، ولا يعين لتلقيها وترقيها إلا أفراد قل أن يكثر مثلهم في زمن، ولا يحسن أن تكون إلا في بيتٍ عريقٍ في أنسابها، وثيقٍ في تمكن عرا أسبابها، عليم بقواعدها التي إذا اشتبهت طرق آدابها كان أدرى بها.ولما كان فلانٌ هو الذي ذكرت أسباب تعينه لهذه الرتبة وتعيينه، وفتحت أبواب أولويته بتلقي راية هذا المنصب بيمينه، مع أدواتٍ كملت مفاخره، وصفاتٍ جملت مآثره، وكتابةٍ، إذا جادت أنواؤها أرض طرسٍ أخذت زخرفها، وإذا حاذت أنوارها وجه سماءٍ ودت الدراري لو حكت أحرفها، وبلاغةٍ إن أطرت بوصفٍ أغارت الفرائد، وأعارت دررها القلائد، وأتت من رقة المعاني بما هو أحسن من دموع التصابي في خدود الخرائد، وإن أغرت بعدوٍّ أعانت على مقاتله السيوف، ودلت على مكامنه الحتوف، وديانةٍ رفعته عند الله وعندنا إلى المكان الأسنى، وصيانةٍ، جمعت له من آلائنا واعتنائنا بين الزيادة والحسنى، وأمانةٍ أغنته بجوهر وصفها الأعلى عن التعرض إلى العرض الأدنى، وبراعةٍ اعتضد بها يراعه في بلوغ المقاصد اعتضاد الرقص بالمغنى.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كذا فليبشر بتلقي هذا الإحسان، بيد الاستحقاق، وليتلق عقود هذا الامتنان، الذي طالما قلده فخره الأعناق، وليباشر ذلك مباشرةً يسر خبرها ويسري خبرها، ويشنف الأسماع تأثيرها وأثرها، وليسلك فيها من السداد، ما يؤكد حمده، ومن حسن الاعتماد، ما يؤيد سعده؛ والوصايا كثيرةٌ وهو بها خبيرٌ عليم، حائزٌ منها أوفر الأجزاء وأوفى التقسيم، وملاكها تقوى الله فليجعلها عمدته، وليتخذها في كل الأمور ذخيرته؛ والله تعالى يضاعف له من لدنا إحساناً ويرفع له قدراً وشأناً؛ والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه.ومنها: نظر المملكة الحلبية القائم مقام الوزير.وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك: كتب به لعماد الدين سعيد بن ريان بالعود إليها، وهي: الحمد لله رافع قدر من جعل عليه اعتماداً، ومجدد سعد من غدا في كل ما يعدق به من قواعد النظر الحسن عماداً، ومسني حمد من تكفل له جميل التصرف أن لا تبعد الأيام عليه مراداً، ومجزل مواد النعم لمن إذا استمطر قلمه في المصالح همى فافتن أفناناً وأينع تثميراً وأثمر سداداً، وإذا أيقظ نظره في ملاحظة الأعمال استجلى وجوه المصالح انتقاءً لما خفي منها وانتقاداً.نحمده على نعمه التي لا تزال النعم بها مجددة، والقواعد موطدة، والكرم معاداً، وآلائه التي جعل لها الشكر ازدياناً على الأبد وازدياداً، ومننه التي لا يقوم بها ولا بأداء فرضها الحمد ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلامٌ أو كان البحر مداداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تألو هممنا اجتهاداً في إعلاء منارها وجهاداً، ولا تكبو جياد عزائمنا، دون أن تسنها من الجاحدين قلوباً وتجري بها من المنكرين ألسنةً وتقلدها من المشركين أجياداً، ولا تنبو صوارمنا، حتى تتخذ لها من وريد كل معاندٍ مورداً ومن قمم كل ناكثٍ أغماداً، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أسرى الله به إليه فبلغ في الارتقاء سبعاً شداداً، وأنزل عليه أشرف كتبه بياناً وأعجزها آيةً واوضحها إرشاداً، وبعثه إلى الأحمر والأسود فسعد من سعد به إيماناً وشقي من شقي به عناداً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين لم يألفوا في طاعة الله وطاعته مهاداً، صلاةً لا تستطيع لها الدهور نفاداً، ولا تملها الأسماع تعداداً وترداداً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من سما به منصبه الذي عرف به قديماً، وزهيت به رتبته، التي لم يزل فيها لاقتناء الشكر مستديماً، وتحلت به وظيفته، التي لم يبرح يلبس بها ثوب الثناء قشيباً ويجر بها رداء السعد رقيماً، وتقاضت له عوارفنا معارفه التي لم يزل عقدها في جيد المراتب السنية نظيماً، وتطلع إليه مكانه فكأنه بقدم هجرته لم يبرح فيه وإن بعد عنه مقيماً- من لم يزل قلمه بصرفه في أسنى ممالكنا الشريفة كاسمه سعيداً، وطرف نظره فيما يليه من المناصب السنية يريه من المصالح ما كان غائباً ويدني إليه من أسباب التدبير ما كان بعيداً؛ فما أعمل في مصالح الدولة القاهرة قلماً إلا وأقبلت نحوه وجوه الأموال سافرة، ولا لحظ في مهمات وظائفها أمراً إلا وعاودته أسباب التثمير النافرة، ولا اعترض قلمه بنطقه وفكره إلا وغدت الثلاثة على كل ما فيه عمارة ما يفوض غليه من الأعمال متضافرة؛ وذلك لما اجتمع فيه من عفة نفسه وكمال معرفته وطهارة يراعه، واتصف به من حسن اضطلاعه وجميل اطلاعه، وجبلت عليه طباعه من نزاهةٍ زانت خبرته ومن ينقل مشكوراً عن طباعه.ولما كان فلانٌ هو الذي حنت إليه رتبته وتلفت إليه منصبه ودعته وظيفته النفيسة إلى نفسها، واعتذرت بإقبالها غليه في يومها عن نشوزها عنه في أمسها، واشتاقت إلى التحلي بفضائله التي لم تزل تزهى بما ألفته منها على نظرائها من جنسها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجمل لها عادتها ونجدد له من الإحسان بمباشرتها السعيدة إعادته، ونعيد إليه بمباشرة نظره الجميل مسرته التي ألفها وسعادته.فلذلك رسم........... - لا زال بره لعماد الدين رافعاً، وأمره بالأحسان شافعاً- أن يفوض إليه نظر المملكة الحلبية على عادة من تقدمه.فليباشر هذه المملكة التي هي من أشهر ممالكنا سمعة، وأيمنها بقعة، وأحسنها بلاداً، وأخصبها رباً ووهاداً، وأكثرها حصوناً شواهق، وقلاعاً سوامي سوامق، وثغوراً لا تشيم ما افتر منها البروق الخوافق، مباشرةً تزيد مصالحها على ما عرفته، وتريها من خبرته فوق ما ألفته، وتدل على ما فيه من كفاءة هذبتها التجارب، وهدتها الأنوار الثواقب، وصرفتها الأفكار المطلعة على الطوالع من المغارب، وسددها إلى الأغراض الجميلة الخلو من الأغراض، ووقفها على جواهر الصواب عدم اعتراض النظر إلى الأعراض، وأراها التوفيق ما تأتي من وجوه التدبير وما تذر، وعرفتها المعرفة الاحتراس من مخالفة الصواب فما تزال من ذلك على حذر، وفتحت لها الدربة أبواب التثمير فما لحظت أمراً من الأمور الديوانية إلا وبدت البدر؛ ولتكن النعم المصونة المقدم لديه، والنظر في مصالح القلاع المحروسة هو الغرض المنصوص عليه، فليضاعف ذخائرها، ويتفقد موارد أمورها ومصادرها؛ وفي معرفته بقواعد هذه الوظيفة ما يغني عن الوصايا، لكن ملاكها تقوى الله، فليجعلها نجي نفسه وسمير أنسه؛ والخط الشريف........ومنها- نظر الجيش بها.وهذه نسخة توقيع بنظر الجيش بالمملكة الحلبية، وهي:الحمد لله الذي جعل أفق السعادة بطلوع شمسه منيراً، وأقر في رتب العلياء من يغدو ناظرها بحسن نظره قريراً، وحلى مفارق المناصب السنية بصدرٍ إذا تغالى اللسان في وصفه كان بنان البيان إليه مشيراً، واختار لأمصار ممالكنا الشريفة من إذا فوض إليه نظرها كان بنسبته إلى الإبصار حقيقاً به وجديراً.نحمده وهو المحمود، ونشكره شكراً مشرق السعود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً عذبة الورود، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضحت به شيوخٌ من الإسلام منشورة البنود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما أورق عود، وأولج نهار السيوف في ليل الغمود، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن الله تعالى لما خص كل مملكةٍ من ممالكنا الشريفة بكثرة الجيوش والأنصار، وجعل جيوشنا وعساكرنا تكاثر عدد النجوم في كل مصرٍ من الأمصار، وكانت المملكة الشريفة الحلبية هي ركنٌ من أركان الإسلام شديد، وذخرٌ ما دعاهم داعٍ إلا ولباه منهم عددٌ عديد- وجب أن يختار للنظر عليها من الأكفاء من سما في الرآسة أصله وزكا فرعه، فاستحق بما فيه من المعرفة تمييز قدره ورفعه، وفاق في فضل السيادة أبناء جنسه، وأشرقت أفلاك المعالي بطلوع شمسه، وأقر بنظره نظر الجيوش المنصورة، وسارت الأمثلة بما اتفق عليه فيه من حسن خبرة وخيرة، وكان فلانٌ هو الذي طلع في أفق هذا الثناء شمساً منيرة، واختبر بالكفاية والدراية واختير لهذا المنصب على بصيرة، وهو الذي له من جميل المباشرة في المناصب السنية ما هو كالشمس لا يخفى، والذي أحسن النظر في الأقاف المبرورة حتى تمنى كل منصبٍ جليلٍ أن يكون عليه وقفاً، وهو الذي حوى من الفضائل ما لا يوجد له نظيرٌ ولا شبيه، والذي سما إلى رتبة من المعالي رفيعةٍ وكان ذا الجد النبيه والأب لبنيه.فلذلك رسم............... لا زال يقر الناظر بجوده، ويحسن النظر في أمر جيوشه وجنوده- أن يفوض إليه كذا: علماً بأنه أحق بذلك وأولى، وأن كفايته لا يستثنى فيها بإلا ولا بلولا، وأن السداد مقترنٌ بحسن تصريفه، وعلمه قد أغنى عن تعليمه بمواقع التسديد وتوفيقه.فليباشر ذلك بصدرٍ منشرح، وأملٍ منفسح، عاملاً بالسنة من تقوى الله تعالى والفرض، عالماً بأنا عند وصلونا إلى البلاد نأمر بعرض الجيوش: فليعمل على ما يبيض وجهه يوم العرض، وليلزم عدةً من المباشرين بعمل ما يلزمهم من التفريع والتأصيل، والتجريد والتنزيل، وتحرير الأمثلة والمقابلة عليها، وسلوك الطريق المستقيم التي لا يتطرق الذم إليها، والملاحظة لأمور الجيوش المنصورة في قليل الإقطاعات وكثيرها، وجليلها وحقيرها، بحيث يكون علمه محيطاً بذلك إحاطة الليل، ويشترط على من يتعين تنزيله ما استطاع من قوةٍ ومن رباط الخيل، ويقابل الأمور المضطربة بالإضراب، ويسلك أحسن المسالك في سيره وسيرته: فإننا فوضنا إليه الجيوش المنصورة من جند المملكة الحلبية ومن أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب. والوصايا كثيرةٌ وإن كثرت فعلمها عنده، وقد ضرب له منها مثلٌ فليكن على سياقته فيما لم يذكر في العدة؛ وأهم الأمور أن يتمسك من خشية الله بالسبب الأقوى، ويجعل تقوى الله عماده في كل الأمور: فإن خير الزاد التقوى؛ والخط الشريف أعلاه حجةٌ فيه.الطبقة الثانية:من يكتب له من أهل المملكة الحلبية في قطع العادة مفتتحاً برسم إما مع مجلس القاضي أو مع القاضي الأجل ككتاب الدرج ومن في رتبتهم، إن كتب لأحدٍ منهم من الأبواب السلطانية، وإلا فالغالب استبداد نائب السلطنة بها بالكتابة في ذلك. فإن كتب شيءٌ منها من الأبواب السلطانية، فليمش فيه على نحو ما تقدم في الديار المصرية والمملكة الشامية التي قاعدتها دمشق.النوع الثاني من أرباب الوظائف بالمملكة الحلبية:من هو خارجٌ عن حاضرتها، وهم على أصناف:الصنف الأول أربا السيوف، وهم غالب من يكتب لهم عن الأبواب السلطانية:وقد تقدم أن العادة جاريةٌ بتسمية ما يكتب لمن دون أرباب النيابات العظام: من دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزة، والكرك- مراسيم، وأن التقاليد مختصة بالنواب العظام المقدم ذكرهم. ولا يخفى أن النيابات الداخلة في المملكة الحلبية، مما هو تحت أمر نائب السلطنة بحلب، أكثر من كل سائر الممالك الشامية.وبالجملة فأمرهم لا يخرج عن ثلاثة أضرب: إما مقدم ألف، كنائب البيرة، ونائب قلعة الروم المعبر عنها في ديوان الإنشاء بقلعة المسلمين، ونائب ملطية، ونائب طرسوس، ونائب البلستين، ونائب البهنسى، ونائب آياس المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية. وإما طبلخاناه، كنائب جعبر، ونائب درندة ونحوهما. وإما أمير عشرة، كنائب عني تاب، ونائب الراوندان، ونائب كركر، ونائب بغراس، ونائب الشغر وبكاس، ونائب الدربساك، ونائب سرفندكار، ومن في معناهم.وقد تقدم في الكلام على المكاتبات نقلاً عن التثقيف. أن هؤلاء النواب تختلف أحوالهم في الارتفاع والانحطاط: فتارةً تكون عادة تلك النيابة أمير طبلخاناه، ثم يولى فيها عشرةٌ وبالعكس. وقد تكون عادتها طبلخاناه فيستقر بها مقدم ألف وبالعكس. والضابط في ذلك أن من يكتب له المرسوم: إن كان مقدم ألف، كتب مرسومه في قطع النصف بالمجلس العالي، وإن كان طبلخاناه، كتب له مرسومه في قطع النصف أيضاً بالسامي بالياء، وإن كان أمير عشرة كتب مرسومه في قطع الثلث. فأما ما يكتب في قطع النصف، فإنه يفتتح بالحمد لله سواء كان صاحبه مقدم ألفٍ أو أمير طبلخاناه.وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة آياس، وهي المعبر عنها بالفتوحات الجاهانية، يستضاء بها في ذلك، وهي: الحمد لله الذي جعل من أولياء دولتنا الشريفة كل سيفٍ لا تنبو مضاربه، واصطفى لبوادر الفتوحات من أنصارنا من تحمد آراؤه وتجاربه، وألهمنا حسن الاختيار لمن تؤمن في المحافظة مآربه، وتعذب في المخالطة مشاربه، وحقق آمالنا في مضاعفة الفتح التي أغنى الرعب فيها عما تدافعه سيوف الإسلام وتحاربه.نحمده حمداً يضاعف لنا في التأييد تمكيناً، ونشكره شكراً يستدعي أن يزيدنا من فضله نصراً عزيزاً وفتحاً مبيناً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نخلص فيها يقيناً من المخاوف يقينا، ونرد من نهلها معيناً، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بالملائكة والروح، وزوى له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها ونرجو أن يكون ما زواه له مدخراً لنا من الفتوح، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم خير أمةٍ أخرجت للإسلام، والذين ما زال الإيمان بهم مرفوع الألوية والأعلام، والذين لم يبرح داعي الضلالة تحت قهر سيوفهم: فإذا أغفى جرت عليها سيوفها الأحلام، صلاةً يطيب اللسان منها فيطرب، ويعرب عن صدق الإخلاص في تكرارها فيغرب، وسلم تسليماً.أما بعد، فإن أولى من تستند أمور الممالك لعزمته، ويلقى أمر بوادر الفتوحات السعيدة لهمته، ويعتمد في تدبير أحوال البلاد والعباد على يمن تصرفه وممتد نهضته- من لم يزل معروفاً سداد رأيه، مشكوراً في الخدمة الشريفة حسن سعيه، مؤيداً في عزمه، مظفراً في حزمه، مأمون التأثير، ميمون التدبير، كافياً في المهمات، كافلاً بعلو الهمات، إذا هم ألقى بين عينيه صادق عزمه، وإذا اعتمد عليه في مهم تلقاه بهمته وحزمه، وإذا جرد كان هو السيف اسماً وفعلاً، وإذا دارت رحى الحرب الزبون فهو الشهم الذي لا يخاف سهماً ولا يرهب نصلاً.ولما كان هو بدر الأفق، ومقلد هذا العقد ولا يصلح هذا الطوق إلا لهذا العنق، وهو الذي فاق الأولياء اهتماماً، وراق العيون تقدماً وإقداماً، وأرضى القلوب نصحاً ووفاء، وأنضى الهمم احتفالاً للمصالح واحتفاء؛ طالما جرب فحمد عند التجارب، وجرد فأغنى عن القواضب، واختبر فاختيير، ونظر في خصائصه فلم يوجد له نظير- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نقلده فتوحاتٍ أنقذها الله تعالى من شرك الشرك، وأخرجها إلى النور بعد ظلام الإفك، وبشرها أن هذه سحابة نصرٍ يأتي وابله إن شاء الله تعالى بعد رذاذه، وأنها مقدمة سعدٍ تتلو قوله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرةً تأخذونها فعجل لكم هذه}.فلذلك رسم......................... - لا زال الفتح في دولته يزهو بانتظام سلكه؛ وأيامه الشريفة تسترد مغتصب البلاد من يد الكفر إلى بسطة ملكه وقبضة ملكه، وإحسانه يحمي الحصون بسيفٍ يروع العدا ببأسه وفتكه- أن يفوض........... اعتماداً على مضائه الذي لا ينكر مثله للسيف، وركوناً إلى همته التي تسرى برعبها إلى قلوب الأعداء سرى الطيف.فليباشر النيابة المذكورة: معملاً رأيه في تمهيد أحوالها، وتقرير أمورها التي راق الأولياء راع الأعداء ما كان من مآلها، مجتهداً في حفظ ما بها من القلاع والحصون، مبادراً إلى كل ما يحمي حماها ويصون، قائماً حق القيام في مصالح تقريرها، وأحوال تحريرها، وأمور تمهدها، ومنافع تشيدها، وحواصل تكفيها، واسباب مصلحةٍ توافيها بمزيد الاهتمام وتوفيها، وليكن بأحكام الشرع الشريف مقتدياً، وبنور العدل والإحسان مهتدياً، وبتقوى الله عز وجل متمسكاً، وبخشية الله متنسكاً؛ وهو يعلم أن هذه الفتوحات قذىً في حدقة العدو المخذول وشجاً في حلوقهم، وعلةً في صدورهم وحسرةً في قلوبهم.فليكن دأبه الاجتهاد الذي ليس معه قرار، والتحرز الذي يحليها أو يحميها فيكون عليها بمنزلة سورٍ أو سوار، ويصفحها من عزمه بالصفاح، ويجعل عليها من شرفات حزمه ما يكون أحد من أسنة الرماح، ثم لا يزال احتياطه محيطاً بها من كل جانب، وتيقظه لأحوالها بمنزلة عين مراقب، واحتفاله الاحتفال الذي بمثله يصان رداؤها من كل جاذب؛ ثم لا تزال قصاده وكشافه وطلائعه لا يقر بهم السرى، ولا يعرفون طعم الكرى، يطلعون من أخبار العدا على حقائقها، وتتحيل كل فرقة منهم على معرفة الأحوال بينهم بمكرٍ من تعدد طرقها واتساع طرائقها، لتكون المتجددات عنده بمنزلة ما يراه في مرآة نظره، وسر أمور العدا لديه قبل أن يشيع بينهم ذكر خبره؛ والوصايا كثيرةٌ وهو بحمد الله لا يحتاج مع معرفته إلى تبصرة، ولا يفتقر مع حسن بصيرته إلى تذكرة، والله تعالى يتولاه، ويعينه على ما ولاه؛ بعد الخط الشريف أعلاه.وأما من يكتب له في قطع الثلث بمجلس الأمير وهم الشعرات فقد ذكر في التعريف: أنه يكتب لهم من الأبواب السلطانية على ذلك.قلت: وقد تقدم في الطبقة السابعة أن الكختا، وكركر، والدربساك، قد تكون عشرةً أيضاً. وفي معنى ذلك نيابة عين تاب، والراوندان، والقصير، والشغر وبكاس، إذا كانت عشرة. ونيابة دبركي إذا كانت عشرة فيفتتح فيها بأما بعد حمد الله على عادة ما يكتب للعشرات.وهذه نسخة مرسومٍ شريف من هذه الرتبة، كتب به لنائب حجر شغلان من معاملة حلب، وهي: أما بعد حمد الله الذي شيد المعاقل الإسلامية بأكفائها، وصان الحصون المحروسة بمن شكرت همته في إعادتها وإبدائها، وحمى سرحها بمن أيقظ في الخدمة الشريفة عيون عزمه فما ألمت بعد إيقاظه بإغفائها، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي انتضى سيوف التأييد فأعزت الهدى وأذلت العدا حين انتضائها، وعلى آله وصحبه ما بدت النجوم في ظلمائها، وسرت الغيوم في فضائها- فإن من شكرت هممه، وثبتت في الطاعة الشريفة قدمه، وأشبه عزمه في مضائه صارمه، وأضحت ثغور تقديمه باسمة- أولى بأن ترفع هذه الدولة الشريفة من محله، وتنشر عليه من تكريمها وارف ظله، وترتضيه لقلاع الإسلام وتشييدها، وتجتبيه لصونها وتأييدها، وتجعله قرة عينها وحلية جيدها، وتمضي كلمته ف مصالحها، وتعدق به أسباب مناجحها، فيصبح ولقدره منا إعلاءٌ وإعلان، ويمسي وله شغلٌ بطاعتنا العالية الشان، وشغل بالمعقل الذي يحرز بعزمه ويصان، فلأجل ذلك غدا وله من هذه النيابة على الحقيقة شغلان.وكان فلان هو الذي جادت عليه دولتنا الزاهرة بسحائبها، وأشرقت على حظوظه سعود كواكبها، وأسمت له قدراً، وجعلت له إمرةً وأمراً، وصرفته إلى نيابة معقلٍ معدودٍ من قلاع الممالك الإسلامية وحصونها، ومعاقلها التي علت محلاً فالجبال الشم من دونها، قد أصبح شاهقاً في مبناه، ممنعاً في مغناه، محصناً برجاله، مصوناً من ماضيين: السيف في مضائه والعزم ف احتفاله- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوقله رتبة هذه النيابة، وننشر عليه من إحساننا سحابه.فذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال............... أن يستقر................فليحل هذه النيابة المباركة مظهراً من عزمه ما تحمد عواقبه، وتعلو مراقبه، وتسمو مراتبه، وتتوضح سبله ومذاهبه، محصناً لسرحه، معززاً مواد نجحه، مراعياً أحوال رجاله، المعدين من حماته وأبطاله، حتى يغدو يقظين فيما يندبهم إليه ويستنهضهم فيه، مبادرين إلى كل ما يحفظ هذا الحصن ويحميه؛ ومن بهذا المعقل من الرعية فليرفق بضعفائهم، وليعاملهم بما يستجلب لنا به صالح دعائهم؛ والوصايا كثرةٌ وملاكها التقوى، فليتمسك بها في السر والنجوى، وليغرسها في كل قول يبديه، وفعل يرتضيه، فإن غروسها لا تذوى. والله يوفقه لصالح القول والعمل، ويصونه من الخطإ والخطل؛ والخط الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى تعالى، والحمد لله وحده.قلت: وقد تقدم أنه لا يكتب عن السلطان مرسومٌ بنيابة في قطع العادة، لأن ذلك لا يكون إلا لجندي وهو دون، ومثل ذلك إنما يكتب عن نواب الممالك.الصنف الثاني مما هو خارجٌ عن حاضرة حلب الوظائف الدينية بمعاملتها من القلاع وغيرها.وهي في الغالب إنما تصدر الكتابة فيها عن نائب حلب أيضاً أو قاضيها، إن كان مرجع ذلك إليه. فإن صدر شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية، كان في قطع العادة مفتتحاً برسم.وهذه نسخة توقيعٍ من هذا النمط ينسج على منواله، كتب به لقاضي قلعة المسلمين، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال عدله مؤيداً للحكام، وريأيه مسدداً في النقض والإبرام، وسلطانه يختار للمناصب الدينية من نطقت بشركه ألسنة الأنام- أن يستقر في كذا: لما اشتهر عنه من علم ودين، وظهر من حسن سيرةٍ اقتضت له التعيين.فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالحق حاكماً، وللرفق ملازماً، وللتقوى مداوماً؛ وهو غنيٌّ عن الإسهاب في الوصايا، مليٌّ بسلوك تقوى الله في القضايا؛ والله تعالى يزيده تأييدأً، ويضاعف له بمواد السعادة تجديداً؛ والعلامة الشريفة أعلاه، حجةٌ بمقتضاه.الصنف الثالث مما هو خارج عن حاضرة حلب الوظائف الديوانية:وهي إنما تصدر في الغالب أيضاً عن نائب حلب. فإن كتب شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية، كان في قطع العادة مفتتحاً برسم بالأمر.وهذه نسخة توقيع من ذلك، يستضاء به فيما يكتب من هذا النوع، كتب بها بنظر جعبر، من معاملة حلب، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال منهل الندى، مستهل الجدى، معيداً للإحسان كما بدا- أن يعاد فلانٌ إلى وظيفته: لما ألفت من سيرةٍ له لم تزل تحمد، وسيما خيرٍ منه على مثل الشمس تشهد، ولأمانته التي لم تزل تفتر بها الثغور، وتخضر بها المعاهد: تارةً في طوق النحر وتارةً في نحور البحور، وأصالةٍ امتد ظلها الظليل، وعرف منها في العصر حسن الأصيل، وأينعت أكرم فرعٍ زكا منبته في الأرض المقدسة وجوار الخليل، ولما أسلف في هذه المباشرة من عملٍ صالح، وسداد اعتمادٍ لم يخرج عن تحرير تقريرٍ وتقرير مصالح، وكتابةٍ رآها الرائي ونقلها الناقل، وكفايةٍ حفت عليه مثل العروس المجلوة من عقائل المعاقل.فليباشر هذه العروس فقد أنقدها سالف الخدم وأمهرها، وليثابر سقيا الغروس التي أنشأها في هذه الجهة وثمرها، وليسلك مسلكه الذي لم يزل مخيماً على رؤوس الفتن، ومهوماً به طرف الأمن لليقظة الذي لا يلم به الوسن، مخولاً في وظيفته المبرات، مستقبلاً للمسرات، مفتخراً بمباشراته التي تجري مجاري البحار: تارةً الملح الأجاج وتارةً العذب الفرات؛ وهو أعرف بما يقدمه من أمانةٍ بها يتقدم، وديانة يرجب بها استكفاؤه ويحكم؛ وتقوى الله جماعها فليكن بها متمسكاً، وبمشاغلها متنسكاً؛ والله تعالى يجعل عطاءه موفراً، وعمله متدفقاً ليرد جعبراً جعفراً.النيابة الثالثة: نيابة طرابلس، ووظائفها التي جرت العادة بالكتابة فيها من الأبواب السلطانية على نوعين:النوع الأول: ما هو بحاضرة طرابلس، وهو على ثلاثة أصناف:الصنف الأول أرباب السيوف وهم على طبقتين:الطبقة الأولى من يكتب له تقليد:وهو نائب السلطنة بها. ومرسومه في قطع الثلثين، ولقبه الجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة.وهذه نسخة تقليد شريف بنيابتها:الحمد لله الذي جعل لنا التأييد مدداً، والنصر عتاداً لا نفقد مع وجوده من الأولياء أحداً، والعز وزراً تصم شهبه مسامع العدا: فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً، والفتح ذخراً فحيث ما نشاء مددنا إليه بقوة الله يداً، وشددنا عليه بمعونته عضداً.نحمده على نعمه التي جعلت مراتب دولتنا فلكاً تشرق في رتب الأولياء إشراق البدور، وثغور ممالكنا أفقاً حيثما شامته العدا ضرب بينهم وبينه من سيوف مهابتنا بسور، وفواتح الفتوح النائية دانيةً من همم أصفيائنا فإذا يمموا غرضاً طارت إليه سهامهم بأجنحة النسور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يرفع الجهاد علمها، وينصر الإيمان كلمها، ويزجي الإيقان إلى رياض التأييد ديمها، ويستنطق التوحيد بإعلائها وإعلانها سيف أيامنا الزاهرة وقلمها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ونبيه المخصوص بالآيات والذكر الحكيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نصروا الله فنصرهم، وأظهروا دينه فأعزهم وأظهرهم، ويسروا لأمته سبل الهدى فهداهم وللسبيل يسرهم، صلاةً لا يزال اليقين يقيم دعوتها، والتوحيد يعصم من الانفصام عروتها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى من تفتر الثغور بإيالته، عن شنب النصر، وترمي الحصون بكفالته، من شام من العدا برقها بشررٍ كالقصر، وتقسم السواحل بمهابته، من جاور من أهل الكفر بحرها بين الحصد والحصر، وتمنع عزماته شواني العدا أن تدب عقاربها، أو تركب اللجج بغير أمانه مراكبها، أو ينتقل عن ظهر البحر إلى غير سيوفه أو قيوده محاربها- من لم يزل في نصرة الدين لامعاً كالبرق شهابه، زاخراً كالبحر عبابه، واصباً على الشرك عذابه، ظامياً إلى موارد الوريد سيفه، سارياً إلى قلوب أهل الكفر قبل جفونهم طيفه، قائمةً مقام شرف الحصون أسنة رماحه، غنية بروج الثغور عن تصفيحها بالجلمد بصفا صفاحه، مع خبرة بتقدمة الجيوش تضاعف إقدامها، وتثبت في مواطن اللقاء أقدامها، وتسدد إلى مقاتل أهل الكفر سهامها، وتقرب عليها في البر والبحر منالها وتبعد مراميها على من رامها، ومعدلةٍ للرعايا السكون في مهاد أمنها، والركون إلى ربا إقبالها ووهاد يمنها؛ فسرب الرعايا مصونٌ بعدله، والعدل مكنونٌ بين قوله وفعله.ولما كان فلانٌ هو الليث الذي يحمى به غابه، والنير الذي يزهى أفقٌ تألق فيه شهابه، والهمام الذي تعدي همهه فرسان الوغى فتعد آحادها بالألوف، والشجاع الذي إذا استعانت سواعد الشجعان بسيوفها استعانت بقوة سواعده السيوف- اقتضت آراؤانا الشريفة أن نحلي به جيد مملكةٍ انتظمت على وشام البحر، وأحاطت بما في ضميره من بلاد العدا إحاطة القلائد بالنحر.فرسم بالأمر الشريف لا زال............................ أن يفوض إليه كيت وكيت: لما أشير إليه من أسباب تعينه لهذه الرتبة المكينة، وتحليه بما وصف من المحاسن التي تزهى بها عقائل الحصون المصونة.فليل هذه النيابة الجليلة بعزمة تجمل مواكبها، وهمة تكمل مراتبها، ومهابةٍ تحوط ممالكها، وصرامة تؤمن مسالكها، ومعدلةٍ تعمر ربوعها ورباعها، ويقظة تصون حصونها وقلاعها، وشجاعة تسري إلى العدا سرايا رعبها، وسطوة تعدي السيوف فلا تستطيع الكماة الدنو من قربها، وسمعة ترهب مجاوريه حتى يتخيل البحر أنه من أعوانه على حربها.وليؤت تقدمة الجيوش الإسلامية حقها من تدبير يجمع على الطاعة أمرها وأمراءها، ويرفع في مراتب الخدمة الشريفة على ما يجب أعيانها وكبراءها، ويرهب بإدامة الاستعداد قلوب أعدائها، ويربط بأيزاكها شواني البحر حتى تعتد الرباط في ذلك من الفروض التي يتعبد بأدائها؛ فلا يلوح قلع في البحر للعدا إلا وهو يرهب الوقوع في حبالها، ولا تلحظ عين عدوٍّ سنا البر إلا وهي تتوقع أن تكحل بنصالها؛ وليقم منار العدل بنشر لوائه، ويعضد حكم الشرع الشريف برجوعه إلى أوامره وانتهائه، وليكف يد الظالم عنها فلا تمتد إليها بنان، وليشفع العدل بالإحسان إلى الرعية فإن الله يأمر بالعدل والإحسان؛ وفي سيرته التي جعلته صفوة الاختيار، ونخبة ما أوضحته الحقيقة من الاختبار، ما يغني عن الوصية إلا على سبيل الذكرى التي تنفع المؤمنين، وترفع قدر الموقنين؛ وملاكها تقوى الله تعالى: فليجعلها أمام اعتماده، وإمام إصداره وإيراده؛ والله تعالى يديم مواد تأييده وإسعاده، إن شاء الله تعالى.الطبقة الثانية من يكتب له مرسومٌ شريفٌ في قطع الثلث بالمجلس السامي بغير ياء، وتشتمل على وظائف:منها- شد الدواوين بطرابلس.وهذه نسخة توقيع بها: الحمد لله مجدد الرتب لمن نهض فيها إخلاصه بما يجب، ومولي المنن لمن إذا اعتمد عليه من مهمات الدولة القاهرة في أمرٍ عرف ما يأتي فيه وما يجتنب، ومؤكد النعم لمن إذا ارتيدت الأكفاء في الخدمة الشريفة كان خيرة من يختار ونخبة من ينتخب.نحمده على نعمه التي سرت إلى الأولياء عوارفها، واشتمل على الأصفياء وافر ظلالها ووارفها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تزلف لديه، وتكون لقائلها ذخيرةً يوم العرض عليه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف مبعوث إلى الأمم، وأكرم منعوت بالفضل والكرم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولوا أمر الأمة فعدلوا، وسلكوا سنن سنته فما مالوا عنها ولا عدلوا، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى ما اختير له من الأولياء كل ذي همة عليه، وعزمة بمصالح ما يعقد به من مهمات الدولة القاهرة ملية، وخبرة بكل ما يراد منها وفية، ويقظة تلحظ في كل ا قرب ونأى من المصالح الأمور الباطنة والأحوال الخفية، وصرامة تؤيس من استلانة جانبه، ونزاهة تؤمن من إمالة رأيه في كل أمرٍ عن سلوك واجبه، ومعرفة مطلعة، ونهضة بكل ما إن حمله من أعباء المهمات الشريفة مضطلعة- أمر الأموال الديوانية: فإنها معادن الأرزاق، ومواد مصالح الإسلام على الإطلاق، وخزائن الدولة التي لو ملكتها الغمائم لأمسكت خشية الإنفاق، وذخائر الثغور التي مواقعها من أعداء الدين مواقع الشجا في القلوب والقذى في الأحداق.ولما كان المجلس السامي هو الذيسمت به هممه، ورسخت في خدم الدولة القاهرة قدمه، وتبارى في مصالح ما يعدق به من المهمات الشريفة سيفه وقلمه، وكانت المملكة الطرابلسية من أشهر ممالكنا سمعة، وأيمنها بقعة، وأعمرها بلاداً، وأخصبها رباً ووهاداً، وأكثرها حصوناً شواهق، وقلاعاً سوامي سوامق، وثغوراً لا تشيم ما افتر من ثغورها البروق الخوافق، ولها الخواص الكثيرة، والجهات الغزيرة، والأموال الوافرة، والغلات المتكاثفة المتكاثرة- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرتاد لها من يسد خلل عطلها، ويشد عضد ميدها وميلها، وينهض من مصالحها بما يراد من مثله، ويعيد لها بحسن المباشرة بهجة من فقدته من الأكفاء من قبله.فلذلك رسم............... أن يفوض إليه شد الدواوين المعمورة بالمملكة الطرابلسية والحصون المحروسة، على عادة من تقدمه في ذلك.فليباشر ذلك بمعرفة تستخرج الأموال من معادنها، وتستثير كوامن المصالح من مكامنها، وتثمر أموال كل معاملة بحسن الاطلاع عليها، وصرف وجه الاعتناء إليها، وتفقد أحوال مباشريها، ومباشرة ما يتجدد من وجوه الأموال فيها، وضبط ارتفاعها بعمل تقديره، وحفظ متحصل ضياعها من ضياعه وصون بذارها عن تبذيره، وليجتهد في عمارة البلاد بالرفق الذي ما كان في شيءٍ إلا زانه، والعدل الذي ما اتصف به ملكٌ إلا صانه، والعفة التي ما كانت في امريءٍ إلا وفقه الله تعالى في مقاصده وأعانه، وليقدم تقوى الله بين يديه، ويتعتمد على توفيقه فيما اعتمد فيه عليه، إن شاء الله تعالى.قلت: وعلى ذلك يكتب شد مراكز البريد ونحوها.الصنف الثاني من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الدينية، وهي على مرتبتين:المرتبة الأولى من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء، وتشتمل على وظائف:منها: القضاء. وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة: من كل مذهب قاض.وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الشافعية بها، ينسج على منواله، وهي: الحمد لله الذي أعز الدين بعلمائه، وعضد الحكم بالمتقين من أوليائه، وأوضح الرشد للمقتدين بمن جعلهم في الهداية كنجوم سمائه، وجعل لكل من الأئمة من مطالع الظهور أفقاً يهتدى فيه بأنواره ويقتدى بأنوائه.نحمده على أن جعل سهم اجتهادنا في الارتياد للأحكام مصيباً، وقسم لكل من أفقي ممالكنا من بركة علماء قسيمه الآخر نصيباً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصم من الهوى في الحكم لعباده، وتفصم العرا ممن جاهر فيها بعناده، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي اضاءت أنوار ملته، فاستشف العلماء لوامعها، ووضحت آثار سنته، فأحرز أئمة الأئمة جوامعها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين دعوا إلى الله فأجابوا، ودعوا إلى الحكم بسنته فأصأبوا، صلاةً لا تزال الألسن تقيمها، والإخلاص يديمها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى ما أدى فيه الاجتهاد جهده، وبلغ فيه الارتياد حده؛ واستضيء فيه بنور التوفيق، واستصحب فيه من استخار الله خير رفيق- أمر الحكم العزيز وتفويضه إلى من وسع الله تعالى مجال علمه، وسدد مناط حكمه، وطهر مرام قلبه، ونور بصره في الحكم وبصيرته فأصبح فيهما على بينة من ربه، فاجرى الحق في البحث والفتيا على لسانه ويمينه، ونزهه عن إرادة العلم لغير وجهه الكريم، ونبهه على ابتغاء ما عند الله بذلك والله عنده أجر عظيم.ولما خلا منصب قضاء القضاة بطرابلس المحروسة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه: وهو المنصب الذي يضيء بالأئمة الأعلام أفقه، وتلتقي بالفضلاء الكرام طرقه، وتحتوي على أرباب الفنون المتعددة مجالسه، وتزكو بالفوائد المختلفة مغارسه، وكان فلانٌ هو الذي أشير إلى خصائص فضله، ونبه على أن الاجتهاد للأمة أفضى إلى إسناد الحكم منه إلى أهله، وأنه واحد زمانه، وعلامة أوانه، وجامع الفضائل على اختلافها، وقامع البدع على افتراق شبهها منه وأتلافها، وحاوي الفروع التي لا تتنناهى، والمربي على رب كل فضيلةٍ لا يعرف غيرها ولا يألف سواها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجزم من ارتياده لهذه الرتبة بهذا الرأي السديد، وأن نقرب سراه إلى هذا المنصب الذي ناداه بلسان الرغبة من مكان بعيد.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه كالبدر، يملأ المشارق والمغارب، وبره كالبحر، يقذف للقريب الجواهر ويبعث للبعيد السحائب- أن يفوض إليه كذا.فليطلع بذلك الأفق الذي يترقب طلوعه رقبة أهلة المواسم، ويسرع إلى تلك الرتبة التي تكاد تستطلع أنباءه من الرياح النواسم، وينشر بها فرائده التي هي أحق أن تطوى إليها المراحل، ويقدم بها على الأسماع الظأمية لعذب فوائده قدوم الغمام على الروض الماحل، ويل هذا المنصب الذي هو فيه بين عدل ينشره، وحقٍّ يظهره، وباطل يزهقه، وغالب يرهقه، ومظلوم ينصره.وليكن أمر أموال الأيتام المهم المقدم لديه، وحديث أوقاف البر من أول وأولى مايصرف فكره الجميل إليهه، ويتعاهد كشف ذلك بنفسه، ولا يكتفي في علمه فعل اليوم باطلاعه على أمره في أمسه؛ وهو يعلم أن الله يجعله بذلك مشاركاً للواقفين في الأجر المختص بهم والشكر المنسوب إليهم، خارجاً من العهدة في أمر اليتامى باستعمال الذين يخشون لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم؛ وليقم منار الحق على ما يجب وإن سر قوماً وساء قوماً، ويقم بالعدل على ما شرع: فإن عدل يومٍ خيرٌ للأرض من أن تمطر أربعين يوماً.وأما ما عدا ذلك من أحوال الحكم وعوائده، وآداب القضاء وقواعده، فكل ذلك من خصائصه يستفاد، ومن معارفه يستزاد؛ وملاك ذلك كله تقوى الله وهي من أطهر حلاه الحسنة، وأشرف صفاته التي تتداولها الألسنة؛ فليجعلها وسيلة تسديده في القول والعمل، وذخيرة آخرته التي ليس له في غيرها أمل، ويقلد العلى فيما حدثته من أسباب نقلته فإن كمال العز في النقل؛ والله تعالى يمده بمواد تأييده وقد فعل، ويجعله من أوليائه المتقين وقد جعل، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.قلت: وعلى ذلك تكتب تواقيع القضاة الثلاثة الباقين.ومنها: وكالة بيت المال.وهذه نسخة توقيع من ذلك، وهي: الحمد لله الذي عمر بيت مال المسلمين بسداد وكيله ونمو تحصيله ومزيد تمويله، وتمسكه بالصدق من قيله، وسلوكه ما تبين من سبيله، واعتماده الحق في دليله؛ ودفعه المضار وجلبه المسار بتخويله.نحمده على بره وتفضيله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ تنزه عن نده ومثيله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله لتمام هذا الدين وتكميله، وأنزل عليه المعجزات في تنزيله، وحفظ به الذكر الحكيم من تبديله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وقبيله، وسلم تسليماً.وبعد، فإن بيت المال المعمور هو نظام الإسلام، وذخر الأنام، وفيه محصول المسلمين تحت نظر الإمام، وفيه مادة المجاهدين في سبيل الله على تطأول الأيام، وإليه تجبى القناطير المقنطرة من الأموال، وعنه تصدر المبيعات من الأملاك ما بين أراض وأبنية ومحال. والوكيل على ذلك عنا بالمملكة الطرابلسية المحروسة هو الذاب عن حوزته، القائم بتأمين روعته، المجتهد ف تمييز رجعته؛ وينبغي أن يكون من العلماء الأعلام الأئمة، المعول عليهم في الأمور المهمة، البصير بما يترجح به جانب بيت المال المعمور ويكشف كل غمه، العريق في السيادة التي انقادت إليها السجايا الجميلة بالأزمة.ولما كان فلانٌ هو الراقي هضبة هذه المآثر، الطالع كوكب مجده السافر، المستحق لكل ارتقاءٍ على المنابر، ويعد سلفاً كريماً نصيراً في المفاخر، ويمت ببيتٍ بحره زاخر؛ وله في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه بحثٌ فاق به الأشابه والنظائر، وعنده علمٌ بالمسائل المضروب مثلها السائر- فلذلك رسم........................فليباشر هذه الوظيفة محترزاً في كل ما يأتيه ويذره، ويقصده ويحرره، ويورده ويصدره، ويبنيه ويقدره، ويخفيه ويظهره، ويبديه ويستره، ويدنيه ويحضره، ويقرر جانب بيت المال المعمور، بما فيه الحظ الموفور، والغبطة في كل الأمور؛ وهو عالمٌ بما فيه صلاح الجمهور؛ ومن رغب في ابتياع أراض وقراح، وأبنية وأملاك ورحاب فساح؛ مما هو جار في ملك بيت المال فليوفر جانب القيمة على ما فيه الصلاح، وهو بحمد الله من بيت الدين والصلاح والإصلاح، وهو يقوي بإسناده الأحاديث الصحاح؛ ومن له حقٌّ في بيت المال فليسمع دعوى مدعيه، ولا يصرف درهماً ولا شيئاً إلا بحقٍّ واضحٍ فيما يثبته فيه، وهو وكيلٌ مأمونٌ في تأتيه، ومعنى الوكيل الذي يوكل إليه الأمر الذي يليه.والوصايا كثيرةٌ وأجلها تقوى الله بالسمع والبصر واللسان؛ فمن تمسك بها من إنسان فإنه يفوز بالإحسان؛ وهو غنيٌّ عن الوصايا بما فيه من البيان؛ والله يجعله في كلاءة الرحمن، بمنه وكرمه!. والخط الشريف أعلاه...............................، إن شاء الله تعالى.قلت: وقد يكتب لوكالة بيت المال ونحوها بالافتتاح بأما بعد على قاعدة أصل الكتابة في قطع الثلث. والكاتب في ذلك على ما يراه بحسب ما يقتضيه الحال.المرتبة الثانية من تواقيع أربا الوظائف الدينية بطرابلس- من يكتب له في قطع العادة، مفتتحاً برسم:وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بوظيفة قراءة الحديث النبوي، على قائله أفضل الصلاة والسلام، لمن اسمه يحيى يستضاء به في ذلك، وهي:رسم بالأمر الشريف- لا زال رميم الفضل بأرواح عنايته يحيا، وأحاديث مننه الحسان تعيها أذنٌ واعيةٌ من طيب السماع لا تعيا، ولا برحت أولياء خدمه تثني على صدقاته بألسنة الأقلام، وتدير على الأسماع من رحيقها كؤوساً مسكية الختام- أن يستقر في كذا استقراراً ترشف الأسماع، كؤوس روايتها فلا تروى، ورتب كماله يقصر عن طلوعها كل باعٍن فمناواته لا تنوى، وربوع معروفه لا تبيد، وآيات صلاته ينطق بتلاوتها كل بليغ فيبديء ويعيد، لأنه العالم الذي أحيا من مدارس العلوم ما درس، والفاضل الذي أضاء ببصر علومه ليل الجهل ولا غرو: فطرة الصبح تمحي آية الغلس، والكامل الذي لا يشوب كماله نقيصة، والأمثل الذي أتته المعالي رخيصة، والإمام الذي تأتم وراءه الأفاضل، وتأخر عصره ففاق الأوائل؛ ما درس إلا وجمع من فوائد أبي حنيفة وابن إدريس، ولا عرس بليل الطلب إلا حمد عند إدراك طلبه ذلك التعريس، ولا أعاد الدروس للطلبة إلا وترشحت منه بالفوائد، ولا جمع ما فصله العلماء إلا وأتى بالجمع الذي لا نظير له في الفرائد.فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً أنوار هداها لا تخمد، وليلازمها ملازمةً تشكره عليها الألسنة وتحمد؛ وأنت- أدام الله تعالى فوائدك- لا تحتاج إلى الوصايا إذ أنت بها علام، وبأسبابها متمسكٌ وبالقيام بها يقظٌ غير نائم؛ لكن التقوى أولى بمن عرف الأمور، ولباس سوابغها يبعد كل محذور؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه.الصنف الثالث من الوظائف بطرابلس التي يكتب لأربابها من الأبواب السلطانية- الوظائف الديوانية، وهي على مرتبتين:المرتبة الأولى ما يكتب في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء، وتشتمل على وظائف:منها: كتابة السر، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان المكاتبات.وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك، وهي: الحمد لله الذي جعل الأسرار عند الأحرار، وطوى الصحف على حسنات الأبرار، وأجرى الأقلام ترجماناً للأفكار، وجعل الحفظة يكتبون الأعمال مع تطأول الأعمار، آناء الليل وأطراف النهار، وبسط المعاني أرواحاً، والألفاظ لها أشباحاً، مع التكرار، وأبهج الصدور بصدور الكتب والإيراد والإصدار.نحمده على فضله المدرار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار، وعملٍ بالجوارح بلا إنكار، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى من مضر بن نزار، المخصوص بالمهاجرين والأنصار، الثاوي بأشرف بقعة تزار، المشرف كتاب الوحي: فهم يكتبون بما يمليه عليهم المختار، وجبريل يلقي على قلبه الآيات والأذكار، عن رب العزة المسبل الأستار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما نفح روضٌ معطار، وسح صوب أمطار، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن ملاك الملك الشريف حفظ سره، والاحتفال بكتبه الشريفة ولفظها ودره، وخطابها ونثره، وخطها ونشره، وختمها وعطره، وتجهيزها مع الأمناء الثقات الذين تؤمن غائلة أحدهم في كل أمره؛ وما ألقي السر الشريف إلا لأكمل الأعيان، وصدر الزمان، وبليغٍ كسحبان، وفصيحٍ كقس في هذا الزمان، وأصيل في الأنساب، وعريق في كرم الأحساب، وفاضلٍ يعنو له فاضل بيسان، وينشي لفظه الدر والمرجان، وكاتب السر فلا يفوه بلسان.ولما كان فلانٌ هو واسطة عقد الأفاضل، ورأس الرؤساء الأماثل، وحافظ السر في السويداء من قلبه، وناظم الدر في سطور كتبه، والمورد على مسامعنا الشريفة من عبارته ألفاظاً عذاباً، القائل صواباً، والمجيد خطاباً، وإذا جهز مهماً شريفاً راعاه بعينه عوداً وذهاباً، وإذا استعطف القلوب النافرة عادت الأعداء أحباباً، وإذا أرعد وأبرق على مأزقٍ أغنى عن الجيوش وأبدى عجباً عجاباً، وإذا كتب أنبت في القرطاس رياضاً خصاباً.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كذا. فليحل هذا المنصب الشريف حلول القمر هالته، وليعد إليه أيام سره وسروره الفائتة، وليعرب عن أصولٍ ثابتة، وفروعٍ في منابت الخير نابتة، ولينفذ المهمات الشريفة أولاً فأولاً من غير أن يعدق مهماً بغيره أو يبيته إلى غده، وليحرر البريد المنصور بيديه غير معتمد فيه على غير رشده، ولا يغب عن وظيفته طرفة عينٍ بل يكون كالنجم في رصده لمرتصده، وليوص كتاب الإنشاء لديه، والمتصرفين بين يديه، بكتم السر فإن ذلك إليه؛ فإذا أفشى أحدٌ من السر كلمة، فليزجره وليأمره أن يحفظ لسانه وقلمه، وليعط كل قضية ما تستحقها من تنفيذ كلمة؛ والابتداءات والأجوبة فلتكن ثغورها بألفاظه متشنبة وعقودها بإملائه منتظمة؛ فأما الابتداء فهو على اقتراحه، وأما الجواب فهو على ما يقتضيه الكتاب الوارد باصطلاحه؛ ولا يملي إلا إلى ثقاته ونصاحه؛ والكتب الملوكية فليوفها مقاصدها، وليراع عوائدها؛ والتقوى فهي الهام من أمره، وختام عطره، وتمام بدره؛ والوصايا فهي كثيرةٌ لديه وفي صدره؛ والله تعالى يكمل به أوقات عصره، بمنه وكرمه! والخط الشريف أعلاه.............ومنها: نظر المملكة، القائمة بها مقام الوزارة.وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك، وهي: الحمد لله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشريفة قلبه ولسانه، ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحها آلة عزمه وبنانه، ومحلي رتب عليائنا الشريفة بمن أشرق في سماء المعالي بدره وإنسانه، وأينعت في غصون الأمان قطوفه وأفنانه.نحمده حمداً يبلغ به أقصى غاية المجد من تبتسم بجميل نظره الثغور، وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تشرق بها البدور، ويعتمد عليها في الأيام والدهور، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، والناشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم، وعلى آله وصحبه الذين اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار، وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار من النظار، وسلم تسليماً.وبعد، فإن أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عز ما زالت بنو الآمال عليها تحوم، وعدقنا بتدبيره الجميل منصب سيادة ما برحت الأماني له تروم، واعتمدنا على هممه العلية فصدق الخبر الخبر، وركنا إلى حميد رأيه فشهد السمع له وأدى النظر.ولما كان فلانٌ هو الذي رقى في ذروة هذه المعالي، وانتظم به عقد هذه اللآلي، وحوى بفضيلة البيان واللسان ما لم تدركه المرهفات والعوالي؛ فما حل ذروة عز إلا حلاها بنظره الجميل، ولا رقى رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل، ولا عدق بنظره كفالة رتبة إلا وكان لها خير كفيل.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال ينتصي للرتب العلية خير منجد ومغير، ويختار للمناصب السنية نعم المولى ونعم النصير- أن يفوض إليه كذا فإنه القوي الأمين، والمتمسك من تقوى الله تعالى وكفايته بالسبب المتين، والمستند بجميل كفالته وحميد ديانته إلى حصن حصين، والمستذري بأصالته الطاهرة وإصابته إلى الجنة الواقية والحرم الأمين.فليقدم خيرة الله تعالى ويباشر الجهة المذكورة بعزم لا ينبو، وهمة لا تخبو، وتدبيرٍ يتضاعف على ممر الأيام ويربو، ونظرٍ لا يعزب عن مباشرته مثقال ذرة إلا وهي من خاطره في قرار مكين، وضبط لا تمتد إليه يد ملتمس إلا ويجد من مرهفه ما يكف كفها بالحد المتين، وليضاعف همته، في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد، وليوفر عزمته، فإن الحازم من ألقى السمع وهو شهيد؛ والوصايا كثيرةٌ ومثله لا يدل عليها، والتنبيهات واضحةٌ وهو- وفقه الله تعالى- أهدى من أن يرشد إليها؛ والله يوفقه في القول والعمل، ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأثيله كل خلل؛ والاعتماد على الخط الشريف، إن شاء الله تعالى.ومنها- نظر الجيش بها: وهذه نسخة توقيع بها لمن لقبه شمس الدين وهي: الحمد لله الذي أطلع في سماء المعالي شمساً منيرة، وأينع غروس أولي الصدارة بعهاد سحب عوارفه الغزيرة، وأبدع الإحسان إلى من قدمه الاختبار والاختيار على بصيرة.نحمده على نعمه التي عم فضلها، ومد على أولياء الدولة القاهرة ظلها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تزلف لديه، وتسلف ما يجده المتمسك بها يوم العرض عليه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من بعث إلى الأمم كافة، وأكرم من غدت أملاك النصر آيته حافة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازوا بصحبته الشرف، وفازوا بطاعة الله وطاعته من الجنان بغرف من فوقها غرف.وبعد، فإن أولى ما عدق بالأكفاء، وأحق ما صرف إليه وجه الاعتناء، وأجدر ما أوقظ له طرف كاف لا يلم بالإغفاء- أمر الجيوش المنصورة بطرابلس المحروسة التي لا ينهض بأعباء مصالحها إلا من عرف بالسداد في قلمه وكلمه، وألف منه حسن التصرف فيما يبديه من نزاهته ويظهره من هممه، بخبرة مؤكدة، وآراء مسددة، ومعرفة أوضاع ترتيبها وأحوالها، وقواعد مقدميها وأبطالها، وكفايةٍ تفتح رحاب حالها.ولما كان فلانٌ هو الصدر الملي بوافي الضبط ووافر الاهتمام، والكافي الذي نطقت بكفايته ألسنة الخرصان وأفواه الأقلام، والضابط الذي لا يعجز فهمه عن إحاطة العلم بذوي الآلام.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يقدم للمراتب، كافياً مشكوراً، ويرشح لملناصب، صدراً أضحى بالأمانة مشهوراً- أن يفوض إليه كذا: لأنه الصدر الذي تزاحمت ألسنة الثناء عليه، وترادفت بين أيدينا محامده فقررنا العوارف لديه، وشكرت عندنا هممه في سداد كل ما يباشره، وذكرت لدينا بالخير سيرته وسرائره.فليباشر هذه الوظيفة الجليلة متحلياً بين الأنام بعقودها، مطلعاً شمس نزاهته في فلك سعودها، ناهضاً بأعباء منصبه السعيد، ضابطاً قواعده بكل تحرير تليد، متقناً ديوان الجيوش المنصورة، معملاً في ملاحظتها نافذ البصر وحسنى البصيرة، محرراً أوراق العدة والعدة، باذلاً في ضبط الحلى اهتمامه وجهده؛ والله تعالى يسعد جده، ويجدد سعده؛ والخط الشريف أعلاه......... إن شاء الله تعالى.قلت: وربما كتب مفتتحاً في هذه الرتبة بأما بعد فإنها أصل ما يكتب في قطع الثلث.المرتبة الثانية من مراتب أرباب الوظائف الديوانية بطرابلس- من يكتب له في قطع العادة بمجلس القاضي:وهو قليل الوقوع. والغالب في ذلك أن يكتب عن نائب السلطنة بها.وهذه نسخة توقيع من هذه الرتبة بكتابة الدست بطرابلس، يقاس عليه ما عداه من ذلك، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال أمره الشريف، يزيد من يصطفيه شرفاً، وبره المنيف، يفيد من يجتبيه تحفاً، وخيره المطيف، يجيد لمن يختاره جوداً، ويسر قلب من رفعه إلى صدر الدست صعوداً، فيبوئه من جنات العلياء غرفاً- أن يستقر في كذا: استقراراً تجتنى منه ثمار الخيرات، وتجلى عليه عروس المسرات، لأنه الرئيس الذي تفتخر هذه الوظيفة بانتسابها إليه، وتتجمل حللها وألويتها إذا نشرت عليه، والفاضل الذي ألقت إليه البلاغة زمامها، والكامل الذي ملك بيانها ونظامها، والأديب الذي لا يدرك في الآداب، واللبيب الذي يقصر عنه طول عامة الطلاب؛ كم له من كتابةٍ حسنة الاتساق، وبلاغة حصل على فضلها الاتفاق، وديانةٍ أطلق فيها لسانه ويده فشكرها الناس على الإطلاق؛ فهو مستند الرآسة، وابن من حاز كل فخار وراسه، والعلم المشهور علمه، وصاحب القلم المشكور رقمه؛ فالمناصب بارتفاعه إليها مفتخرة، والمراتب بعلائه مستبشرة، والأسماع بفضائله مشنفة، والأسجاع بكلمه مشرفة.فليباشر هذه الوظيفة، وليسلك فيها طريق نفسه العفيفة، وليدبج القصص بأقلامه، وليبهج التواقيع بما يوقع مبرم فصيح كلامه، وليزين الطروس، بكتابته، ولينعش النفوس، ببلاغته، وليجمل من المباشرة ما تصبح منه مطالع شرفه منيرة، وتمسي به عين محبه قريرة؛ والوصايا فهو خطيب منبرها، ولبيب موردها ومصدرها والتقوى فليلازم فيها شعاره، وليداوم بها على ما يبلغ به أوطاره؛ والله تعالى يجعل سعوده كل يومٍ في ازدياد، ويسهل له ما يرفع ذكره بين العباد، بمنه وكرمه!. والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى.النوع الثاني من الوظائف بطرابلس:ما هو خارجٌ عن حاضرتها، وهم على ثلاثة أصناف أيضاً:الصنف الأول: أرباب السيوف:وقد تقدم أنه ليس بها مقدم ألف سوى نائب السلطنة بها، وحينئذ فالنيابات بمعاملتها على طبقتين:الطبقة الأولى: الطبلخاناه:ومراسيمهم تكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء، مفتتحة بالحمد لله.وهذه نسخة مرسوم شريف من ذلك بنيابة قلعة، تصلح لنائب اللاذقية، ينسج على منوالها، وهي: الحمد لله الذي جعل الحصون الإسلامية في أيامنا الزاهرة، مصفحةً بالصفاح، والثغور المصونة في دولتنا القاهرة، مشرفةً بأسنة الرماح، والمعاقل المحروسة مخصوصةً من أوليائنا بمن يعد بأسه لها أوقى الجنن وذبه عنها أقوى السلاح.نحمده على نعمه التي عوارفها عميمة، وطوارفها كالتالدة للمزيد مستديمة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنطق الضمائر قبل الألسنة بإخلاصها، وتشرق القلوب بعموم إحاطتها بها واختصاصها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أشرقت بنور ملته الظلم، وارتوت بفور شريعته الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين امتطوا إلى جهاد أعداء الله وأعدائه غارب الهمم، صلاةً ساريةً كالرياح هأمية كالديم، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى ما عقد عليه في صيانة الحصون الخناصر، واعتمد على مثله في كفاية المعاقل إذا لم يكن غير تأييد الله وحد السيف ناصر- من هو في حفظ ما يليه كالصدور التي تصون الأسرار، والكمائم التي تحوط الثمار، مع اليقظة التي تذود الطيف أن يلم بحماة حماه، والفطنة التي تصد الفكر أن يتخيل فيه ما اشتمل عليه وحواه، والأمانة التي ينوي فيها طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعتنا الشريفة ولكل امريءٍ ما نواه.ولما كان فلانٌ هو السيف الذي تروق تجربته ويروع تجريده، وإذا ورد في الوغى منهل حربٍ فمشرعه من كل كميٍّ وريده- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نرهف حده بحفظ أسنى الحصون عندنا مكاناً ومكانة، وأسمى المعاقل رفعةً وعزة وصيانة.فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه النيابة بقلعة كذا.فليباشر هذه النيابة السامي قدرها، الكامل في أفق الرتب بدرها، مباشرةً تصد الأفكار، عن توهمها، والأبصار، عن توسمها، والخواطر، عن تخيل مغناها، والسرائر، عن تمثل صورتها ومعناها.وليكن لمصالحها متلمحاً، ولنجوى رجالها متصفحاً، ولأعذار حماتها مزيحاً، وللخواطر من أسباب كفايتها مريحاً، ولمواطنها عامراً، وبما قل وجل من مصالحها آمراًن ولوظائفها مقيماً، وللنظر في الكبير والصغير من أمورها مديماً، ولخدمتها مضاعفاً، ولكل ما يتعين الاحتفال به من مهماتها واقفاً، وملاك الوصايا تقوى الله: وهي أول ما يقدمه بين يديه، وأولى ما ينبغي أن يصرف نظره إليه؛ فليجعل ذلك خلق نفسه، ومزية يومه على أمسه، والخير يكون، والخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى.الطبقة الثانية: العشرات:ومراسيمهم إن كتبت من الأبواب السلطانية ففي قطع الثلث بالسامي بغير ياء، مفتتحة بأما بعد إلا أن الغالب كتابتها عن نائب السلطنة.وهذه نسخة مرسوم شريف بنيابة قلعة بلاطنس، من معاملتها وهي: أما بعد حمد الله على نعمٍ توالى رفدها، ووجب شكرها وحمدها، وعذب لذوي الآمال وردها، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي رفع به لقريشٍ مجدها، فعلا جدها، وعلى آله وصحبه صلاةً لا يحصى عددها ولا يحصر حدها- فإنه لما كان فلان من قدمت تقادم خدمه، وتعالى به إلى العلياء سامي هممه، وترفع به حسن ولائه حتى أعلت الدولة من شأنه ورفعت من علمه، واستكفته لمصون الحصون، وجادت عليه بصوب إحسان روى الأماني فأضحت نضرة الغصون؛ وكانت قلعة فلانة هي القلعة التي شمخت بأنفها على القلاع علواً، وسامت الجوزاء سمواً، فوجب أن لا يستحفظ عليها وفيها، إلا من عرف بحسن المحافظة وتوفيها؛ وكان المشار إليه هو عين هذه الأوصاف، والوارد من حسن الطاعة المورد الصاف- اقتضى حسن الرأي الشريف أن ننوه بذكره، ونرفع من قدره.ولذلك رسم................. - لا زال..................... أن تفوض إليه النيابة بهذه القلعة المحروسة، وأن تكون بأوانس صفاته مأنوسة.فليكن فيما استحفظ كفواً، وليورد الرعية من حسن السيرة صفواً، وإذا تعارض حكم الانتقام وكان الذنب دون الحد فليقدم عفواً. وعليه بالعدل، فإنه زمام الفصل، والقلعة ورجالها، وذخائرها وأموالها، فليمعن النظر في ذلك بكرةً وأصيلاً، وإجمالاً وتفصيلاً، وتحصيناً وتحصيلاً. وعليه بالتمسك بالشريعة المطهرة وأحكامها المحررة؛ وليردع أهل الفساد، ويقابل من ظهر منه العناد، بما يؤمن المناهج، ويجدد المباهج، والوصايا كثيرة، فليكن مما ذكر على بصيرة؛ أعانه الله على ما أولاه، ورعاه فيما استرعاه؛ والخط الشريف أعلاه، حدةٌ بمقتضاه، والخير يكون إن شاء الله تعالى.الصنف الثاني مما هو خارج عن حاضرة طرابلس: الوظائف الدينية:والغالب كتابتها عن نائب السلطنة بطرابلس. فإن كتب شيءٌ منها عن الأبواب السلطانية، كان في قطع العادة بمجلس القاضي مفتتحاً برسم.وهذه نسخة توقيعٍ من ذلك بنظر وقفٍ على جامع بمعاملة طرابلس، كتب به لمن لقبه زين الدين وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال كريم نظره يستنيب عنه بمصالح بيوت الله تعالى من تزداد بنظره شرفاً وزيناً، ويعين لها من الأعيان من تسر به خاطراً وتقر به عيناً، ويمنحها من إذا باراه مبارٍ وجد بينهما بوناً وبيناً، ويقرر لها كل كافٍ إذا فاه راءٍ بوصف آرائه الملموحة عين صوابها ولا يجد عليها عيناً- أن يستقر بالنظر على كذا: استقراراً يرى الوقف بنظره على ربعه طلاوة، ويجد بمباشرته في صحنه حلاوة، ويعرب عن استمراره على حسن الثناء، ويجد من نيل ريعه أكمل وفاء، لأنه الناظر الذي لا يمل إنسانه، من حسن النظر، ولا يكل لسانه، عن الأمر بالمصالح ولفظه عن إلقاء الدرر، والشريف الذي وجدت مخايل شرفه من فضل خلاله، والجواد الحائز بجوده قصب السبق على أمثاله، والكامل الذي لا توجد في صفاته نقيصة، والفاضل الذي أتته الفضائل على رغمها رخيصة.فليباشر هذا النظر مباشرةً تكحل نظاره فيها بالوسن، وليقابلها من جميل سلوكه بكل وجه حسن، وليبدأ أوقاف الجامع المذكور بالعمارة، وليقطع بمدية أمانته يد من يشن على ماله الغارة، وليأمر أرباب وظائفه باللزوم، وليخص كلاً منهم من فضله بالعموم، وليتق الله تعالى في القول والعمل، وليجتهد على أن لا يتخلل مباشرته الخلل؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه.................الصنف الثالث مما هو خارجٌ عن حاضرة طرابلس: أرباب الوظائف الديوانية:وقل أن يكتب فيها شيءٌ عن الأبواب الشريفة السلطانية، وأن الغالب كتابة ما يكتب فيها من نائب السلطنة بطرابلس. فإن اتفق كتابة شيءٍ من ذلك عن الأبواب السلطانية، مشى الكاتب فيه على نهج ما تقدم في الوظائف الدينية: من كتابته في قطع العادة بمجلس القاضي مفتتحاً برسم لا يختلف الحال منه في ذلك إلا في الفرق بين التعلقات الدينية والديوانية. والكاتب الماهر يصرف قلمه في ذلك وفي كل ما يحدث من غيره على وفق ما تقتضيه الحال، وبالله المستعان.النيابة الرابعة: نيابة حماة:ووظائفها التي تكتب بها من الأبواب السلطانية ما بحاضرتها خاصة وهي على ثلاثة أصناف:الصنف الأول: أرباب السيوف:وليس بها منهم إلا نائب السلطنة خاصة. ويكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالجناب العالي مع الدعاء بمضاعفة النعمة.وهذه نسخة تقليد بنيابة حماة: الحمد لله ذي التدبير اللطيف، والعون المطيف، والحياطة التي تستوعب كل تصريف وكل تكليف.نحمده بمحامد جميلة التفويف، حسنة التأليف، مكملة التكييف، بريةٍ من التطفيف، حريةٍ بكل شكرٍ منيف، وذكرٍ شريف، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خلص تحريرها عن كل تحريف، وتنزه مقالها عن تسويد تفنيد أو تسويف، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الدين الحنيف، والمبعوث بالرحمة والتخفيف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً متناوبةً تناوب الصرير والصريف، والشتاء والمصيف، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن من شيم الدولة وسجاياها، وأحكامها وقضاياها، تقديم الأهم فالأهم، وتحتيم الأتم من الرأي وتحكيم التدبير الأعم، وفعل كل ما يحوط الممالك ويحفظها، ويذكي العيون لملاحظتها ويوقظها: لما أوجبه الله من حقوقها، وحظره من عقوقها؛ ولا يكون ذلك إلا باختيار الأولياء لضبطها، والتعويل على الأملياء بالقيام بشرطها، والاستناد من الزعماء إلى من يوفي من الخراجة والعيون وافي قسطها.ولما كانت المملكة الحموية جديرةً بالالتفات، حقيقةً بالحياطة من جميع الجهات، مستدعيةً من جميل النظر كل ما يحرس ربعها، ويديم نفعها، ويحفل ضرعها، ويلم شعثها ويشعب صدعها، ويسر سمعها، ويفعم شرعها، ويعظم شرعها، ويكتنفها اكتناف السور والسوار، والهالة للبدر والأكمام للثمار؛ وكان فلانٌ هو المتقشع سحاب هذا الوصف عن بدره المنير، والمتقلع ضباب هذا التفويض عن نور شمسه المنعشة قوى كل نبت نضير، والذي بأهليته لرتبة هذا التفويض ما خاب المستخير، ولا ندم المستشير، والذي يفرده استحقاقه بهذه الرتبة فلا يقول أحدٌ من كبيرٍ ولا صغيرٍ امتثالاً للمراسيم الشريفة في حقه: منا أميرٌ ومنكم أمير- اقتضى جميل الرأي المنيف، أن خرج الأمر الشريف- لا برح يحسن التعويل، ويهدي إلى سواء السبيل، ويمضي مضاء القضاء المنزل والسيف الصقيل- أن تفوض إليه نيابة السلطنة المعظمة في مملكة كذا وكذا.فليقدم خيرة الله قائلاً وفاعلاً، ومقيماً وراحلاً، وموجهاً ومواجهاً ومسجلاً وساجلاً، وعالماً وعاملاً، ومعتمداً على الله في أمره كله. وليكن من هذه المعرفة قريباً، وعلى كل شيءٍ حتى على نفسه رقيباً؛ وإذا اتقى الله كفاه الله الناس، وإن اتقى الناس لم يغنوا عنه من الله شيئاً فليقس على هذا القياس، ويقتبس هذا الاقتباس.وأما الوصايا فالعساكر المنصورة هم مخلب الظفر وظفره، وبهم يكشف من كل عودٍّ سره، ويخلى وطنه ووكره، ويضرب زيده وعمره، ويبدد جمعه، ويساء صنعه، ويعمى بصره ويصم سمعه، وهم أسوارٌ تجاه الأسوار، وأمواجٌ تندفع وتندفق أعظم من اندفاق البحار، وما منهم إلا من هو عندنا لمن المصطفين الأخيار؛ فأحسن استجلاب خواطرهم، واستخلاب بواطنهم وسرائرهم، واستحلاب الشائع من طاعاتهم في مواردهم ومصادرهم؛ وكن عليهم شفوقاً، وبهم في غير الطاعة والاستعباد رفوقاً، وأوجب لهم بالجهاد والاجتهاد حقوقاً، واصرف لهم حملاً لأعباء المهمات والملمات مطيقاً، واستشر منهم ذوي الرأي المصيب، ومن أحسن التجريب، ومن تتحقق منه النصح من الكهول والشيب، ممن كلل بغيرة منه ما شب فإن المرء كثيرٌ بأخيه، وإذا اجتمعت غصونٌ في يد أيد عست على قصفه وقصف كل واحدة فواحدة لا يعييه.والجهاد فهو ملاك كل استحواءٍ واستحواذ، وبه تتميز أفعال الكفار بالنفاد وأفعال الدين الحنيف بالنفاذ؛ وما جعل الله للمدافعين عن دين الله سواه، ولا مزجي صوب صواب إلا إياه؛ وعلى ذلك جعل الله أرزاقهم، وهيأ لهم به إرفاقهم؛ فليكرمهم بأخذ الأهبة في الاعتلاء والانصباب في كل هضبة، والاستعداد برباط الخيل وكل قوة.ومن الوصايا التي ينبغي أن ترسم في جبهات الفكر دون توانٍ أو ركون أن لا يستحقر عدواً، ولا يستهزيء بقلته لا رواحاً ولا غدواً، وليكن للاستظهار مستوعباً، ولإعمال المكايد مستوثباً، وللكشف بعد الكشف مستصحباً؛ وغير ذلك من الأمور، التي بها صلاح الجمهور.والشرع الشريف وتنفيذ أحكامه، وتقوية أيدي حكامه؛ فهو ميزان الإسلام والسلامة، وقوام الصلاح والاستقامة، وأخوه المرتضع من ثدي الحق، العدل الذي كم شاق وكثيراً ما على أهل الباطل شق، وعم القريب والبعيد، والسائق والشهيد، والمريب والمريد، وكل ذي ضعف مبيد، وكل ذي بأس شديد، وكل مستشيرٍ ومستزيد، فإن ذلك إذا شمل حاط، وتم به الارتياد والارتباط، وهدى إلى أقوم صراط.والحدود فهي حياة النفوس، وبها تزال البؤوس، فأقمها ما لم تدرأ بالشبهات الشرعية، والأمور المرعية.والأموال فهي مجلبة الرجال، ومخلبة الآمال، وبها يشد الأزر، ويقوى الاستظهار والظهر، فيشد من الذين أمرها بهم معدوق، ويقوي أيديهم بكل طريق في كل طروق، بحيث لا يؤخذ إلا الحق ولا يترك شيءٌ من الحقوق.والرعية فهم عند والي الأمر ودائع: ينبغي أنها تكون محفوظة، وبعين الاعتناء ملحوظة؛ فأحسن جوارهم، وأزل نفارهم، واكفف عنهم مضارهم، ولا تعاملهم إلا بما لا تسأل عنه غداً بين يدي ربك فإنه يراك حين تقوم، وأعد جواباً لذلك فكل راعٍ راعٍ مسؤول.وأما غير ذلك فلابد أن تطلعك المباشرة على خفايا تغنيك عن المؤامرة، وستتوالى إليك الأجوبة عند المسافرة في المكاتبات الواردة والصادرة؛ والله يوفقك في كل منهجٍ تسلكه وتقتفيه، ويسددك فيما من ذلك تنتحيه.قلت: أما سائر أرباب الوظائف بها: كشد الدواوين، وشد مراكز البريد وغيرهما، فقد جرت العادة أن النائب يستقل بتوليتها. فإن قدر كتابة شيءٍ من ذلك لأحد بها، كتب لمن يكون طبلخاناه في قطع النصف بالسامي بغير ياء، ولمن يكون عشرة في قطع الثلث بمجلس الأمير كما في غيرها.الصنف الثاني: أرباب الوظائف الدينية:وهم على مرتبتين:المرتبة الأولى: من يكتب له في قطع الثلث بالسامي بالياء، وهم قضاة القضاة الأربعة.المرتبة الثانية: من يكتب له في قطع العادة: إما في المنصوري، مفتتحاً بأما بعد وإما في الصغير مفتتحاً برسم. وعلى ذلك تكتب تواقيع قضاة العسكر بها، ومفتي دار العدل، والمحتسب، ووكيل بيت المال، ووظائف التداريس والتصادير، ونظر الأحباس إن كتب شيءٌ من ذلك عن الأبواب السلطانية، وإلا فالغالب كتابة ذلك عن النائب بها.النيابة الخامسة: نيابة صفد:وقد تقدم في الكلام على المكاتبات أنها في رتبة نيابة طرابلس وحماة في المكاتبة، وأنها تذكر بعد حماة في المطلقات.ووظائفها التي تولى من الأبواب السلطانية على ثلاثة أصناف:الصنف الأول: أرباب السيوف:وفيه وظيفتان:الوظيفة الأولى: نيابة السلطنة بها، ويكتب تقليده في قطع الثلثين:وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بصفد، كتب به لسيف الدين قطلقتمس السلحدار الناصري، في سابع رمضان سنة عشر وسبعمائة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي: الحمد لله الذي صان الثغور المحروسة من أوليائنا بسيف لا تنبو مضاربه، وخص أسنى الممالك المصونة من أصفيائنا بعضب لا يفل غربه محاربه، وقدم على زعامة الجيوش من خواصنا ليثاً يسكن إليه كل أسدٍ من أسدٍ ذائلةٍ تغالبه، حافظ نطاق البحر من أبطال دولتنا بكل كميٍّ تصد البحر مهابته أن يستقل براكبه أو تستقر على ظهره مراكبه، وناشر لواء عدلنا في أقاليمنا بما يغني كل قطر أن تتدفق جدأوله أو تستهل به سحائبه.نحمده على نعمه التي جعلت سيف الجهاد رائد أوامرنا، وقائد جيوشنا إلى مواقف النصر وعساكرنا، وذائد أعداء الملة عن أطراف ممالكنا التي أسبق إليها من رجع النفس في الدجى تألق نجوم ذوابلنا، وفي الضحى تبلج غرر صوارمنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يستظل الإيمان، تحت لوائها، وتعبق الأكوان، بما تنطق به الألسنة من أروائها، ويشرق الوجود بما يبدو على الوجوه من روائها، وتجادل أعداءها في الآفاق لرفع كلمة ملتها على الملل وإعلائها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم الأنبياء، وأشرف حملة الأنباء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المخصوصين بأسنى مراتب الاجتباء، صلاةً دائمةً بدوام الأرض والسماء، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن أولى من فوضت إليه زعامة الجيوش بأسنى الممالك، وعدق به من تقدم العساكر ما يرجف بمهابته هناك أرض العدو هنالك، وعقد به للرعايا لواء عدل تجلى بإشراق ليل الظلم الحالك، وعول عليه من جميل السيرة فيما تعمر به البلاد وتأمن به الرعايا وتطمئن به المسالك- من لم يزل في خدمة الدولة القاهرة سيفاً ترهب العدا حده، ويخاف أهل الكفر فتكاته تحققاً أن آجالهم عنده، ويتوقع كل كميٍّ من عظماء الشرك أن رأسه سيكون غمده، مع سياسة تشتمل على الرعايا ظلالها الممتدة، وسيرة تضع الأشياء مواضعها فلا تضع الحدة موضع اللين ولا اللين موضع الحدة، وتوفرٍ على عمارة البلاد يعين على ريها طل الأنواء والوابل، وبراءةٍ تجعل ما يودع فيها بالبركة والنماء: {كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل}.ولما كان الجناب العالي هو السيف الذي على عاتق الدولة نجاده، والليث الذي لم يزل في سبيل الله إغارته وإنجاده، والغيث الذي يخصب بمعدلته البلد الماحل، والأسد الذي تصد ساكني البحر مهابته فيتحققون أن العطب لا السلامة في الساحل، اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيد حد عزمه إرهافاً، وأن نرهب العدا ببأسه الذي يرد آحاد ما تقدم عليه من الجيوش آلافاً، وأن نفوض إليه من أمور رعايانا ما إذا أسند إليه يوسعهم عدلاً وإنصافاً.فلذلك رسم بالأمر الشريف: أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بصفد المحروسة: تفويضاً يعلي قدره، ويمضي في عموم مصالحها وخصوصها نهيه وأمره، ويرهف في حفظ سواحلها وموانيها بيضه وسمره، ويصلي مجاورها من ساكني الماء من بأسه المتوقد جمره.فليتلق هذه النعمة بباع شركه المديد، ويترق هذه المرتبة بمزية اعتزامه التي ليس عليها فيما يعدق به من مصالح الإسلام مزيد، وينشر بها من عموم معدلته ما لا يخص دون قومٍ قوماً، ويعمر بلادها بالعدل: فإن عدل يومٍ واحدٍ خيرٌ للأرض من أن تمطر أربعين يوماً، ويبسط فيها من مهابته ما يكف أكف البغاة أن تمتد، ويمنع رخاء أهوية أهلها أن تشتد، ويؤمن المسالك أن تخاف، والرعايا أن يجار عليهم أو يحاف، وليكن من في تقدمته من الجيوش المنصورة مكملي العدد والعدد، ظاهري اللأمة التي هي مادة المجالدة وعون الجلد، مزاحي الأعذار فيما يرسم لهم به من الركوب، مزالي العوائق في التأهب لما هم بصدده من الوثوب، حافظي مراكزهم حفظ العيون بأهدابها، آخذي أخبار ما يشغل البحر من قطع العدا في حال بعدها كحال اقترابها، بحيث لا يشرف على البر من قطع المخذولين إلا أسيرٌ أو كسير، أو من إذا رجع بصره إلى السواحل ينقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير؛ وليكن أهل الجبال بمهابته كأهل السهل في حسن انقيادهم وطاعتهم، ويصد عنهم بسطوته مجال الأوهام المتصلة فلا تنصرف إلى غير مجاوريهم من الأعداء مواقع بأسهم وشجاعتهم؛ وملاك الوصايا تقوى الله: وهي من أخص أوصافه، والجمع بين العدل والإحسان وهما من نتائج إنصافه؛ فليجعلهما عمدتي حكمه في القول والعمل؛ والله تعالى يجعله من أوليائه المتقين وقد فعل؛ والاعتماد............... إن شاء الله تعالى.الوظيفة الثانية: نيابة قلعة صفد:وهذه نسخة مرسومٍ شريفٍ بنيابة قلعة صفد المحروسة، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله، كتب به للأمير سيف الدين أزاق الناصري خامس المحرم سنة أربعٍ وثلاثين وسبعمائة، وهي: الحمد لله الذي خص الحصون برفعة ذراها، وسمعة من فيها من رجالٍ تحمي حماها، وتخطف أبصار السيوف بسناها، وتصيب برميها حتى قوس قزح إذا راماها.نحمده حمداً تبرز به المعاقل في حلاها، وتفخر به عقائل القلاع على سواها، وتشرف به شرفاتها حتى تجري المجرة في رباها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يطيب جناها، ويطنب في السماء مرتقاها، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي كتب به للأمة هداها، وكبت عداها، وبوأها مقاعد للقتال تقصر دونها النجوم في سراها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا ينقطع عنهم قراها، وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.وبعد، فإن صفد صفت، ووفت ووفت، وكفت وكفت، وجاورت البحر فما غمضت عنه لديادبها عيون، ولا خيطت لسيوفها بالكرى جفون، ولا ونت لرماحها عزائم شابت لممها، ولا انتشت من السهام نبالٌ تفيض ديمها، ولا أطالت مجانيقها السكوت إلا لتهدر شقاشقها، وتهد بها من الجبال شواهقها، وتهول العدا بما تريهم من التهويل، وترمي به من كفاتها الحجارة من سجيل.وهي القلعة التي يضرب المثل بحصانتها، ويطمئن أهل الإسلام في إيداع أموالهم وأهلهم إلى أمانتها، قد أطلت على الكواكب نزولاً، وجردت على منطقة بروجها من البروق نصولاً، وأتعبت الرياح لما حلقت إليها، وأخافت الهلال حتى وقف رقيباً عليها؛ وفيها من جنودنا المؤيدة من نزيدهم بها مدداً، وتطيب قلوبهم إذا خرجوا لجهاد أعداء الله وخلوا لهم فيها مالاً وولداً. وكانت النيابة بهذه القلعة المحروسة قد كادت تنطق بشكواها، وتتظلم ممن أساء صحبتها لما تولاها، واقتضت آراؤنا العالية أن نزحزح ظلامه، عن صباحها، ونقوض خيامه، عما فرش على الفلك الشاهقة من بطاحها؛ وفكرنا فيمن له بالقلاع المحروسة دربةٌ لا يخفى عليه بها سلوك، ولا يخاف معه على هذه الدرة الثمينة في سلوك، ممن حمد في دولتنا الشريفة مساء صباح، ومن كان في أبوابنا العالية هو الفتاح، ومن له همةٌ تناط بالثريا مطالبها، وعزمةٌ ما القضاء إلا قواضبها، ومعرفةٌ ما الرمح المثقف إلا تجاربها، وكفايةٌ ما الغر الزواهر إذا عددت إلا مناقبها.وكان المجلس السامي- أدام الله عزه- هو المحلق إلى هذه المرتبة، والمخلق بالأصيل أرديتها المذهبة، والمحقق في صفاته الورع، والمنزه عن تدنيس طباعه بالطمع، وله في الأمانة اليد المشكورة، وفي الصيانة ما يمتع به ذيول السحاب المجرورة، ومن التقوى ما قرب عليه المطالب البطية، ومن الفروسية ما اتخذ كل ذروةٍ صهوةً وكل جبلٍ مطية، ومن الاستحقاق ما يسهل له من صدقاتنا الشريفة صفد: وفي اللغة أن الصفد هو العطية.فرسم بالأمر الشريف- شرفه الله وعظمه، وأحكمه وحكمه- أن يرتب في النيابة بقلعة صفد المحروسة: على عادة من تقدم وقاعدته في التقرير، وأما كيف يكون اعتماده، فسنرشده منه بصبحٍ منير.فقدم تقوى الله في سرك ونجواك، واقصر على القناعة رجواك، واحفظ هذه القلعة من طوارق الليل والنهار، وأعد من قبلك للقتال في قرى محصنة أو من وراء جدر، واملأ سماءك حرساً شديداً، وشهباً وكثر رجالها لتباري بهم النجوم في أمثالها من بروج السماء عديداً، وخذ إلى طاعتنا الشريفة بقلوبهم وهم على ذلك ولكنا نريد أن نزيدهم توكيداً، وتألفهم على موالاتنا حتى لا تجد أنت ولا هم إلى المزيد مزيداً، وتفقد الذخائر والآلات، وتيقظ لما تلجيء إليه الضائقة في أوسع الأوقات، وحصن مبانيها، وحصل فيها من الذخائر فوق ما يكفيها، ومن السلاح ما هو أمنع من أسوارها، وأنفع في أوقات الحاجة مما تكنزه الخزائن من درهمها ودينارها: من مجانيق كالعقارب شائلةً أذنابها، دافعةً في صدر الخطب إذا نابها، ترمي بشرر كالقصر، وتنزل من السماء بآيات النصر؛ ومن قسي: منها ما تدافع بالأرجل مرامي سهامه، ومنها ما تدور بالأيدي كأس حمامه، ومنها ما يسكت إذا أطلق حتى لا يسمع لام كلامه، ومنها ما يترنم إذا غنى بالحمام صوت حمامه؛ ومن ستائر يستر بها وجهها المصون، ومنائر يشاهد منها أقرب من يكون أبعد ما يكون، ورهجية تجلى بها في كل ليلة عروسها الممنعة، ودراجة تحاط بها من جهاتها الست وحدودها الأربعة؛ وأقر نوب الحمام الرسائلي فبها تسقط علينا وعليك الأخبار، ويطوى المدى البعيد في أول ساعة من نهار، وافتح الباب وأغلقه بشمس، واحترز على ما اشتملت عليه من مال ونفس؛ وبقية الوصايا أنت بها أمس، والله تعالى يزيل عنك اللبس؛ والاعتماد........................الصنف الثاني: أرباب الوظائف الديوانية:والذين يكتب لهم من الأبواب السلطانية صاحب ديوان الرسائل، وناظر المال، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال. وما عدا ذلك فإنه يكتب عن نائبها، وربما كتب عن الأبواب السلطانية.الصنف الثالث: أرباب الوظائف الدينية، وهي على مرتبتين:المرتبة الأولى: ما يكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء، وهم القضاة الأربعة.المرتبة الثانية: من يكتب له في قطع العادة، وتشتمل على قضاء العسكر، وإفتاء دار العدل، والحسبة، ووكالة بيت المال.الصنف الرابع أرباب الوظائف الديوانية والذي يكتب به من الوظائف الديوانية بها- ثلاث وظائف، يكتب لكل منهم في قطع الثلث بالسامي بالياء؛ وهم: صحابة ديوان المكاتبات، ونظر المال، ونظر الجيش. فإن كتب لأحد غير هؤلاء، كتب له في قطع العادة.النيابة السادسة: نيابة غزة:وقد تقدم أنها تارةً تكون نيابةً، وتارة تكون تقدمة عسكر، ومقدم العسكر بها يراجع نائب الشام في أموره. وبكل حال فالوظائف التي تولى بها من الأبواب السلطانية على صنفين:الصنف الأول: أرباب السيوف:وليس بها منهم إلا نائب السلطنة إن كانت نيابةً، أو مقدم العسكر إن كانت تقدمة عسكرٍ. فكيفما كان فإنه يكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالجناب العالي مع الدعاء بدوام النعمة.وهذه نسخة تقليد بنيابتها: كتب به للأمير علم الدين الجأولي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهو: الحمد لله رافع علم الدين في أيامنا الزاهرة، بإقامة فرض الجهاد وإدامته، وجامع رتب التقديم في دولتنا القاهرة، لمن تفتر الثغور بين ترقرق عدله وتألق صرامته، وقاطع أطماع المعتدين بمن يتوقد بأسه في ظلال رفقه توقد البرق في ظلل غمامته، وقامع أعدائه الكافرين بتفويض تقدمة الجيوش بأوامرنا إلى كل وليٍّ يجتنى النصر ويجتلى من أفنان عزماته ووجاهة زعامته.نحمده على نعمه التي سددت ما يصدر من الأوامر عنا، وقلدت الرتب السنية بتقليدها أعز الأولياء منا مناً، ورجحت مهمات الثغور لدينا على ما سواها فلا نعدق أمورها إلا بمن تعقد عليه الخناصر نفاسةً به وضناً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال القلوب بإخلاصها متدينة، والألسنة بإعلانها متزينة، والأسنة والأعنة متباريين في إقامة دعوتها التي لا تحتاج أنوارها البينة إلى البينة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف مبعوثٍ إلى الأمم، وأكرم منعوتٍ بالفضل والكرم، وأعز منصور بالرعب الذي أغمدت سيوفه قبل تجريدها في القمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بجهاد أعداء الله وأعدائه على أثبت قدم، وسروا لفتح ما زوي له من الأرض على جياد العزائم ونجائب الهمم، وبذلوا نفائسهم ونفوسهم للذب عن دينه فلم تستزل أقدامهم حمر النعم، ولم يثن إقدامهم بيض النعم، صلاةً لا يمل السامع نداءها، ولا تسأم الألسن إعادتها وإبداءها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإنا من حين مكن الله لنا في أرضه، وأنهضنا بمسنون الجهاد وفرضه، وقلدنا سيف نصره الذي انتضاه، واقامنا لنصرة دينه الذي ارتضاه، لم يزل مهم كل ثغر مقدماً لدينا، وحفظ كل جانب جاور العدو براً وبحراً متعيناً على اعتنائنا ومحبباً إلينا؛ فلا نرهف لإيالة الممالك إلا من إذا جرد سيفه أغمده الرعب في قلوب العدا، ومن إن لم تسلك البحر خيله بث في قلوب ساكنيه سرايا مهابةٍ لا ترهب موجاً ولا تستبعد مدى، ومن إذا تقدم على الجيوش أعاد آحادها إلى رتب الألوف، وجعل طلائعها رسل الحتوف، وأعداهم بأسه فاستقلوا أعداءهم وإن كثروا، وأغراهم بمعنى النكاية في كتائب العدا: فكم من قلب بالرماح قد نظموا وكم من هامٍ بالصفاح قد نثروا.ولذلك لما كان فلانٌ هو الذي ما زال الدين يرفع علمه، والإقدام والرأي يبثان في مقاتل العدا كلومه وكلمه، والعدل والبأس يتوليان أحكامه فلا يمضيان إلا بالحق سيفه وقلمه؛ فكم نكس راية عدوٍّ كانت مرتفعة، وأباح عزمه وحزمه معاقل شرك كانت ممتنعة، وكم زلزل ثباته قدم كفر فأزالها، وهزم إقدامه جيوش باطلٍ ترهب الآساد نزالها؛ فهو العلم الفرد، والبطل الذي لأوليائه الإقبال والثبات ولأعدائه العكس والطرد، والولي الذي لولا احتفالنا بنكاية العدا لم نسمح بمثله، والهمام الذي ما عدقنا به أمراً إلا وقع في أحسن مواقعه وأسند إلى أكمل أهله.وكانت البلاد الغزاوية والساحلية والجبلية على ساحل البحر بمنزلة السور المشرف بالرماح، المصفح بالصفاح، مروجه الحماة، وقلله الكماة، لا يشيم برقه من ساكني البحر إلا أسيرٌ أو كسير، أو من إذا رجع إليه طرفه ينقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير، وبها الجيش الذي كم لسيوفه في رقاب العدا من مواقع، ولسمعته في قلوب أهل الكفر من إغارة تركتها من الأمن بلاقع، وبها الأرض المقدسة، والمواطن التي هي على التقوى مؤسسة، والمعابد التي لا تعدق أمورها إلا بمثله من أهل الدين والورع، والأعمال التي هو أدرى بما يأتي من مصالحها وأدرب بما يدع- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق به نيابة ملكها، ونزين بلآليء مفاخره عقود سلكها، وأن نفوض إليه زعامة أبطالها، وتقدمة عساكرها التي تلقى البحر بأزخر من عبابه والأرض بأثبت من جبالها، وأن نرمي بحرها من مهابته بأهوال من أمواجه، وأمر في لهوات ساكنيه من أجاجه، لتغدو عقائل آهله، أرقاء سيفه الأبيض وذابله، ويتبر العدو الأزرق من بني الأصفر، خوف بأسه الأحمر.فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه كيت وكيت: تفويضاً يحقق في مثل رجاءها، ويزين بعدله أرجاءها، ويصون ببأسه قاطنها وظاعنها، ويعمر ويغمر برفقه وإنصافه مساكنها وساكنها.فليباشر هذه الرتبة التي يكمل به سعودها، وتجمل به عقودها، مباشرة يخيف بأسها الليوث في أجماتها، ويعين عدلها الغيوث على دفع أزماتها، ويغدو بها الحق مرفوع العلم، مسموع الكلم، ماضي السيف والقلم، ممدود الظل على من بها من أنواع الأمم، وليأخذ الجيوش التي بها من إعداد الأهبة بما يزيل أعذارهم عن الركوب، ويزيح عوائقهم عن الوثوب، ويجعلهم أول ملبٍّ لداعي الجهاد، وأسرع مجيب لنداء ألسنة السيوف الحداد، وينظم أيزاكهم على البحر انتظام النجوم في أفلاكها، والشذور في أسلاكها، فلا تلوح للأعداء طريدةٌ إلا طردت، ولا قطعةٌ إلا قطعت، ولا غرابٌ إلا حصت قوادمه، ولا شامخ عمارة إلا وأتيح له من اللهاذم هادمه، وليعل منار الشرع الشريف بإمضاء أحكامه، ومعاضدة حكامه، والانقياد إلى أوامره، والوقوف مع موارد نهيه ومصادره، ولتكن وطأته على أهل العناد مشتدة، ومعرفته تضع الأشياء مواضعها: فلا تضع الحدة موضع اللين ولا اللين موضع الحدة، وليعلم أنه وإن بعد عن أبوابنا العالية مخصوصٌ منا بمزية قربه، مختصٌّ بمنزلة إخلاصه التي اصبح فيها على بينة من ربه؛ وجميع ما يذكر من الوصايا فهو مما يحكى من صفاته الحسنة، وأدواته التي ما برحت الأقلام في وصف كمالها فصيحة الألسنة؛ وملاكها تقوى الله وهي في خصائصه كلمة إجماع، وحلية أبصار وأسماع؛ والله تعالى قدره وقد فعل، ويؤديه في القول والعمل؛ والاعتماد.........................وهذه نسخة تقليد بتقدمة العسكر بغزة المحروسة: الحمد لله مبديء النعم ومعيدها، ومؤكد أسبابها بتجديدها، ومعلي أقدارها بمزايا مزيدها، الذي زين أعناق الممالك من السيوف بتقليدها، وبين من ميامنه ما ردت إليه بمقاليدها.نحمده بمحامده التي تفوت الدراري في تنضيدها، وتفوق الدر فيتمنى منه عقد فريدها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نافعةً لشهيدها، جامعةً لتوحيدها، ناقعةً لأهل الجحود مما يورد الأرض بالدماء من وريدها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كاثر الأمم بأمته في عديدها، وظاهر على أعداء الله بمن يفل باس حديده، فيرسل من أسنته نجوماً رجوماً لمريدها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً نتظافر بتأييدها، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن من عوائد دولتنا القاهرة أن تعود بإحسانها، وتجود بثبوت كل قدم في مكانها؛ وإذا ولت عرف سحابها عن جهة عادت إليها، أو سلبت لها رونقاً أعادت بهجته عليها؛ وكانت البلاد الغزاوية وما معها قد تمتعت من قدماء ملوك بيتنا الشريف بسيف مشهور، وبطل تشام بوارق عزمه في الثغور؛ وهو الذي عم بصيبه بلادها سهلاً وجبلاً، وعمر روضها بعدل أغناها أن يسقي طلٌّ طللاً، وجمع أعمالها براً وبحراً، ومنع جانبيها شاماً ومصراً، وألف أهلها منه سيرةً لولا ما استأثرنا الله به من سره لما أفقدناهم في هذه المدة حلاوة مذاقها، وسريرةً لا نرضى معها بكف الثريا إذا بسطت لأخذ ميثاقها، ولم نرفع يده إلا لأمرٍ قضى الله به لأجل موقوت، ومضى منه ما يعلم أنه بمرجوعه القريب لا يفوت، لأن الشمس تغيب لتطلع بضوءٍ جديد، والسيف يغمد ثم ينتضى فيقد القد والجيد، والعيون تسهد ثم يعاودها الرقاد، والماء لو لم يفقد في وقت لما وجد لموقعه بردٌ على الأكباد.فلما بلغ الكتاب أجله، وأخذ حقه من المسألة، وانتقل من كان قد استقر فيها إلى جوار ربه الكريم، وفارق الدنيا وهو على طاعتنا مقيم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يراجع هذه العقيلة كفؤها القديم، وترجع هذه الأرض المقدسة إلى من فارقها وما عهده بذميم. من لم تزل به عقائل المعاقل تصان، وخصور الحصون بحمائل سيوفه تزان، ومباسم الثغور تحمى في كل ناحية من أسنته بلسان، وحمى الثغرين وما بينهما من الفجاج، وجاور البحرين فمنع جانبيهما: فهذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاج، وله في العدا وقائع زلزلت لمواقعها الألوف، ومواقف لولا ما نعقت فيها من غربان البين لطال على الديار الوقوف؛ وهو الذي مدحت له في بيتنا المنصور المنصوري من الخدمة سوابق، وحمدت طرائق، وكثرت محاسن، وكبرت ميامن، ولمعت كواكب، وهمعت سحائب، وصدحت حمائم، وفتحت كمائم، وعزت جيوشنا المؤيدة له بمضارب، وهزت سيوفاً حداداً وهو بالسيف ضارب.وكان المجلس العالي- أدام الله تعالى نعمته- هو الذي حمدت له آثار، وحسنت أخبار، وعمت مدح، وتمت منح؛ فرسمنا بإقراره في هذا المنصب الشريف في محله، وإعادته إلى صيب وبله، وإنامة أهلها مطمئنين في عدله، وإقرار عيون من أدرك زمانه بعوده ومن لم يدرك زمانه بما سيرونه من فضله.فرسم بالأمر الشريف- لا زالت ملابس نعمه، تخلع وتلبس برودها، وعرائس كرمه، تفارق ثم تراجع غيدها- أن تفوض إليه أمور غزة المحروسة وأعمالها وبلادها، والتقدمة على عساكرها وأجنادها، والحكم في جميع ما هو مضافٌ إليها من سهلٍ ووعر، وبر وبحر، وسواحل ومواني، ومجرى خيول وشواني، ومن فيها من أهل عمد، ورعايا وتجار وأعيان في بلد، ومن يتعلق فيها بأسباب، ويعد في صف كتبة وكتاب. على عادة من تقدم في ذلك، وعلى ما كان عليه من المسالك.وسنختصر له الوصايا لأنه بها بصير، وقد تقدم لها على مسامعه تكرير، ورأس الأمور التقوى وهو بها جدير، وتأييد الشرع الشريف فإنه على هدىً وكتاب منير، والاطلاع على الأحوال ولا ينبئك مثل خبير.والعدل فهو العروة الوثقى، والإنصاف حتى لا يجد مستحقاً، والعفاف فإن التطلع لما في أيدي الناس لا يزيد رزقاً، والاتصاف بالذكر الجميل هو الذي يبقى، وعرض العسكر المنصور ومن ينضم إليه من عربه وتركمانه وأكراده، وكل مكبرٍ في جحافله ومكثرٍ لسواده؛ وأخذهم بالتأهب في كل حركةٍ وسكون، والتيقظ بهم لكل سيف مشحوذ وفلكٍ مشحون، والاحتراز من قبل البر والبحر، وإقامة كل يزك في موضعه كالقلادة في النحر، ولا يعين إقطاعاً إلا لمن يقطع باستحقاقه، ويقمع العدا بما يعرف في صفحات الصفاح من أخلاقه، ولا يخل المباشرين من عنايةٍ تمد إليهم ساعد المساعدة، فلا يخلوا في البلاد بعمارةٍ تغدو في حللها مائدة؛ وليحفظ الطرقات حفظاً تكون به ممنوعة، ويمسك المسالك فإنه في مفرق طرقاتها المجموعة، وليقدم مهمات البريد وما ينطق على جناح الحمام، وليتخذهما نصب عينيه في اليقظة والمنام؛ فرب غفلةٍ لا يستدرك فائتها ركض، ورسالةٍ لا يبلغها إلا رسولٌ ينزل من السماء وآخر يسيح في الأرض، ويرصد ما ترد به مراسمنا العالية ليسارع إليه ممتثلاً، ويطالعنا بما يتجدد عنده حتى يكون لدينا ممثلاً؛ وهو يعلم أنه واقفٌ من بابنا الشريف بالمجاز، وقدام عينينا حقيقةً وإن قيل على طريق المجاز؛ فليؤاخذ نفسه مؤاخذة من هو بين يدينا، ويعمل بما يسره أن يقدم فيما يعرض من أعماله علينا؛ والله تعالى يزيده حظوةً لدينا، ويؤيد به الإسلام حتى لا يدع على أعداء الله للدين ديناً، والاعتماد...............الصنف الثاني: الوظائف الديوانية بغزة:وبها ثلاث وظائف: يكتب لكل منها في قطع العادة بالسامي بغير ياء؛ وهي: كتابة الدرج القائمة مقام كتابة السر، ونظر المال؛ ونظر الجيش. قال في التثقيف: أما قاضيها ومحتسبها ووكيل بيت المال بها، فإنهم نوابٌ عن أرباب هذه الوظائف بالشام، فلا يكتب لأحد منهم شيءٌ عن المواقف الشريفة.قلت: وما ذكره بناءً على أنها تقدمة عسكر. أما إذا كانت نيابةً فإن هذه الوظائف يكتب بها عن الأبواب السلطانية. وقد يكتب حينئذ بوكالة بيت المال والحسبة عن النائب، ويكون ذلك جميعة في قطع العادة، مفتتحاً بأما بعد في المنصوري، أو برسم في الصغير، على حسب ما يقتضيه الحال. على أنه قد حدث بها في الدولة الظاهرية قاض حنفيٌّ يكتب له من الأبواب السلطانية.النيابة السابعة: نيابة الكرك، وأرباب الولايات بها من الأبواب السلطانية على أصناف:الصنف الأول: أرباب السيوف:وليس بها منهم غير نائب السلطنة، ويكتب له تقليدٌ في قطع الثلثين بالمجلس العالي.وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب به للأمير سيف الدين أيتمش من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهو: الحمد لله الذي خص بعزائمنا معاقل الإسلام وحصونه، وبصرنا باختيار من نرتبه في كل معقل منها من أمجاد الأمراء ليحفظة ويصونه، وجعلها بعنايتنا روضاً تجتلي أبصار الأولياء من بيض صفاحنا نوره وتجتني من سمر رماحنا غصونه، وعوذها من آيات الحرس بما لا تزال حماتها وكماتها يروون خبره عن سيفنا المنتضى لحفظها ويقصونه.نحمده على نعمه التي أعلت بنا بناء الممالك، وحاطتها من نبل مهابتنا، بما لو تسللت بينه الأوهام ضاقت بها المسالك، وصفحتها من صفاح عنايتنا، بما يحول برقه بينها وبين ما يستر طيف العد من الظلام الحالك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصم من أوى إلى حرم إخلاصها، وتنجي غداً من غدا من أهل تقريبها واختصاصها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضاتءت ملته، فلم تخف على ذي بصر، وعلت شرعته، فغدا باع كل ذي باعٍ عن معارضتها ذا قصر، وسمت أمته، فلو جالدها معادٍ أوبقه الحصر أو جادلها مناوٍ أوثقه الحصر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانت معاقلهم صهوات جيادهم، وحصونهم عرصات جلادهم، وخيامهم ظلال سيوفهم، وظلالهم أفياء صعادهم، صلاةً لا يزال الإخلاص لها مقيماً، والإيمان لها مديماً، وسلم تسليماً كثيراً.وبعد، فإن أولى الحصون الإسلامية بأن تحوط عنايتنا أركانه، وتتعاهد رعايتنا مكانه، وتلاحظ مهابتنا أحواله فتحليها، وتشاهد أوامرنا قواعده فتشيدها بجميل النظر وتعليلها، وتحول سطواتنا بين آمال الأعداء وتوهمه، وتحجب مخافة بأسنا أفكار أهل العناد عن تأمل ما في الضمي وتوسمه- حصنٌ انعقد الإجماع على انقطاع قرينه، وامتناع نظيره فيما خصه الله به من تحصينه؛ فهو فرد الدهر العزيز مثاله، البعيد مناله، المستكنة في ضمائر الأودية الغوامض بقعته، المستجنة بقلل الجبال الشواهق نقعته، السائر في أقطار الأرض صيته وسمعته.ولما كانت قلعة الكرك المحروسة هي هذه العقيلة التي كم ردت آمال الملوك راغمة، ومنعت أهواء النفوس أن تمثلها في الكرى الأجفان الحالمة، وكان فلانٌ ممن ينهض مثله بحفظ مثلها، ويعلم أن أمانتها التي لا تحملها الجبال قد أودعت منه إلى كفئها ووضعت كفايتها في أهلها؛ فهو سيفنا الذي يحوطها ذبابه، وولينا الذي من طمح بصره إلى أفق حله أحرقه شهابه، ونشو أيامنا التي تنشيء كل ليث يقنص الظفر ظفره وينبو بالسيوف نابه، وغذي دولتنا الذي ما اعتمدنا فيه على أمرٍ إلا كرم به نهوضه وحسن فيه منابه- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نخصها بمهابة سيفه، ونحصنها بما فيه من قوة في الحق تكف كل باغٍ عن حيفه.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت الحصون المصونة تختال من ملكه في أبهى الحلل، وتعلو معاقل الكفر بسلطانه علو ملة الإسلام على الملل- أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس تفويضاً يعلي قدره، ويطلع في أفقها بدره، ويطلق في مصالحها سيفه بالحق وقلمه، ويمضي في حمايتها أفعاله وكلمه، ويسدد في أمورها آراءه المقرونة بالصواب وهممه.فليباشر هذه الرتبة العلية صورةً ومعنى، الملية إذا طأولت الكواكب بأن لا يعلم منها أسمى وأسنى، وليجتهد في مصالحها اجتهاداً يوالي له من شكرنا المنح، ويأتي فيه من مواضينا بالغرض المقترح، ويزيدها إلى حصانتها حصانةً وقوة، ويزينها بسياسته التي تغدو قلوب أهل العناد بمخافتها مغزوة، ولينظر في مصالح رجالها فيكون لحماتهم مقدماًن ولمقدميهم مكرماً، ولا عذارهم مزيحاً، ولخواطرهم بتيسير مقرراتهم مريحاً، وليكن لمنار الشرع الشريف معظماً، ولأحكامه في كل عقد محكماً، ولما قرب وبعد من بلاد نيابته عامراً، ولأكف الجور عن الرعية كافاً: فلا يبرح عن الظلم ناهياً وبالعدل آمراً؛ وملاك الوصايا تقوى الله فليجعلها حلية نفسه، ونجي أنسه، ووظيفة اجتهاده التي تظهر بها مزية يومه على أمسه؛ والله تعالى يسدده في أحواله، ويعضده في أفعاله وأقواله، بمنه وكرمه! وهذه نسخة تقليد السلطنة بالكرك، كتب به للأمير تلكتمر الناصري عندما كان المقر الشهابي أحمد ولد السلطان الملك الناصر بالكرك، وهو: الحمد لله الذي جعل بنا الممالك محصنة الحصون، محميةً بكل سيف يقطر من حده المنون، ممنعةً لا تتخطى إليها الظنون، محجبةً لا تراها من النجوم عيون، رافلةً من الكواكب في عقد ثمين، منيعةً أشبهت السماء واشتبهت بها فأصبحت هذه البروج من هذه لا تبين.نحمده على نعمه التي رفعت الأقدار، وشرفت المقدار، وحلت في ممالكنا الشريفة كل عقيلةٍ ما كان معصمها الممتد إلى الهلاك ليترك بغير سوار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً رفعت للحصون العالية رتباً، وملئت بها سماؤها حرساً وشهباً، وأعلت مكانها فاقتبست من البرق ناراً ووردت من السحاب قلباً، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من بعث ولاةً على الأمصار، وكفاةً على الأقطار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما صدحت الحمائم، وسفحت الغمائم، وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد، فإن خير من حميت به الممالك، وحمدت- ولله المنة- منه المسالك، وارتقت هممه إلى الشمس والقمر والنجوم وما أشبه ذلك، من حصل الوثوق به في أشرف مملكة لدينا، وأفضل ما يعرض في دولتنا الشريفة من أعمالها الصالحة علينا: وهي التي قعدت من الجبال على مفارقها، واتصلت من النجوم بعلائقها، وتحدرت الغمائم من ذيولها، وطفت على السماء وطافت على الكواكب فجرت المجرة من سيولها، وكان الكرك المحروس هو المراد، ومدينته التي لم يخلق مثلها في البلاد، وقلعته تتشكى الرياح لها طلوع واد ونزول واد؛ وهي أرضٌ تمت بأنها لنا سكن، ونمت مناقبها بما في قلوبنا من حب الوطن، واستقرت للمقامات العالية أولادنا- أعزهم الله بنصره- فانتقلت من يمينٍ إلى يسار، وتقابلت بين شموسٍ وأقمار، وجاد بها البحر على النهار.فلما خلت نيابة السلطنة المعظمة بها عرضنا على آرائنا الشريفة من تطمئن به القلوب، ويحصل المطلوب، وتجري الأمور به على الحسنى فيما ينوب، وتباري عزائمه الرياح بمرمى كل مقلة وهزة جيد، ولا يشك في أنه كفؤ هذه العقيلة، وكافي هذه الكفالة التي ما هي عند الله ولا عندنا قليلة، وكافل هذه المملكة التي كم بها بنيةٌ أحسن من بنية وخميلةٌ أحسن من خميلة، من كان من أبوابنا العالية مطلعه، وبين أيدينا الشريفة لا يجهل موضعه؛ طالما تكملت به الصفوف، وتجملت به الوقوف، وحسن كل موصوف، ولم تخف محاسنه التي هو بها معروف؛ كم له شيمةٌ علية، وهمةٌ جلية، وتقدمات إقدام بكل نهاية غاية ملية، وعزائم لها بنعته مضاء السيف وباسمه قوة الحديد وهي بالنسبة إليه ملكية؛ وكان المجلس العالي- أدام الله نعمته- هو لابس هذه البرود التي رقمت، والعقود التي نظمت، وجامع هذه الدرر التي قسمت، والدراري التي سمت إلى السماء لما وسمت، وهو من الملائك في الوقار، وله حكم كالماس وبأسٌ يقطع الأحجار، وهو ملكٌ نصفه الآخر من حديد كما أن لله ملائكةً نصفهم من الثلج ونصفهم من نار، وهو الذي اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجعله في خدمة ولدنا- أمتعه الله ببقائنا- نائباً بها، وقائماً بحسن منابها، والمتصرف فيها بين أيديه الكريمة، والمتلقي دونه لأمورها التي قلدنا بها عنقه أمانةً عظيمة.فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زال به سيف الدين ماضياً، ولا برح كل واحد بحكم سيفه في كل تجريد وقلمه في كل تقليد راضياً- أن تفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس وما معه على عادة من تقدمه فيها، وقاعدته التي يتكفل لها بالإحسان وبكف العدوان ويكفيها؛ وكل ما فيها من أمرٍ فهو به منوط، وكل عمل لها به محوط، وحكمه في مصالحنا الشريفة في جميع بلادها مبسو، وله تطالع الأمور، ومنه تصدر المطالعة، وبه تزال كل ظلامة، وتزاح كل ملامة، ويؤيد الشرع الشريف ويؤبد حكمه، وينثر علمه وينشر علمه، وتقام الحدود بحده، والمهابة بجده. ورجال هذه القلعة به تتألف على طاعتنا الشريفة قلوبهم، والرعايا يعمهم بالعدل والإحسان وأيسر ما عندنا مطلوبهم؛ وهؤلاء هم شيعتنا قبلك، ورعيتنا الذين هم لنا ولك؛ فرفرف عليهم بجناحك، وخذهم بسماحك؛ والمسارعة إلى امتثال مراسمنا الشريفة هي أول ما نوصيك باعتماده، وأولى ما يقبس من نوره ويستمد من أمداده؛ فلا تقدم شيئاً على الانتهاء إلى أمره المطاع؛ والعمل في السمع والطاعة باكر له ما يمكن أن يستطاع؛ وخدمة أولادنا فلا تدع فيها ممكناً، واعلم بأن خدمتهم وخدمتنا الشريفة سواءٌ لأنه لا فرق بينهم وبيننا؛ وهذه القلعة هي التي أدعناها في يمين أمانتك، وحميناها بسيفك وصناها بصيانتك؛ فالله الله في هذه الوديعة، وأد الأمانة فإنها نعمت الذريعة، واحفظها بقوة الله وتحفظ بأسوارها المنيعة، وعليك بالتقوى لتقوى والوقوف عن الشريعة؛ والله تعالى يزيدك علواً، ويبلغك مرجواً؛ والاعتماد.................قلت: وربما ولي نيابة الكرك من هو جليل الرتبة رفيع القدر، من أولاد السلطان أو غيرهم، فتعظم النيابة بعظمه، ويرفع قدرها بارتفاع قدره، وتكون مكاتبته وتقليده فوق ما تقدم، بحسب ما يقتضيه الحال من الجناب أو غيره.وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب بها عن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لولده الملك الناصر أحمد قبل سلطنته، وكتب له فيه بالجناب العالي من إنشاء الشريف شهاب الدين، وهي:الحمد لله الذي اسعدنا بوراثة الملك والممالك، وأرشدنا للرأي المصيب في أن نستنيب من نشاء من ذلك، وأيدنا بالعون والصون في حفظ ما هنا ولحظ ما هنالك، وعودنا الإمداد بيمنه المتداول والإنجاد بمنه المتدارك، وسددنا بالفضل والإسعاف إلى أن نتبع من العدل والإنصاف أنجح السبل وأوضح المسالك، وعضدنا من ذريتنا بكل نجل معرق، ونجم مشرق، يرشق شهابه في الكرب الحال ويأتلق صوابه في الخطب الحالك، وأفردنا بالنظر الجميل، والفكر الجليل، إلى أسعد تخويل تنير بمرآته في الآفاق الشهب الطوالع وتسير ببشراه في الأقطار النجب الرواتك.نحمده! وكيف لا يحمد العبد المالك!، ونشكره على أن أهلنا لإقامة الشعائر وإدامة المناسك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل في جبروته، عن مشابهٍ وتعالى في ملكوته، عن مشارك، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أنجد جنوده من الملأ الأعلى بالملائك، وأمد بعوثه بالنصر والظفر في جميع المواقف والمعارك، وأيد أمته بولاية ملوك يجلسون في النعيم على الأرائك، ويحرسون حمى الدين بجهادهم واجتهادهم من كل فاتنٍ وفاتك، صلى الله عليه وعلى آله سفن النجاة المؤمنين من المخاوف والمنقذين من المهالك، ورضي الله عن اصحابه الذين نظموا شمل الإيمان، وهزموا جمع البهتان، بكل باترٍ وفاتك، صلاةً ورضواناً يضحي لقائلهما في اليوم العبوس الوجه الطلق والثغر الضاحك، وينشر فيحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك، ما ابتهل بصالح الدعاء، وناجح الاستدعاء، لأيامنا كل عابد وناسك، وعول حسن آرائنا على تقديم من هو لجميل آثارنا سالك، وأقبل بالإقبال سنا شهابه المنير يجلو ما تثير من ليل نقعها السنابك، فحصل للكرك والشوبك بهذا القدوم فخار مسيرك بينهما وبين النجوم الشوابك.أما بعد، فإن الله تعالى آثرنا بتوفير التوفيق، ويسرنا من الهدى إلى أقوم طريق، ووهبنا في الملك النسب العلي العريق، والحسب الذي هو بالتقديم والتحكيم حقيق، وقلدنا من عهد بيعة السلطنة ما لحمده في الآفاق تطريق، ولعقده في الأعناق تطويق، ففيأنا من شجرة هذا البيت الشريف الناصري المنصوري كل غصن وريق، وهيأ للبرية تكريماً عميماً بتقديم من له المجد يتعين وبه السؤدد يليق، وأطلع في أفق أعز الممالك علينا من بيتنا شهاب علا هو للبدر في الكمال والجمال شبيهٌ وشقيق، وأطعنا أمر الله تعالى في معاملة الولد البار معاملة الوالد الشفيق، وأودعنا لديه ما أودعه الله تعالى لدينا: مملكةً مرتفعةً متسعةً ليرتفع محله ويتسع أمله ولا يضيق، وجمعنا له أطرافها لتكون لكلمته العليا بها الاجتماع من غير تفريق.ولما كان الجناب العالي، الولدي، الشهابي، سليل الملوك والسلاطين، خليل أمير المؤمنين، هو الذي تشير رتب الكفالة بترقيه، وتقر عيون الأولياء بتعينه لإلقاء أمرنا المطاع وتلقيه، وتلهج الألسنة ضارعة إلى الله تعالى أن يخلد ملك بيته الشريف ويبقيه، وتعرج إلى السموات دعوات الأتقياء أن يوقيه الله مما يتقيه؛ ونمسك في هذا المقام لسان المقال عن مدحه أدباً، ونترك الافتخار بالمال والعيدد إيثاراً لثواب الله وطلباً، وندرك موعظة الله سبحانه في كتابه قصداً وأرباً؛ {والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ عقباً}. وببركة هذا القصد يتم لنا فيه المراد، ويعم هذه المملكة النفع بهذا الإفراد، فإنها معهد النصر والفتح، ومشهد الوفر والمنح، ومصعد العز الذي لما وطئنا صرحه تدكدك للعدا كل صرح، وتملك للهدى كل سرح، ونشقنا بها لقرب المزار من طيب طيبة أعظم نفح، وقد بقينا بجاه الحال بها في تيسير التأييد فكان كاللمح، وجرى خلفنا السمح بعد ذلك على عادته في الحكم والصفح، وسرى ذكرنا في الشرق والغرب وللحاة به أطرب صدح، وآتى الله من فضله ملكنا نعماً تجل عن العد والشرح، فيها منشأ دولة الدول ومنها فتح الفتوح، وبإضافته إلينا تفاؤل خيرٍ مشهورٍ ملموح، كما قيل قبلها كرك نوح؛ فبتطهير الأرض من الكفار، عزائمنا تغدو وتروح، وبالاستناد بأطول الأعمار، أمارةٌ بادية الوضوح، وآثار بركة الاسم الشريف المحمدي تظهر علينا في الحركات والسكنات وتلوح، وفخار هذه المملكة المباركة: لاختصاصها بالحرمين الشريفين عليها طلاوةٌ وسعادةٌ وفيها روح؛ وكنا قد سلكنا بهذا الولد النبيل، سنة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، في ولده إسماعيل، عليهما السلام التام في كل بكرة وأصيل، حيث فارقه وأفرده، وتفقده في كل حين وتعهده، حتى شد الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لما شيده، فأجمل الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لما شيده، فأجمل الله لنا هذا القصد وأحمده، وكمل هذا الشروع وأسعده؛ وأجزل له من فوائده أوفر هبةٍ وأنجز له من عوائده أصدق عدة، فأحللناه في هذه المدة بمملكة الكرك فسلك من حسن السجايا أحسن مسلك، وملك قلوب الرعايا وبما وهب من المنح تملك، وبسنتنا في التواضع للحق مع الخلق تمسك وبشيمنا وخلقنا في الجود تخلق فبذل وما أمسك.ولما بلغ أشده واستوى، وبزغ شهاب علاه الذي هو وبدر السماء سوا، وحاز مكارم الأخلاق وحوى، وفاز سلطاننا فين جابته بحسن النية: وإنما لكل امرىءٍ ما نوى- حكمناه في هذه النيابة التي ألفها ودربها، وعرف أمورها وجربها، واستمال خواطر أهلها واستجلبها، وأدنى لهم لما دنا منهم الميامن ولما قر بها منهم قربها، واستحق كفالتها واستوجبها، وأظهر الله تعالى فيه من الشمائل أنجبها، ومن الخلائق أرحبها، ومن الأعراق أطيبها، ومن العوارف أنسبها، ومن العواطف أقربها، ومن البسالة أرهفها وأرهبها، ومن الجلالة أحبها إلى القلوب وأعجبها، ومن السيادة ما أخذت نفسه لها أهبها، ومن الزيادة ما يتعين له شكر الله الواهب الذي وهبها، ومن السعادة ما رفعت الأقدار على مناكب الكواكب رتبها، وأطلعت لحماته سماء العلياء شهبها، ورقت على هامة الجوزاء منصبها، واستصحبت من العناية لهذا البيت مزيةً فرض الله بها له الطاعة وكتبها؛ فاستخرنا الله تعالى الذي يختار لنا ويخير، وسألناه التأييد والتيسير؛ وفوضنا إليه وهو الكفيل لنا بالتدبير، في كل مبدإٍ ومصير، واستعنا به وهو نعم النصير، واقتضى حسن الرأي الشريف أن نسرج شهابه المنير، وننتج للأولياء يمن التأثيل بحسن هذا التأثير، وننهج في بره سبلاً تقدمنا إليها كل ذي منبرٍ وسرير، ونثلج الصدور ونقر العيون بسعيد الإصدار وحميد هذا التقرير.فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برح أمره يصيب السداد فيما إليه يصير، وخبره يحمل الموافاة فللألسنة عن مكافأة بره تقصير- أن تفوض نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس والشوبك للجناب العالي، الولدي، الشهابي، وما ينضم إلى ذلك وينضاف، من جميع الأقطار والأكناف؛ وجمعنا له من هذه المملكة الأطراف، وجعلنا له على سهلها وجبلها إشراف، وصرفناه منها فيما هو عن علمه الكريم غير خاف، نيابةً كاملة، كافلة شاملة، عامة، تامة، وافرة، سافرة، يستلزم طاعته فيها الافتراض، وتنحسم عنه فيها مواد الاعتراض، وتنفذ مراسمه من غير توقفٍ ولا انتقاض، وتبسط يده البيضاء من غير انقباض، ويرتفع رأيه من غير انخفاض.فلتقدر رعية هذه البلاد نعمة هذا التفويض قدرها، وليسألوا الله أن يوزعهم لحسن هذا التفويض شكرها؛ فقد أنشأ لهم يسرها، وأفاء لهم برها، وألقى إليهم جودها وخيرها، وابقى عندهم عزها ونصرها، وليتبعوا السبيل القويم، وليجمعوا على الطاعة التي تبقي عليهم نعمة العافية وتديم، وليسمعوا ويطيعوا لما يرد إليهم من المراسيم؛ فمن لم يستقم كما أمر لا يستمر بهذه البلاد ولا يقيم؛ والعاقل لنفسه خصيم، والجاهل من عدم النعمة وحرم النعيم؛ وفراستنا تلمح نتائج الخير من هذا التقديم، وسياستنا تصلح ما قرب منا وما بعد بتعريف أحكام التحكيم؛ وكيف لا؟ وهو الكريم بن الكريم بن الكريم، المؤمل لتمام السؤدد قبل أن يعقد عليه التميم، المشتمل على الخلال الموجبة له الفضل العميم، المتوصل بيمن حركاته إلى أن يكون لمثل هذا الملك العظيم، وإلى أمانته استيداعٌ وإلى صيانته تسليم، المقبل وجهدنا الإقبال فتتلو الرجال: {ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ}.ونحن نأمرك من التقوى بما به من الله أمرنا،، ونبصرك من الهدى بما له هدينا وبصرنا، ونبقي لديك من بدائعها ما به خصصنا وأوثرنا، ونوصيك اتباعاً للكتاب والسنة، ونؤتيك من الهداية ما لله في الإرشاد إليه المنة: فقد وعظ ووصى لقمان- عليه السلام- ابنه، وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن فحقق الله تعالى في نجاحه رجاءه وفي فلاحه ظنه، ونذكر جنابك، ونرجو أن تكون ممن تنفعه الذكرى، ونسير شهابك، إلى أفق السعد، ونأمل أن تيسر لليسرى، ونؤمرك فتزيد علم عزك رفعاً ولواء مجدك نشراً، ونأمرك ثقةً بحسن أخلاقك، فيتلو لسان وفاقك: {ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً}؛ فمثلك من أيدته العصم، وأصعدته الهمم، وحمدته الأمم، وأرشدته إلى الحكم ما عهدته فكرته من الحكم، وسددته أعراقه وأخلاقه فلا يزاد على ما فيه من كرم؛ فلا نذكر منك ناسياً، ولا نفكر لاهياً، ولا نأمر وننهى إلا من لم يزل بالمعروف آمراً وعن المنكر ناهياً.فاتق الله تعالى: فعلى التقوى مرباك، وراقب اللهتعالى: فالمراقبة للملوك من بيتك ملاك، وجد في نصرة الحق ولا تأب: فقد أنجد الله تعالى بذلك جدك وأباك، واعدل فبالعدل تعمر الدول وأقم منار الشرع، فهو الأصل الذي يرد إليه من القضايا كل فرع، ومجاله الرحب إذا ضاق الذرع؛ فأيد حاكمه، وشيد معالمه، وأكد الإلزام بأحكامه اللازمة.والأمراء والجند فهم جناح النجاح، وصفاح الصفاح؛ فاعتمد أحوالهم بالصلاح، وأرد فيهم ما استطعت الإصلاح، والخيالة والرجالة الذين يحمى بهم مصون الحصون أن يستباح؛ فالحظ أمورهم بعين فكرك في كل مساءٍ وصباح، فمن نهض في الخدمة تعين من النعمة أن يزاد ومن قصر في العزم قضى الحزم أن يزاح؛ والرعايا فههم للإحسان ودائع، وللامتنان صنائع؛ فأعذب لهم من المعدلة المشارع، وانصب لهم من إقامة الحرمة الزواجر والروادع، وأخصب لهم من النعمة مربعاً يرغب الجامح ويقرب الطائع؛ وأهل الذمة فآوهم إلى كنف العدل الواسع، واحمهم أن تمتد إلى أنفسهم يد جانٍ وإلى أموالهم يد طامع، وأقم عليهم بأساً يحل بهم إذا اعتدوا القواصم والقوارع، وأدم لهم مهابة تسد من فساد الذرائع، وعاود آراءنا الشريفة وراجع، وواصل بأنبائك السارة وأفعالك البارة وتابع، وبما تتطلع إليه خواطرنا العاطفة من متجدداتك المباركة أتحف وطالع؛ والله تعالى يشنف بحسن سيرتك المسامع، ويشرف بحلول عدلك المحافل والمجامع، ويوزعك شكر نعمته ويجعل لك من عصمته أعظم وازع، ويمتعك بأيامنا التي فيها الخير الشامل والبر الجامع، ويصون بخلالك الحسنى ما استحفظت من أسنى الودائع، ويزين سماء العلياء بجلالك فمنها لك قمراها والنجوم الطوالع، ويوفق بجميل قصدك إلى أن تأخذ من القلوب بالمجامع، ويحقق في إسعاد جنابك المطالب ويشرق بإصعاد شهابك المطالع؛ والعلامة الشريفة أعلاه حجةٌ بمقتضاه.الصنف الثاني: أرباب الوظائف الدينية:وبها قاض واحدٌ شافعي وتوقيعه في قطع الثلث بالسامي بالياء.الصنف الثالث: الوظائف الديوانية:وهي ثلاث وظائف، يكتب لكل منها توقيعٌ في قطع العادة: الأولى كتابة الدرج، والثانية نظر المال، الثالثة نظر الجيش.
|